خلافات مكتومة قابلة للانفجار.. كيف يبدو المشهد في السودان بعد 8 أشهر من انقلاب 25 أكتوبر؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/02 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/02 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش
حميدتي والبرهان/ رويترز - أرشيفية

في شهر رمضان المبارك الذي انقضى قريباً، وضح بالتحديد، من التصريحات التي أدلى بها القطبان البارزان المتمسكان بسدة الحكم الآن (البرهان ونائبه حميدتي)، وبعض قادة الحركات المسلحة، أن هناك خلافات شديدة مكتومة قابلة للانفجار في أية لحظة، فتارة نجد تبادل النقد، وتارة أخرى هجوماً شبه مباشر على الحلفاء، فهل آن أوان الفراق بعد أن وضح جلياً أن انقلاب الـ25 من أكتوبر قد يرتد بقوة على من قاموا به؟

خيوط اللعبة في يد حميدتي من أجل تقوية نفوذه

معظم السودانيين يعلمون علم اليقين بأن قائد مليشيا الجنجويد ونائب المجلس السيادي "محمد حمدان دقلو"، الشهير بـ"حميدتي"، أصبح نفوذه يجاوز رئيس المجلس، الجنرال "عبد الوهاب البرهان"، بمراحل إن لم يتفوق عليه تماماً.

هذه حقيقة واقعة لا ينكرها إلا مكابر، فميليشيا أمير الحرب لا تزال تتمدد على حساب الجيش القومي في كل مجال وقطاع، حتى صار الكثير من المراقبين يحذرون من أن الجيش قد يصحو يوماً ويجد أنه أصبح تحت رحمة ميليشيا الجنجويد حرفياً.

وفي الجانب الآخر بدأت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، والتي دعمت انقلاب الـ15 من أكتوبر بالتململ والخروج من منطقة الراحة الخاصة بها، بعد أن وضّح لها أن البرهان لا يملك من قراره شيئاً في تنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعه معهم في عاصمة جنوب السودان، حيث وضح لها جلياً أن جميع خيوط اللعبة في يد قائد ميليشيا الجنجويد خصمهم القديم الجديد.

وقائد الجنجويد بالتأكيد لن يتنازل، أو بالأحرى من المستحيل أن يتنازل، عن نقاط قوته التي يتفوق بها على الجميع، وبالتحديد علو كعبه على الحركات المسلحة التي كانت تريد الحصول على جزء من كعكة السلطة بأقل الأضرار؛ حيث إن مسألة تفوقها على ميليشيا الجنجويد أصبحت من سابع المستحيلات عسكرياً.

لذا فإن مسألة رجوعها مرة أخرى لخانة الحرب أمر مستبعد تماماً؛ لعلمها تماماً أن قائد ميليشيا الجنجويد يتحين هذه الفرصة على أحر من الجمر لإطلاق جيشه القوي، والذي يستطيع التهام جميع جيوش الحركات المسلحة في أيام محدودة.

تركيبة معقدة وخلافات مكتومة ستؤدي إلى الانفجار لا محالة

حتى الآن وبعد مرور 7 أشهر كاملة على انقلاب الـ25 من أكتوبر لم يتمكن المجلس العسكري الحاكم من تكوين حكومة تسيّر أمور البلاد، حيث وضح أن الانقلاب كان مغامرة لم يتم حسابها بشكل صحيح، سواء من المجلس العسكري، أم الجهات الداعمة لها، أم ما يُعرف محلياً بـ"جماعة اعتصام الموز"، والتي تتكون من عدة مكونات وشخصيات مدنية ومعهم قادة الحركات المسلحة.

وهذا يعود إلى التركيبة الهشة وحالة عدم الثقة بين المكونات التي قامت بانقلاب الـ25 من أكتوبر، والتي تشمل:

قادة جيش يبحثون عن مخرج آمن

ونعنى هنا قادة المجلس العسكري الانتقالي بالتحديد، الذين أصبحوا أكثر خوفاً من انقلاب الأوضاع عليهم، مع استمرار المد الثوري وعدم هدوئه منذ انقلاب الـ25 من أكتوبر، ومساءلتهم على الجرائم التي ارتكبوها بدءاً من مجزرة فض اعتصام القيادة، مروراً بالضحايا الذين سقطوا بعد انقلاب الـ25 من أكتوبر.

لذا يبدون أكثر حرصاً على إيجاد صيغة آمنة للخروج، بدءاً من البرهان، الذي أصبح في الفترة الأخيرة، وبالتحديد منذ شهر رمضان الماضي، حريصاً للغاية على ذكر مفردة "الحوار" مع لجان المقاومة الثورية والأحزاب الرافضة للانقلاب، مع استمرار صمود الشارع الثوري وعدم التنازل عن مطالبه بشكل قاطع، وأهمها محاسبة قادة المجلس العسكري على كل الجرائم التي ارتكبوها.

قائد ميليشيا الجنجويد والبحث عن الغفران

يعرف حميدتي قائد ميليشيا الجنجويد جيداً أن مجزرة فض اعتصام القيادة والأحداث اللاحقة لها كان ولا يزال جرحاً مؤلماً لن ينساه الشعب السوداني بتاتاً، لذلك يبدو أكثر حرصاً على مخاطبة لجان المقاومة الثورية والأحزاب الرافضة للانقلاب في كل مناسبة له، طالباً منهم الجلوس لمائدة الحوار، بحثاً منه هو الآخر عن مخرج آمن دون المس بأدوات نفوذه وقوته التي يستند إليها.

وفي الوقت نفسه يعمل جاهداً على شراء زعامات الإدارة الأهلية في مدن السودان الأخرى، وبالتحديد شرق السودان، لتشكيل حاضنة شعبية له يستند إليها في حالة قيام الانتخابات، حيث يبدو جلياً وهو يعرف جيداً أن الضامن الوحيد لبقائه ليس في السودان وحده، بل حتى حراً طليقاً هو الانتخابات، ولو كانت صورية، والذي يبدو واثقاً بشدة من الفوز بها لما يمتلكه من موارد مالية، بالإضافة إلى العمل على ترسيخ أساسيات فوزه بها منذ فترة طويلة.

الحركات المسلحة تبحث عمن يضمن لها مصالحها

ينص اتفاق جوبا الموقع بين الحكومة الانتقالية، المكوِّن العسكري بالتحديد، والحركات المسلحة، على أن يُدمج الشق العسكري منه في الجيش القومي، أو يُسرح ويتحول الشق السياسي إلى أحزاب سياسية مدنية. ولكنها بدلاً من ذلك عمدت إلى الانحياز لقادة انقلاب الخامس عشر من أكتوبر ومعها خسرت تحالفاتها مع الأحزاب الأخرى ولجان المقاومة الثورية والمجتمع الدولي، وحتى المواطن العادي البسيط الذي كان ينظر إليها بحيادية.

وأتت خطوتها هذه لأنها رأت أن الجيش، وبالتحديد قائده البرهان، هو الضامن الوحيد لتنفيذ بنود اتفاق السلام الذي يضمن لها جزءاً من كعكة السلطة، وفي الوقت نفسه فهي تخشى قائد ميليشيات الجنجويد من الاستفراد بها وإضعافها؛ لأن لا موارد مالية لها بعد إيقاف التمويل الدولي مع حدوث الانقلاب.

حيث وضح جلياً لقادتها أن قائد ميليشيا الجنجويد لا أمان له، ومن المستحيل أن يشاركهم موارده المالية المتمثلة في تصدير جيوشهم للانضمام إلى ميليشيا الجنجويد التي تحارب في اليمن، أو اقتسام موارد الذهب واليورانيوم في دارفور. لذا يبدون أكثر حرصاً على التحالف مع العسكر لضمان تنفيذ اتفاق جوبا، مع استعدادهم في الوقت نفسه للغدر بالبرهان متى ظهر أي قائد عسكري جديد.

لا يوجد اتفاق بين مكونات الانقلاب ولكن توجد مصالح

مما سبق ذكره نجد أن جميع قادة أو مكونات انقلاب الخامس عشر من أكتوبر لا توجد قضية تجمعهم معاً، فكل طرف يريد تحقيق مصالحه الخاصة، حيث يتكون من عناصر غير متجانسة، ولا يثقون ببعضهم، والشيء الوحيد الذي يجمعهم هو عدم وجود حل، أو بالأحرى عدم وجود مخرج واضح يمكن الاستناد إليه لإنجاح انقلابهم الفاشل.

فقائد الجيش ورئيس المجلس السياسي تورط في تصدره المشهد لهذا الانقلاب، وتحالفه الظاهر مع قائد ميليشيا الجنجويد على حساب جيشه، والرضوخ له لحماية نفسه من الجيش الذي يمثله؛ حيث أصبح غير مرغوب فيه حتى من زملائه من أعضاء المجلس العسكري الذين أصبحوا يبحثون لإيجاد مخرج لأنفسهم، كل بطريقته الخاصة.

بينما قائد ميليشيا الجنجويد يريد تأمين جانبه من غدر عناصر النظام البائد، الذين أصبحوا أكثر ضراوة في شن الهجوم عليه بعد الإفراج عنهم برعاية خفية من المكون العسكري، ويريد الوصول إلى الانتخابات بأي طريقة كانت لتأكده التام من الفوز بها، الأمر الذي يضمن له الانفراد بحكم السودان، وبالتالي تجنب المساءلة القانونية بعد ثبوت مشاركة قواته في جميع المآسي التي يمر بها السودان منذ فض اعتصام القيادة وحتى الآن.

وهو يستند في ذلك على ترهيب البرهان والجيش القومي بقوة ميليشياته المسلحة، التي تدين له بالولاء التام وموارده الاقتصادية الهائلة ودعم دول المحور له، حماية لمصالحهم في السودان، وقدرته على قلب العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح كما صرح بذلك سابقاً.

أما عن الحركات المسلحة كما ذكرنا سابقاً فهي تبحث فقط عمن يضمن لها مصالحها وامتيازاتها التي وردت في اتفاق جوبا، بغض النظر عن الشخص الذي يحكم، والتي تعتبرها خطاً أحمر لا يجب المساس به بتاتاً، سواء من قائد الجيش أم قائد ميليشيا الجنجويد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هزاع جار النبي
كاتب سوداني
كاتب سوداني
تحميل المزيد