عليّ ومعاوية.. وحرب النماذج التفسيرية

عدد القراءات
1,600
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/02 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/02 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
رسمة تصويرية لمعركة صِفّين بين جيشي الإمام عليّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان/ ويكيبيديا

من الأمور التي أُحبها في فن التأريخ أن يقوم المؤرخ الضليع باستخدام القصص والحكايات كنماذج تفسيرية، ثم يتسرب منها لرؤيته حول الأحداث التاريخية التي يتناولها بالدرس والكتابة، ولكن أجمل من هذا أن يقوم أبطال هذه الأحداث بصناعة نماذجهم التفسيرية الشارحة. وتوجد أحداث تاريخية كثيرة يكون البطل فيها واعياً بموقفه من الأحداث التي يخوضها، ويقدم وعيه بها من خلال حكاية أو خبر أو موقف يشرح به موقفه من الأحداث، وربما يتنبأ أيضاً بمآلها.

لا تكاد توجد في تاريخنا القديم حرب تم توثيق رأي الجانبين فيها بدقة كالحرب التي كانت بين معاوية وعلي بن أبي طالب. والغريب فيما وصَلَنا من وثائق أن كلا القائدين كانا يستخدمان ما نسميه بالنماذج التفسيرية لتوضيح موقفهما، وهنا سأضرب مثالين وأفسرهما لعرض وجهتَي النظر.

لكن لا بد أن أشير بدايةً إلى أن مفهوم "النموذج التفسيري" أو "النموذج المثالي" يعود لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، الذي صاغه قبل قرن من الآن، وما زال استخدامه شائعاً في التأريخ وعلم الاجتماع. وهذا النموذج بالنسبة لماكس فيبر هو "مقياس" تُقاس عليه الأحداث، سواء أكانت اجتماعية أم تاريخية. فهو مجرد "وسيلة" تمكن من تكوين فرضيات وبناء مفاهيم تيسر الفهم والتفسير.

وتتم عملية "النمذَجة"، أي تكوين النموذج التفسيري أو المثالي بشكل "انتقائي"، أي أن تنتقي حدثاً ما وترى أن في عناصره المجردة ما يحوّله لنموذج تفسيري يمكن أن تُفسر به الأحداث الاجتماعية أو التاريخية، وتفهم دوافع الأفراد الذين يقومون بهذه الأحداث.

النموذج التفسيري للإمام عليّ

وهنا يأتي المثال الأول وهو للإمام عليّ رضي الله عنه، ويمكن أن أضع له عنواناً خاصاً هو: "قصة الثيران الثلاثة". وكما نعرف فإن هذه القصة هي إحدى أشهر قصص الأطفال لدينا، وكنت أظنها من المشاع الذي لا صاحب له حتى وقعت منذ فترة على أصل الحكاية في كتاب "أنساب الأشراف" للبلاذري (ت. 279 هـ) وهو من أهم المؤرخين المسلمين، وكان يعمل في البلاط العباسي، ما جعله مطلعاً على وثائق الخلافة التي استخدمها في تواريخه، ومن هنا تأتي أهميته، وضرورة قراءة كتابه هذا، وبصفة خاصة الطبعة المحققة التي أصدرتها جمعية المستشرقين الألمان في بيروت، لأنها الأدق والأوثق، ليس بسبب الإمكانيات، ولكن بسبب العلماء الأجلاء الذين حققوها.

المهم أنه في القسم الثاني من "أنساب الأشراف" وردت رواية عن أن الإمام عليّ قام يوماً يخطب فقطع عليه الخوارج كلامه، فتوقف ودخل بيته ومعه بعض أصحابه، ومنهم الراوي (عُمير بن رُودي)، فقال الإمام علي: "ألا إنما أُكلتُ يومَ أُكِلَ الأبيض". ولأن الجملة غامضة، فقد وضَّحها الإمام عليّ بهذا المثال التفسيري، وهنا يأتي نص الحكاية والترقيم من عندي:

"إن هذا مثلُ ثلاثة أثوارٍ وأسدٍ؛ اجتمعن في أَجمَة، أحمَر وأسود وأبيض، فكان يريد أخذها فتمتنع منه، (1) فقال الأسْود والأحمر: إنما يَفضَحنا في هذه الأجمَة، ويَشهَرنا ويدُلُّ علينا الأبيضُ، فخلَّيا بينه وبين الأسد فأكلهُ. ثم جلسوا فلم يقدر منهما على شيء، (2) فقال الأسدُ للأحمر: لوني مثل لونِكَ، وما يَشهُرنا ويَفضحنا في هذه الأجمَة إلا الأسود؛ فخلّ بيني وبينه آكلُه، ففعَل، ثم قال للأحمر: إني آكُلكَ. قال: فدَعْني أُصوّتْ ثلاثةَ أصوات. قال: افعلْ. (3) فجعل يصيح: ألا إني ما أُكلتُ إلا يوم أُكِلَ الأبيض، ألا وإني إنما وَهَيتُ يوم قُتل عُثمان" (البلاذري: أنساب الأشراف، القسم الثاني، ص 170).

أهمية الفقرة الأولى أنها توضح أن الثورين الأسود والأحمر تآمرا على الثور الأبيض، أو تقاعسا قصداً عن حمايته حتى افترسه الأسد. وكنت أظن بداية -بسبب تشويه القصة على أيدي كُتاب الأطفال- أن الأسد هو الذي أقنعهما بهذا. ولكن هذا غير صحيح، فالعطب بدأ داخلياً بمؤامرة من الداخل على الثور الأبيض، فقط لأنه مختلف ولونه يفضح الثيران الثلاثة.

أما الفقرة الثانية فمهمة أيضاً لأنها تعني أن نجاح التخطيط الخارجي لا يأتي إلا بعد فساد الداخل، فبعد أن أيقن الأسد بوجود الخلل الداخلي بدأ يلعب عليه فذهب الأسد للثور الأحمر وأقنعه بمؤامرة جديدة على الثور الأسود. وهو لم يذهب إليه إلا بسبب معرفته بضعفه وطمعه. وبالفعل وافق الأحمر وتقاعس عن العمل مع الأسود حتى افترسه الأسد، وبعدها استدار الأسد إلى الأحمر وقال له "الآن آكلك". فصرخ الأحمر بعد أن فهم أخيراً: "ألا إني ما أكلتُ إلا يوم أُكِل الأبيض".

وهنا تأتي الجملة الأهم في القصة كلها، وهي الفقرة الثالثة، والتي يوازي فيها الإمام عليّ بين نفسه والثور الأخير، أي الأحمر، وبين عثمان والثور الأول المغدور، أي الأبيض، فيقول: "ألا وإني إنما وَهَيتُ يوم قُتل عُثمان".

وكما نعرف من الروايات أن الإمام علي عندما ذهب لإقناع الناس بترك عثمان وعدم محاصرة منزله، فرفضوا قوله، ولما حاول دخول بيت عثمان منعوه، فرمى بعمامته في دار عثمان حتى يقول إنه جاء، ومنع، ثم عاد لبيته وبقي بعيداً حتى قُتل عثمان!

ورأيي هنا، لو مددنا حبل التأويل حتى نهايته، أن الإمام عليّ كان كأنه يلوم نفسه على أنه لم يحمِ عثمان بالسلاح، وأنه كان الأولى به وهو مَن هو أن يجيّش جيشاً للدفاع عن الخليفة، ولكنه لم يفعل، وهذا كما نفهم من قصة الثيران ما ظل يندم عليه حتى النهاية.

أما الأسد في الحكاية فظني أنه يعني به الفتنة، ورمز إليها بجزء من المشاركين فيها، أي الخوارج، لأنهم كما مر سبب ضرب هذا المثل التفسيري. أما الثور الأسود فظني أنه يعني به فريقه أو جيشه أو شيعته التي تبعته في تلك الفتنة الهوجاء. فلما تفكك جيشه وانصرف عنه أغلبه وجد نفسه أخيراً أمام الأسد، أي الفتنة، بمفرده، فوازى عثمان بالثور الأبيض ووازى نفسه بالأحمر.

وكما ترى فإن المثل خاص بحدث محدد ويقدم نموذجاً تفسيرياً يمكن أن نفسر به موقف الإمام عليّ من الفتنة التي خاضها بعد قتل عثمان، ضد أهل الجمل وأهل صفين والخوارج، ولكن هذا النموذج، أي نموذج الثيران الثلاثة، يمكن استخدامه في تفسير المواقف الشبيهة أو المماثلة، ومن هنا خلوده وقيمته التربوية والتأريخية. انظر مثلاً لوضعنا الحالي، ففلسطين هي عثمان، وسوريا ثور أسود، أما مصر التي كانت رمانة الميزان فتشبه الإمام عليّ وثوره الأحمر والتي ربما ستصرخ قريباً مثل صرختيهما.

وإذا عدت لماكس فيبر أقول إن نموذج الإمام عليّ أكثر تميزاً، لأن النموذج التفسيري لدى فيبر يبنيه الباحث أو الدارس من بعيد، أما نموذج الإمام علي فيبنيه البطل نفسه من قلب الحدث الذي يحركه، لذا شتان بين الفهمين والتفسيرين.

نموذج معاوية التفسيري

وهنا لا بد أن نشير إلى أن ماكس فيبر صاغ عدة نماذج تفسيرية معروفة مثل نموذجه للحكم، وأنه على ثلاثة أنواع: شرعي وتقليدي وكاريزمي. وقدم كذلك نموذجه التفسيري المعروف للحرب، وهو مهم في سياق مقالنا هنا، والأسئلة المهمة لهذا النموذج هي: أي الجيشين أكثر تماسكاً؟ وأيهما لديه المعلومات الحقيقية اللازمة لهزيمة الجيش الآخر؟ وأيهما الأكثر عقلانية في استخدام ما لديه من معلومات حقيقية؟

وهنا لا بد أن نشير لأهمية "العقلانية" في نموذج فيبر التفسيري للحرب، فبسببها اشتهر هذا النموذج بأنه "نموذج عقلاني صرف"، وأنه لا يجب فهمه على أنه "النموذج الواجب" أو "النموذج الأكثر أخلاقية".

وهذه الجزئية تحديداً، أي جزئية "العقلانية" ضرورية لفهم النموذج التفسيري لمعاوية بن أبي سفيان، وهو من أئمة الصحابة ولا شك في ذلك عندي، ويمكن أن أضع لنموذجه عنواناً خاصاً هو: "الفرق بين الناقة والجمل"!

والحكاية التي يقوم عليها النموذج طريفة ومعبرة، وقد وردت في الجزء الثالث من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي (ت. 346 هـ)، وأنا أعتمد هنا على طبعة شارل بلا، والحكاية لديه تحمل رقم (1838) ونصها كما يلي (والترقيم من عندي):

"(1) وبلغ من إحكامه السياسة وإتقانه لها واجتذابه قلوب خواصّه وعوامّه (2) أن رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال من صرفهم عن صِفيّن فادَّعاه رجل من دمشق فقال: "هذه ناقتي، أُخذت مني بصِفين" فارتفع أمرهما إلى معاوية، وأقام الدمشقيّ خمسين رجلاً بيّنةً، يشهدون أنّها ناقته، فقضى معاوية على الكوفيّ، وأمره بتسليم البعير إليه، فقال الكوفي: أصلحك اللهّ! إنه جَمَل وليس بناقة!" فقال معاوية: "هذا حُكم قد مضى"، ودسّ إلى الكوفي بعد تفرّقهم فأحضره، وسأله عن ثَمَن بعيره، فدفع إليه ضعفه وبرّه وأحسن إليه، (3) وقال له: "أبلغ عليّاً أني أقاتله بمئة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل!" (المسعودي: مروج الذهب 2/223، فقرة 1838).

الفقرة الأولى كما ترى تبين سبب ذكره للقصة، أي التأكيد على إحكام معاوية للسياسة وبراعته في اجتذاب قلوب أصحابه وأتباعه. أما الفقرة الثانية فهي الخبر أو القصة التي ينبني عليها النموذج التفسيري. وأما الفقرة الثالثة فهي النموذج المقصود هنا.

طبعاً البعض يشكك عادة في روايات المسعودي، ويصمه بأنه كان شيعياً أو معتزلياً أو مجرد إخباري صاحب مِلح وغرائب، ولكن بالنسبة لهذا النموذج التفسيري تحديداً توجد نصوص أخرى تقويه وترسخه كنموذج لتفسير ما حدث بين عليّ ومعاوية.

على سبيل المثال في كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه (5/115) ورد هذا النص المهم الذي يفسر فيه معاوية أسباب فوزه بالصراع مع الإمام عليّ وشيعته؛ حيث قال: "أُعنت على عليّ بأربعة: كنت أكتم سري وكان رجلاً يُظهِره، وكنتُ في أصلح جُندٍ وأطوعه وكان في أخْبَث جُندٍ وأعْصاه، وتركتُه وأصحابَ الجمل وقلتُ: إن ظَفروا به كانوا أهونَ عليَّ منه، وإن ظَفر بهم اغتر بها في دِينه، وكنتُ أحب إلى قُريش منه، فيا لك من جامعٍ إليّ ومُفرقٍ عنه".

وهذا النص لمعاوية يفوق ما قاله أي باحث أو دارس أو مؤرخ في أمر هذه الفتنة وما آلت إليه. فالإمام عليّ كان خطيباً مفوهاً، وقد ملأ الدنيا وشغل الناس بخطب عصماء يحار أمامها أهل البلاغة حتى الآن، ولكنها كانت تفشي أسراره أولاً بأول بينما كان معاوية رجلاً كتوماً.

ولذا كان فريق الإمام عليّ مكشوفاً لمعاوية بينما العكس ليس متاحاً، وبالتالي كان معاوية في حالة فعل وهجوم دائم بينما فريق الإمام عليّ في حالة رد فعل ودفاع عن النفس، ومن ثم كانت أغلب خطب الإمام عليّ لاستثارة الحمية الدينية لدي جيشه كي يدافع عن نفسه.

ولكن من يحتاج لاستثارة خارجية لا يفلح في الغالب، وفي السياسة، والحرب من أدواتها، لا يفوز الأكثر تقى وتديناً، ولكن الأكثر فاعلية والذي يجمع الأنصار حوله ولا يفرقهم. وعن هذا تحديداً يدور النموذج التفسيري. وبهذا تحديداً تحققت لمعاوية وفريقه الخطوة العقلانية الأولى في هذه الحرب، وكانت لديه معلومات أكثر بسبب خطب الإمام عليّ!

كذلك لو نظرت لجيش الإمام عليّ ككل ستجده كما قال وصف معاوية بالفعل، فهو جيش مشغول بالجدالات الدينية والفلسفية أكثر من انشغاله بوظيفته الأساسية وهي الحرب والاستعداد لها. ولذا سرعان ما دخل في حالة من التفكك والتشظي والتدمير الذاتي، وكان الأمر كما ترى معروفاً لمعاوية ولغيره أيضاً.

وجاء في كتاب "الإمامة والسياسة" أن الحجاج بن خزيمة جاء إلى معاوية معزياً في عثمان (رضي الله عنه) وكان مما قاله له: "إنك تقوى على عليّ بدون ما يقوى به عليك، لأن من معك لا يقولون إذا قلت، ولا يسألون إذا أمرت، ولأن من مع عليّ يقولون إذا قال، ويسألون إذا أمر، فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه". (ص 102).

المقصد من كل هذا ليس أن الإمارة على الجهلاء أفضل، ولكن أن التخصص هو الأفضل والأكثر عقلانية. فالجيوش وظيفتها الحرب وليس المجادلات الفلسفية، وممارسة السياسة لا تكون بالخطب الوعظية فقط، ولكن باستعداد الجيش وتماسكه وبعقلانية الرؤية والخطط التي تعتمد على معلومات فعلية. وكلا الأمرين مهم وضروري، فأنت وقت النزال لا تحارب بالخطب العصماء، ولكن بمعنويات الرجال وعُددهم.

والغريب أن الإمام عليّ كان يزيد الأمر سوءاً بخطبه البليغة تلك، وأذكر أنه قال لجيشه مرة: "يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال عقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، قاتلكم الله. لقد ملأتم قلبي قيْحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يطاع".

فهو يعلم أن قريش تشكك في قدراته العسكرية لهذا السبب بالذات، ومع ذلك يواصل هذا النهج ويخطب أهل الكوفة ويقول لهم: "وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلاً من أَهْل الشَّامِ، وأني صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أني لقيتهم عَلَى بصيرتي فأراحني اللَّه من مقاساتكم ومداراتكم". ثم يرفع يديه وهو بينهم ويقول: "اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي فأبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً مني".

فأي جيش يبقى على تماسكه وعلى معنوياته مرتفعة بعد خطب كهذه! من الطبيعي أن تقل عوامل التماسك فيه، وأن يجنح جنوده للعصيان وعدم الطاعة والخروج على القائد ثم قتله!

هذا بينما كان جيش معاوية شديد التماسك كأنه على قلب رجل واحد، لا يعرفون غيره قائداً، سواء أكان على حق أم على باطل، وليس لهم في الجدالات الدينية والفلسفية، بل إن بعضهم من الجهل بمكان أنه لا يستطيع التفريق بين الناقة والبعير! والغريب أن معاوية كان يفهم جزئية التماسك هذه جيداً، وما حكمه بإعطاء البعير للجندي الشامي على أنه ناقة إلا دعماً لهذا التماسك، حتى وإن كان بشكل لا أخلاقي، وهنا تجد معاوية يشير لهذا بقوله: "فيا لك من جامعٍ إليّ ومُفرقٍ عنه".

وفي النهاية قد يسأل أحد عن قول معاوية: "وكنتُ أحب إلى قُريش منه". وهذا أيضاً صحيح من الناحية التاريخية؛ لأن الإمام عليّ قتل أبطال قريش وفتك بشجعانها في غزوات النبي وسراياه. فكان أولاد المقتولين مع معاوية ضد عليّ الذي قتل آباءهم. ولذا لم يكن في جيش الإمام عليّ بصفّين إلا خمسة من رؤساء قريش، بينما مع معاوية ثلاثة عشر بطناً من بطون قريش وألويتها. وهذا أيضاً أحد أسباب تماسك جيش معاوية حتى وإن كان على أساس قبلي ثأري.

والخلاصة كما ترى أن الحروب تخاض إعلامياً أيضاً عن طريق النماذج التفسيرية، وأن أبرع هذه النماذج هو ما صاغه أبطال هذه الحروب. وهذا ما ستجده بسهولة في الحروب الأخرى لو تأملتها قليلاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد