كم هي المرات التي مرّت عليك وأنت في علاقة، أياً كانت مع من، تهتف غاضباً، لكن بداخلك بصوت منخفض، بنبرة صوت لا يسمعها غيرك، أو تقولها وأنت مغلقٌ فمك حتى لا تصرخ بصوت عالٍ. (أنا لا أحب ما تفعل، ولكن من الأفضل أن ألزم الصمت، فتبقى علاقتنا في سلام).
كم مرة قلت: لا بأس بالمزيد من التنازلات في مقابل أن تظل هنا ولا تبتعد.
هل عددت تلك المرات وأنت تقول لنفسك: "مهما يكن الأمر بداخلي فإنك لن تتفهم موقفي، بل لن تتفهمني على الإطلاق وستهاجمني"، وقررت أن يظل ما بداخلك في نفسك لا تبوح به؟
وكل مرة يقوم الشريك في العلاقة بفعل ما تكره، أو يأتي بنفس رد الفعل الذي لطالما تجاهلته، فتحدث بداخلك تلك الغصة المعتادة. كيف كانت تلك الآلام التي كنت تشعر بها في أماكن مختلفة من جسدك ولا تعرف لها سبباً واضحاً.
هل تفاجأتَ بنفسك وتفاجأ المحيطون بك أن يحدث لك انفجارٌ أو عاصفة، ويكون رد فعلك لا يتناسب أبداً مع الموقف، ويتساءل الجميع عما حل بك؟
وتكتشف أن السلام الذي تخيلتَ أنك كنت تضحي من أجله كان وهماً، ولم يحدث، بل كان عبارة عن خدعة، وكان هناك في داخل نفسك مكان سري يخزن المواقف السابقة، في مكانٍ ما مشاعرك الطيبة كانت تتحول شيئاً فشيئاً إلى شعور بالغضب والمرارة.
المشكلة ببساطة أننا دائماً ما نخجل من التعبير عن أنفسنا، عن مشاعرنا العميقة والحقيقية، وذلك لأننا نخشى سوء تفكير الآخرين فينا، ونخشى رفضهم وعقابهم بشكل أو بآخر. لقد اعتدنا أن نرفض بعض المشاعر أو كلها، كأنها ليست منا، أو كأننا نخجل منها، ونسوق المبررات بأننا لو فعلنا لما تفهمَنا أحد، ولتسببت صراحتنا بمشاكل عديدة في علاقاتنا مع الآخرين، ولكن المفاجأة أن تلك العلاقات التي تخلو من الانفتاح والمصداقية والشفافية لن تصمد أمام عوامل الزمن والوقت.
إننا دوماً نتخيل أن هناك افتراضين فقط في الحياة:
أن نخسر العلاقة لأننا كنا صادقين ومنفتحين ومتصلين بأنفسنا، أو نخسرها لأننا كنا مزيفين مع أنفسنا في البداية حين عمدنا إلى كبت مشاعرنا الحقيقية، خوفاً أو خجلاً منها، وكنا مزيفين مع الآخر أيضاً.
ولا نضع احتمال أن نكون صادقين ومنفتحين على مشاعرنا مع أنفسنا وواضحين في العلاقة مع الآخر، فيكون ذلك كله سبباً مهماً في إنجاح العلاقة، بل قد يكون السبب الوحيد!
من الواضح تماماً أن المشاعر وطريقة تعاملنا معها تشكل عاملاً أساسياً في نجاحنا أو فشلنا في الحياة، وليس ضرورياً بالطبع أن نعمل بما توصينا به مشاعرنا، ولكن كبت تلك المشاعر وعدم الإنصات لها يُحدث ذلك الانفجار بداخلك، الذي لا تعرف له موعداً، لأن سلوكياتنا مهما حاولنا أن نكون عقلانيين تتأثر بمشاعرنا، سواء بشكل واعٍ أو غير واعٍ.
ولا أدعو إلى الانفتاح على الآخرين والحديث إليهم عما بداخلنا بدون ضوابط، فهناك مواقف لا نحتاج فيها إلى ذلك، وهناك أشخاص لا ينبغي أن نفعل معهم ذلك، لكن حديثي عن هؤلاء الذين تربطنا بهم علاقة عميقة ممتدة.
والحل، أن هناك عدة خطوات نتعلم منها مهارة التعبير عن المشاعر، تحتاج تلك المهارة إلى الوقت، ولكن مع المران ستكون أسهل، وتكتشف أن إشراك المشاعر في المعادلة والعلاقات هو شيء صحي تماماً، فهي جزء من أنفسنا شئنا أم أبينا.
– استمع إلى مشاعرك، اعترف بوجودها، لا تخف منها. الاستماع إليها واحترام وجودها ليس معناه أن نفعل ما تمليه علينا كما ذكرنا سابقاً.
– عبِّر عنها (أنا الآن أشعر بالغضب، فهل نتمهل قليلاً في النقاش أو نؤجله بعض الشيء)؟
– اجلس مع نفسك وكن أميناً معها، تعرف على الأسباب الحقيقية وراء مشاعرك، إذا كنتَ غاضباً، من أين أتى؟ ولماذا أتى؟
وعليهِ، نعرف أن البوح له أهمية كبرى في استمرار العلاقات، والمشكلات التي تتخيل أنه قد يجلبها أقل بكثير من تلك التي سيُسببها الصمت والكتمان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.