“العيد فرحة”.. كيف يجبر الله قلوبنا إلى هذا الحد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/28 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/28 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
صلاة العيد في مصر/ الأناضول

تعرضت أمة الإسلام لأخطار متعددة عبر تاريخها، تمثّلت في فتن وحروب واستعمار من قوى خارجية وداخلية، ورغم هذا لم تمُت، وما زالت فيها نخوة للدين وبقية من تقوى وأَثَرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا تظهر كل هذه الصفات في وقت الرخاء بقدر ما تظهر في وقت الشدائد، لكن الاستثناء يظهر في رمضان الكريم، وعيد الفطر وعيد الأضحى المباركين، ظهوراً يكاد أن يحسدهم عليه غير المسلمين في شتى بقاع الأرض؛ لما تمثله هذه المواسم من اتحاد وتآخٍ بين المسلمين، فكيف يكون ذلك؟

لم نكن من قبل نشعر كثيراً بهذا الكمّ من المشاعر الدينية في رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، أو على الأقل مثلما نشعر بها الآن، بعد أن صارت أدوات التواصل من بث تلفزيوني وعبر الإنترنت تنقل لنا تلاحُم أمة المسلمين في عبادتهم في الدول الإسلامية وغير الإسلامية.

تبدأ الاحتفالات بحلول شهر رمضان الكريم على نطاق واسع، يكاد يذهل غير المسلمين، خاصة في الدول غير الإسلامية، خاصة أن غير المسلم يحسب أن الصيام مشقة ويراه عذاباً للجسد، لا فرحاً بالامتثال لأمر الله. من هنا تظهر الفرحة في موائد الرحمن الكبيرة، وصلاة التراويح، والتواشيح الدينية عبر مكبرات الصوت، وانتشار زينة رمضان في البلكونات، وفوانيس رمضان في الشوارع، وإضاءة البيوت حتى مطلع الفجر، إلخ… وتُمثل الاحتفالات الكبيرة بليلة القدر وختم القرآن وصلاة التهجد والاعتكاف في المساجد ذروة احتفالات رمضان، التي تحبس الأنفاس لمن يتابع أخبارها في أكثر من بلد إسلامي وغير إسلامي.

ينتهي رمضان ثم تصدح تكبيرات العيد في كل بقاع الأرض، ويفترش المسلمون الأرض في صلاة العيد في الساحات والملاعب بشكل يذهل العقل، ولا تُقارَن احتفالات المسلمين بعيد الفطر بأي احتفال آخر على مستوى العالم، لا من حيث عدد المحتفلين فقط، بل برقعة الاحتفالات التي تكاد تغطي الكرة الأرضية كلها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، في الدول الإسلامية وغير الإسلامية.

وفي عيد الأضحى المبارك تمتلئ مطارات العالم بالحجاج من كل حدب وصوب وهم بلباس الإحرام الأبيض، قبل التوجه لقضاء الشعائر في مكة، ومن خلفهم المسلمون في شتى بقاع الأرض وهم يحتفلون بالتكبير والتهليل وصلاة العيد وذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء. وقد اعتاد المسلمون على تغطية إعلامية كبيرة لهذه الأضاحي في الإعلام الغربي بشكل سلبي، مع تناسي الاحتفالات المماثلة في أمريكا بذبح الديك الرومي في احتفالات عيد الشكر، لكن من المؤكد أن الرقعة الضخمة التي يحتفل عليها المسلمون بصلاة عيد الأضحى، ثم ذبح الأضاحي، لا تُقَارَن باحتفالات عيد الشكر في أمريكا أو أي احتفال آخر في أي دولة في العالم.

لكن، أليست كل هذه الاحتفالات شكلاً من أشكال التدين وليست رمزاً لقوة المسلمين؟ نعم، ولكن هذه الاحتفالات أيضاً رمز لقوة المسلمين الروحية، ودليل ساطع أن هذه الأمة تستطيع فعل المستحيل إن توافرت لها قيادات مخلصة، وضمّتها تحت ألوية تجمع ولا تفرق، وتبادر بالتعاون بين الدول الإسلامية قبل غيرها من الدول. تخيل ماذا يحدث لو اتحدت هذه الأعداد المليارية من المسلمين على شيء؟

لعل في هذه الاحتفالات فرحة تزيل هم وغم المسلمين عن تخلفهم الحضاري ولو لحين، ولعلها تذكرهم بضرورة الإفاقة من هذا التخلف واللحاق بركب التقدم مع الحفاظ على دينهم، ولعلها تُذكّرهم بأن احتفالات الشكل لا يجب أن تكون هي الغاية من الدين، ولعلها تُنبّههم لقوتهم لو اتحدوا وأزالوا ما بينهم من خلافات، ولعلها ترجعهم إلى الله بصدق ويقين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعودي صادق
كاتب ومترجم مصري
كاتب ومترجم مصري
تحميل المزيد