عبر إمبراطورية “الدعم السريع” واللعب تحت الطاولة.. كيف يمهد حميدتي لانفراده بحكم السودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/03 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/03 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" - رويترز

نتيجة للإمبراطورية الاقتصادية الضخمة التي أنشأها حميدتي، والقوة العسكرية الهائلة التي تدين له بالولاء الشخصي، وسهولة دخوله عالم السياسة تارة بدهائه، وتارة أخرى بمعاونة قائد الجيش، فإن الحفاظ على هذه الإمبراطورية من التفتت أصبح أمراً ضرورياً للغاية، ولا يضمن هذا الأمر سوى التقدم أكثر وأكثر نحو كرسي حكم السودان، وهذا ما يعمل له على قدم وساق وفقاً للمعطيات التالية.

الجانب الاقتصادي

أصبحت إمبراطورية قائد الدعم السريع الاقتصادية ضخمة للغاية، وتمددت في جميع مناحي الحياة الاقتصادية في السودان، حيث أصبحت استثمارات الجنرال العشائري الآن في كل القطاعات الحيوية مثل الطرق والجسور والتصدير والاستيراد والتعدين وغيرها.

ويدير أمر هذه الإمبراطورية الاقتصادية الغامضة، المتمثّلة في شركة تسمى (الجنيد)، شقيقه الأكبر عبد الرحيم حمدان دقلو، الذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث برتبة فريق، والنائب الثاني في قوات الدعم السريع، وهو الوحيد الذي يظهر علناً مع شقيقه، بينما يتولى أفراد الأسرة الآخرون إدارة باقي القطاعات، بعيداً عن الإعلام، ولا يُعرف عنهم شيء بشكل رسمي.

فشركة الجنيد الآن لديها أفرع في جميع مناطق السودان، وبالتحديد في قطاع التعدين، حيث اتجهت للتعدين في مناطق أخرى من إقليم دارفور، وبالتحديد في منطقة جبل مون، الواقعة في غربي مدينة الجنينة، في الجزء الغربي من إقليم دارفور، التي شهدت في شهر ديسمبر/كانون الأول، من العام السابق، اندلاع قتال خلّف العشرات من القتلى والجرحى، وتشريد آلاف الأسر من مئات القرى نحو مدينة الجنينة، في ثاني أكبر موجة نزوح جماعي يشهدها الإقليم منذ اندلاع الصراع فيه.

ومنطقة غرب دارفور كما أسلفنا سابقاً كانت وما زالت منطقة نفوذ رئيسية وأساسية للقبائل العربية، التي تُشكل معظم قوات الدعم السريع، وسبب اندلاع الصراع هي كمية الذهب واليورانيوم الضخمة التي اكتشفت منذ ثمانينيات القرن الماضي. ولكن الاهتمام بها ازداد في الفترة الأخيرة بعد نضوب منجم جبل عامر تقريباً.

وبحسب شهادات موثوقة ومشاهدات على الواقع، فإن موجة الهجوم على القرى كانت من قِبل قوات الدعم السريع بشكل رئيسي، بغرض تهجير الأهالي لإفساح المجال لشركة الجنيد في استخراج الذهب من هذه المنطقة التي لديها مخزون كبير جداً منه.

حيث بدأت طلائع أدوات ومعامل استخراج الذهب الحديثة والضخمة التابعة للشركة والمستوردة من الخارج في التوافد إلى المنطقة بكثافة، مع إعطاء أوامر تحركات لبعض التشكيلات العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع للذهاب إلى المنطقة للانضمام إلى القوات الموجودة هناك، لتأمينها وتشكيل حاجز أو منطقة عسكرية وحماية معدات التعدين التابعة لشركة الجنيد التي بدأت العمل بالفعل.

الجانب السياسي

لدى حميدتي، قائد الدعم السريع الآن، مستشارون سياسيون، يخططون له كل شيء، ويرسمون له خطواته في التحرك في دهاليز السياسة السودانية بخطوات محسوبة، بالرغم من أنه في بعض المرات وفقاً لتصريحاته يخرج كثيراً عن قواعد اللعبة السياسية.

إلا انه في الفترة التي سبقت الانقلاب وضح كثيراً أن هناك تحسناً في الجانب الخطابي له، وبيانات تخرج من مكتبه مكتوبة بعناية ودقة واضحتين، حيث برز دور المستشارين في تحسين صورته، ليس محلياً فقط، بل حتى دولياً، بعد اكتشاف دفعه لشركة علاقات عامة كندية مبالغ نقدية لتحسين صورته لدى الخارج، في محاولة منه للانفتاح ونيل الاعتراف به بالتحديد لدى الدول الأوروبية.

ومحلياً استطاع حميدتي بشكل مباشر وغير مباشر إخضاع معظم الأصوات المعارضة له، سواء بالمال أو الترهيب، حيث تحول معظم الناشطين الذي ظهروا مع الثورة الشعبية ضد الرئيس البشير للإشادة به وأعماله الخيرية والسياسية، كما تمكن من إنشاء أجسام موازية لمجموعات لجان المقاومة وأسر الشهداء، وكثف نشاطه وسط الزعامات الأهلية واستطاع استمالتهم لجانبه بعد إغرائهم بالمال والهبات، وحتى النقابات العمالية مثل نقابة المعلمين، بالإضافة إلى تبرعه بالمال لأفراد القوات النظامية مثل الشرطة بين كل فترة والأخرى.

بالإضافة لذلك فقد كثف حميدتي ومعاونوه من إنشاء الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتلميع صورته وصورة قادته وتشتيت جهود الدعوات المناهضة له، حيث لديه الآن قسم إلكتروني خاص تحت إشراف عناصر النظام السابق والروس، تعمل على إنشاء الحسابات المزيفة لبث الرسائل الداعمة له عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الجانب العسكري

يرفض حميدتي تماماً دمج قواته في الجيش القومي، لأنه يعرف تماماً أنه إذا فقد التحكم في أمر هذه القوات التي تدين له بالولاء بشكل شخصي سيفقد الكثير من قوته ونفوذه في الساحة السياسية والاقتصادية، وبالتالي يفعل كل ما بوسعه لعدم استقرار الوضع في السودان، إلا وفقاً لرغبته وتطلعاته، وأهمها التحكم في أمر قوات الدعم السريع بشكل كامل بدون مشاركة من أحد.

بالإضافة إلى ذلك استطاع جذب معظم القيادات العسكرية المتعاقدة التي ارتبطت بالنظام السابق للعمل لصالح قواته، حيث تم منحهم رتباً عسكرية رفيعة لقيادة تشكيلات قواته المختلفة، ولكن اللافت للنظر أن جميع قادة المناطق في الولايات الغربية منها على وجه الخصوص، وكل من يعمل في الدوائر الحساسة في قوات الدعم السريع هم من قبيلته.

فلم يُشاهد حتى الآن قائد رفيع المستوى في قوات حميدتي من خارج إثنيته العشائرية، وبحسب مصدر داخل هذه القوات فإن معظم القادة في الولايات الغربية من السودان هم في الأساس عناصر أساسية في قواته التي ارتكبت المجازر، ومساهمون بشكل أساسي في عمليات الهجوم والتهجير التي قامت بها قواته في إقليم دارفور.

بالإضافة إلى ذلك، وبحسب المصدر، فإن الهدف من ذلك هو عدم تغلغل عناصر غريبة بمواقع صنع القرار في قواته، وبالتحديد من عناصر النظام البائد وعناصر خصمه اللدود موسى هلال، حيث يُشاهد أن جميع الرتب العسكرية من رتبة الملازم وحتى أعلى رتبة في هذه القوات محصورة فقط في إثنيته بشكل حصري، بينما تُركت الرتب الأخرى (الجنود) إلى الآخرين.

حميدتي وقواته
قوات الدعم السريع السودانية، أرشيفية/ AFP

وجدير بالذكر أن حتى القوات المسلحة القومية بالإضافة إلى الأجهزة العسكرية الأخرى مثل الشرطة والمخابرات أصبحت تواجه حالات تسرب كثيفة من قِبل الذين أصبحوا يتجهون مباشرة للانضمام إلى قوات الدعم السريع.

وذلك لسببين، أولهما العائد المادي المجزي للغاية، والذي يفوق أضعاف ما يتلقونه في القوات المسلحة أو الشرطة.

وثانيهما وهو الأهم الوعد بإرسالهم إلى اليمن للقتال ضد الحوثيين، حيث يتلقون هناك رواتبهم بالريال السعودي بدلاً من الجنيه السوداني، والذي ينعكس بصورة كبيرة في تحسين أوضاع أسرهم الاقتصادية في السودان، وهذا السبب بالذات أصبح جاذباً بشدة للكثير من العسكريين، للانضمام إلى قوات الدعم السريع والتخلي عن الخدمة في جيش السودان القومي.

وهذا الأمر سبب حالة من الاستياء المكتوم وسط قادة القوات المسلحة، حيث أصبح الجيش السوداني مهدداً بشدة –بدأ الأمر بالفعل– بفقدان مركزه في موازين القوى لصالح قوات الدعم السريع، الذي أصبح لديه كل شيء من مال وعتاد، ولا ينقصه سوى قطاع واحد وهو قطاع الطيران الحربي.

وحتى في هذه النقطة سرت شائعات قوية بأن هناك عدداً من المنتسبين لقوات الدعم السريع يتلقون تدريبات سرية في دولة روسيا في علوم الطيران الحربي وفنونه، استعداداً للمرحلة المقبلة التي ربما نشهد فيها إنشاء قطاع طيران حربي، يتبع للدعم السريع ليصبح رسمياً لدى السودان جيش آخر متفوق بشكل شبه كامل على القوات المسلحة القومية من جميع الجوانب.

العلاقة الغامضة بين حميدتي وقادة الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا

أثناء الثورة الشعبية ضد حكم البشير كان حميدتي وقواته اللاعب الأبرز في الساحة العسكرية السودانية، ولكن مع توقيع اتفاق سلام جوبا في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2020، مع الحركات المسلحة التي كانت تحارب الحكومة وقوات الدعم السريع في غرب السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ظهر لاعب جديد كان معظم السودانيين باستثناء مواطني غرب السودان يسمعون عنهم فقط، وهم قادة الفصائل المسلحة الذين دخلوا إلى الخرطوم رفقة قواتهم دخول الفاتحين.

وبما أن السلام كان هو البند الأول في الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها بين المدنيين والعسكريين بعد الثورة، فإن حالة العلاقة الغامضة بين قادة الحركات المسلحة وقائد الدعم السريع بالتحديد يشوبها الكثير من الغموض، حيث يتحاشى كل طرف انتقاد الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر أو حتى الإشارة إليه سواء بالسلب أو الإيجاب.

ويبدو كل طرف مركزاً بشدة في توطيد أركان وجوده في الساحة السياسية السودانية كلٌّ بطريقته، حيث جنحت الحركات المسلحة للتواجد في مراكز صنع القرار كوزراء ووكلاء وزراء ومديري إدارات حكومية، بينما اتجه قائد الدعم السريع بشكل معلن وغير معلن إلى تكوين تحالفات مع مكونات المجتمع المختلفة مع التركيز على زعماء العشائر القبلية في الوسط والشمال والشرق.

وحتى الآن تبدو العلاقة بين قادة هذه الحركات وحميدتي تسير بشكل يبدو أنه خُطط له مسبقاً، خاصة أن قائد الدعم السريع كان حريصاً بشدة على تسجيل زيارات راتبة ومنتظمة لعاصمة جنوب السودان أثناء مفاوضات السلام والالتقاء بهؤلاء القادة بشكل علني، وخلف الغرف المغلقة تشكلت تفاهمات مرحلية نحو تحقيق هدف يتحاشى كلاهما التطرق إليه حالياً.

ولكن الشاهد أن حميدتي قد قدم لهم فيما يبدو وعوداً براقة بدعمهم مالياً كما ذكر مصدر مقرب منه.

فبالرغم من أن هيكلة قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة ودمجهما بشكل مباشر في الجيش السوداني هو مطلب ضروري وأحد بنود اتفاق سلام جوبا الرئيسية، فإن أياً منهم لم يتطرق بتاتاً إلى وضع قوات الدعم السريع من عملية إعادة الدمج أو الهيكلة بصورة مباشرة.

نائب رئيس مجلس

وميدانياً، مقارنةً مع قوات الحركات المسلحة فإن الكفة تميل لصالح حميدتي بشكل كبير، حيث تُقدر قوات الدعم السريع الآن ووفقاً للمشاهدات على الأرض بإضعاف قوات الحركات المسلحة عدةً وعتاداً، خاصة في غرب السودان، حيث تنتشر قوات الدعم السريع بشكل كثيف جداً في جميع المناطق داخل وخارج المدن الكبرى.

وأصبحت تقوم بشكل رسمي بجميع المهام التي تقوم بها عادة الوحدات المتخصصة التابعة للشرطة، حيث أصبحت تُنسب إليها مكافحة جميع العمليات الميدانية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المتخصصة، حتى الصغيرة منها، مثل مكافحة المخدرات والتفلتات القبلية بين الرعاة والمزارعين وإيقاف السلوك الإجرامي داخل المدن والأحياء.

فأصبحت قوات الدعم السريع دائماً في طليعة هذه المهام، ويحرص قادتها بشكل كبير على إبراز هذه الإنجازات ونسبها لقوات الدعم السريع بشكل مباشر. والهدف من هذه التحركات وفق مصدر مطلع هو إيجاد موطئ قدم لدى وحدات الشرطة المتخصصة إذا أصبح الدمج والهيكلة ضمن القوات النظامية الرسمية أمراً لا بد منه.

بالإضافة إلى ذلك، ومع ضمانه لقوات كبيرة تدين له بالولاء الشخصي، وأصبح موازياً للجيش القومي، فإن مسألة دمجها وإعادة هيكلتها تبدو مستبعدة للغاية مع رفضه القاطع لهذا الأمر، وحتى في حالة حصول هذا الأمر فإنه بالتأكيد لن يشمل قواته بل سيكون معنياً به بشكل أساسي قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا.

وبالتالي فهو يبحث عن نفوذ جديد وسط أجهزة الشرطة النظامية بشكل استباقي لخدمة أهدافه المستقبلية في التواجد في جميع الأجهزة النظامية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر، للتحكم في المشهد السوداني تماماً مستقبلاً.

إذاً هل نرى حميدتي رئيساً للسودان في القريب العاجل؟

حتى الآن كل المؤشرات والمشاهدات والتحركات التي يقوم بها قائد الدعم السريع تسير إلى اتجاه واحد، وهو الانفراد بحكم السودان، حيث تضم قوات الدعم السريع التابعة له آلاف الجنود المسلحين والمدربين تدريباً جيداً، ومازال حتى الآن يقوم بعمليات الاستقطاب من خلال أذرعه المختلفة في الجيش القومي وأجهزة الأمن والشرطة.

كما أصبح لقائد الدعم السريع أيضاً حاضنات من زعماء العشائر المحلية والإدارات الأهلية، لديهم الضوء الأخضر لاستقطاب جميع المكونات القبلية لصالح المكون العسكري بشكل عام، وقائد الدعم السريع بشكل خاص، ينشطون في جميع ولايات السودان، وبالتحديد في الولايات الغربية، لإنشاء حاضنة شعبية له استعداداً للمرحلة المقبلة وهي الانتخابات.

كما أن استثمارات حميدتي الاقتصادية أصبحت موجودة في كل مكان في السودان وفي مختلف القطاعات مثل القطاع الزراعي والمصرفي والصناعي والحيواني، ممثلة في شركة (الجنيد) التي أصبحت الاسم الأبرز في عالم الاستثمار المحلي، ولديه شراكات مع مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية في السودان في جميع الولايات بلا استثناء.

وخارجياً لدى قائد الدعم السريع علاقات واسعة مع السعودية، التي تريد استمراره في المشهد السياسي والعسكري للاستفادة منه في تصدير جنوده للقتال في حرب اليمن، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت الوجهة الأولى لتصدير الذهب المستخرج من سهول وجبال غرب السودان، ويرتبط أيضاً حميدتي بعلاقة فريدة مع السيسي، حاكم مصر، بعد توقيع شراكات استثمارية ضخمة بينهما، خاصة في المجال الزراعي والحيواني.

وبالتالي فإن طموح قائد الدعم السريع بحسب هذه المشاهدات قد لا يتوقف كثيراً على منصبه الحالي، بل كرسي رئاسة السودان يبدو هو الهدف الأول له، وهو ما يعمل له بكل اجتهاد لحماية مصالحه الاقتصادية ومصالح الدول الخارجية الداعمة له.

خاصة أنه كثيراً ما يذكر كلمات مثل (الوصول إلى الانتخابات) في كل بيان أو تصريح له، حيث يبدو جلياً أن تجربة قفز الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر بعد انتخابات صورية، أصبحت مغريةً له بشدة، ويريد تكرارها في السودان بكل تفاصيلها وإن طال الزمن.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هزاع جار النبي
كاتب سوداني
كاتب سوداني
تحميل المزيد