دعوة لا تشبه ما سبقها.. هل يمكن للحوار السياسي المنشود بناء “جمهورية جديدة” ترضي الجميع في مصر؟

عدد القراءات
3,915
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/27 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/27 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
السيسي من حفل إفطار الأسرة المصرية الذي دعا فيه للحوار السياسي/ يوتيوب

منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها في 30 يونيو 2013؛ كانت السمة الغالبة على المشهد السياسي المصري هي ضبابية المشهد السياسي العام، وعدم وضوح الرؤية، وغياب تام لكل القوى السياسية الفاعلة، وفجأة شهدنا ميلاد مصطلح "الجمهورية الجديدة" على الساحة السياسية، وهو مصطلح مخالف للأعراف المتوارثة لدى العقلية السياسية المصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952، والتي ألِفت شكلاً أحادياً في التفكير، ووقفت أمام المصطلح إما بالسخرية اللاذعة أو النظر للمصطلح على أنه تكريس وإعادة إنتاج لجمهورية 23 يوليو! ولم تتحرك العقلية المصرية السياسية ناحية تفنيد المصطلح أو طرح رؤيتها له كما فعلت النخبة السياسية المصرية تجاه الشكل الملكي وتحوّله إلى الملكية الدستورية قبل ثورة 23 يوليو 1952.

لهذا كانت دعوة الرئيس "السيسي" على هامش افتتاح موسم حصاد القمح في توشكى جنوب مصر بقوله: "نحن في حاجة إلى حوار سياسي شامل حول الجمهورية الجديدة"، وذلك قبل تجديده الدعوة ذاتها لكن بشكل أكثر تفصيلاً في حفل إفطار الأسرة المصرية، بمنزلة نظرية "القط الميت"، الذي ألقي على مائدة اجتماعات السياسة المصرية الحائرة وغير المتفقة مع سياسة النظام السياسي في كثير من القضايا، وأصبحوا مطالبين فجأة بالدخول في حوار سياسي يطلبه رأس النظام السياسي بنفسه حول ماهية مصطلح الجمهورية الجديدة التي يريد النظام المصري تعزيز وجودها مبتعدة عما سبقها.

وهو ما أربك المشهد، وحار الجميع، وأصبحت التساؤلات سيدة الموقف، ما هي الجمهورية الجديدة؟ ما طبيعتها؟ ما تفاصيل دعوة الحوار؟ هل هي مناورة من النظام الحاكم لإيجاد ظهير سياسي في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة؟ وهل النظام الحاكم صادق في دعوته ولديه القدرة الكاملة على إدارة حوار شامل تُسمع فيه وتؤخذ كل قراراته مأخذ الجد؟

مما لا شك فيه أن الدعوة للحوار الوطني التي طلبها الرئيس السيسي ليست جديدة في العلاقة بين النظام الحاكم والقوى السياسية المصرية، ولكن اللافت للنظر أن الدعوة للحوار الوطني دائماً ما تأتى ونحن نعاني من أزمة، فالرئيس الراحل عبد الناصر دعا إلى ما يشبه الحوار الوطني بعد هزيمة يونيو 1967، والرئيس مبارك دعا لحوار وطني أكثر من مرة في عام 1982 في بداية حكمه، وفي عام 1986، وفي عام 1988 على وقع أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة، ثم قامت ثورة 25 يناير 2011 وفشلت كل دعوات الحوار الوطني، حتى التي دعا لها المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك أيام حكم الإخوان المسلمين.

وقد اتسمت كل تلك الحوارات بالفوقية من النظام السياسي؛ حيث كان ينظر للمعارضة على أنها شكل سياسي ديكوري ليس أكثر ولا أقل، وفي حين كانت طلبات المعارضة واضحة، فماذا كانت تفاصيل الحوار؟ وهل سيستجيب النظام الحاكم لطلبات وتطلعات المعارضة في التغيير؟ وهو ما كان يصل في السابق بالحوار الوطني إلى الفشل، ويتبادل الطرفان الاتهامات؛ حيث تصف المعارضة الحوار "بحوار الطرشان" وتنسحب منه، ويصف النظام المعارضة بأنها "جوفاء" (لفظ جمال مبارك رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل).

لهذا لم تختلف الدعوة للحوار الوطني التي أطلقها الرئيس السيسي عن سابقاتها هذه المرة من حيث الظروف المحيطة؛ فمصر تعاني أزمة اقتصادية كبيرة، ويزيد من حدتها الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من حرب اقتصادية عالمية، وكذلك غياب تام للحياة السياسية المصرية على أرض الواقع، حتى وإن اكتمل الشكل الديكوري في وجود مجلسي النواب والشيوخ.

ولكن تلك الدعوة تختلف عن سابقاتها من حيث شكل الدعوة تحديداً وجديّتها -التي ستفصح عنها الأيام أكثر-؛ حيث تمت الدعوة للحوار تحت مظلة عنوان جديد نسبياً على الحياة السياسية، حيث الحوار حول شكل "الجمهورية الجديدة" التي دعا إليها الرئيس ويريدها، وهنا تكمن أهمية الحوار، حيث الحوار على شكل المستقبل في ظل أزمة اقتصادية خانقة ستتطلب بالتأكيد مرونة عالية من النظام السياسي والمعارضة لتجاوز أزمات جميع الحوارات الوطنية السابقة، وهذا في ظني لن يتحقق بسهولة؛ حيث إن المعارضة تعاني التهميش بشدة منذ ثورة 25 يناير وما تلاها في 30 يونيو 2013، ولهذا فإنها ستطلب ضمانات أكبر من إمكانياتها على الأرض لتحقيق قبول الجلوس على طاولة الحوار الوطني مع النظام!

وإنها ستأتي مطالبة برؤية واضحة للمستقبل وشكل الجمهورية الجديدة لا مطالب فقط! يقابلها مأزق التمثيل السياسي في مجلسَي النواب والشيوخ، أي حجم التأثير في الشارع السياسي، والذي سيؤثر فعلياً في موقفها على مائدة الحوار، خصوصاً مع اختفاء تيار الإسلام السياسي عن الساحة السياسية المصرية ولسنوات قادمة.

يقابل كل هذا مأزق النظام السياسي نفسه؛ حيث إن دعوة الرئيس السيسي للحوار السياسي لم يحدد شكلها وطبيعتها، هل هي دعوة للحوار على شكل الجمهورية الجديدة من خلال منظور سياسي معتمَد لدى الدولة وتريد المعارضة أن تشاركها الأفكار حولها؟ أم أن الحوار سيبدأ من البداية حيث التعريف والماهية وشكل المستقبل؟ وهل نتائج هذا الحوار الوطني بين الأحزاب المصرية ستُرفع إلى رئيس الجمهورية بصفته، أَمْ إلى الكتلة السياسية التي تشكل العمود الفقري لنواب الشعب في مجلسَي النواب والشيوخ؟

وهل سيكون الرئيس راعياً فقط للحوار أم مشاركاً فيه؟ وكيف يشارك وهو ليس رئيساً لحزب أو معبراً عن كتلة سياسية؟

لهذا أعتقد أننا مقبلون، إذا أردنا، على حوار سياسي قد يصير واضح المعالم بين النظام السياسي والمعارضة على تعديل دستوري يمنح الرئيس صلاحيات إنشاء ورئاسة حزب سياسي حتى تكون الأمور واضحة، وتكون وسائل تحقيق أهداف الحوار الوطني واضحة، فلا يعقل أن تتوصل الأحزاب السياسية لشكل وطبيعة وأهداف الجمهورية الجديدة في ظل قيادة سياسية لا تمثل أي فصيل سياسي قادر على ملء الفراغ في الشارع السياسي للجمهورية الجديدة.

إن الدعوة للحوار الوطني ما زالت في طور التشكل، وأعتقد أنها لن تحدث في القريب العاجل إذا تطورت الأزمة الاقتصادية العالمية خلال الشهور القادمة، ولهذا ستكون هناك فرصة كبيرة للمعارضة أن تنظم نفسها وتحاول تطوير أفكارها لتناسب مرحلة جديدة وفرصة لن تعوض للجلوس على طاولة واحدة مع النظام السياسي، وفي المقابل يجب على النظام فتح مسارات آمنة للمعارضة في الشارع للتواصل بينها وبين الشارع السياسي من أجل تبادل الأفكار والرؤى، وبلورة شكل الجمهورية الجديدة على أسس سياسية وشعبية حقيقية، وقبل كل هذا وذاك يجب أن تُعطى إشارات للشارع من قبل النظام والمعارضة بأن هناك تغييراً حقيقياً قادماً في الأفق يبشر بجمهورية جديدة منفصلة عما سبقها، وتعزز قيم المستقبل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر رافع
كاتب مصري مهتم بالسياسة
كاتب مصري مهتم بالسياسة
تحميل المزيد