مهارة الخطابة من المهارات المهمة التي لا يتقنها إلا القليل من الناس، ويخشاها أو يتجنبها الكثيرون، وللأسف منهم أناس لديهم الكثير من العلم والمعرفة، ولكنهم يظنون أنفسهم غير مؤهلين للحديث أمام الجمهور، ويخشون الوقوع في الخطأ وهو أمر طبيعي، وينتظرون الوصول للكمال، وهؤلاء يفوتون على أنفسهم وعلى غيرهم من الخير الكثير.
بادروا ولا تنشدوا الكمال
لمن يسعون للكمال نقول إنكم تنشدون غاية لا تدرك، فالكمال لله وحده، والإنسان يتعلم من أخطائه، وتعلم واكتساب المهارات ممكن حتى مهارة القيادة يمكن تعملها، ولذلك لا تسوف ولا تضيع الفرصة تلو الفرصة، وابدأ بتعلم مهارات الإلقاء والخطابة ومارسها، ومع الممارسة ستجد أن مهارتك في الإلقاء تتطور يوماً بعد يوم، وتذكر أن الكثير من مشاهير الخطباء والدعاة والساسة واجهوا صعوبات في بداياتهم، ومع مرور الوقت أصبحوا متمرسين في الخطابة ومتألقين ومبدعين فيها.
وعند مخاطبة الجمهور قد يلجأ البعض للقراءة من ورقة مكتوبة، وأعتقد على المستوى الشخصي أن من يقرأ من ورقة مكتوبة لا يعد خطيباً ولا مدرباً ولا محاضراً، لأنه يفقد التواصل مع الجمهور، وعندما يفقد التواصل مع الجمهور ينشغل كل فرد منهم بأمور أخرى.
والاستعانة بالورقة لا حرج فيها، وهي ضرورية في الخطب الرسمية، ويستعين بها الكثير من الكتاب والمفكرين في محاضراتهم، ولكن هذه الاستعانة يجب أن تكون لتذكر المحاور فقط، وليست لقراءة النص المكتوب كاملاً، وذلك من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المحاضرون والمدربون.
الخطابة والخوف من الجمهور
الخوف من التحدث أمام الناس (جلوسوفوبيا) أو رهاب اللسان أو رهاب التكلم، هو رهاب شائع يصيب ملايين الأشخاص حول العالم، ويأتي مصطلح جلوسوفوبيا (glossophobia) رهاب اللسان من الكلمة اليونانية glōssa التي تعني اللسان أو اللغة، وphobos تعني الخوف أو الرهبة.
ويأتي هذا الخوف ضمن المخاوف العشرة الأكثر شيوعاً بين الناس، وحوالي 75% من الناس يخشون التحدث أمام الجمهور.
والخطابة لها رهبتها، فقد اشتعل رأس عبد الملك بن مروان شيباً، فسئل عن ذلك فقال: "شيبني صعود المنابر وقعقعة البريد".
وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه صعد المنبر، فأرتج عليه، فقال: الحمد لله، إن أول كل مركب صعب، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، ويعلم الله إن شاء الله". وأُرْتِجَ على فلان: إذا أراد قولاً، فلم يصل إلى إتمامه.
والكثير من الكتاب والمفكرين لا يجيدون فنون الخطابة، فتجد أحدهم كاتباً جيداً أو مفكراً معروفاً ولكنه متحدث ضعيف، ولعل في ذلك حكمة، فالله عز وجل لا يعطي لفرد كل شيء، وفي المقابل هناك من يمتلكون الجرأة على الخطابة مع أن بضاعتهم مزجاة، وأذكر هنا الشيخ (حمكشة) الذي كان يخطب الجمعة عند غياب الإمام ويقول في مقدمة الخطبة بصوته الجهوري: "والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين"، برفع كلمة المبعوث، مع أنها مجرورة بحرف الجر "على" والذي يجر جبلاً!
وآخر صدّر نفسه لخطبة الجمعة، وخطبته الحماسية تشهد مذبحة مروعة لقواعد النحو والصرف وهدماً للغة العربية!
مواقف طريفة للخطباء
خطب رجل من الأزد على منبر البصرة، فلما رقى المنبر، وقال الحمد لله، أرتج عليه، فقال: قد والله هممت ألاّ أحضر اليوم، فقالت لي امرأتي: نشدتك الله إن تركت الجمعة وفضلها. فأطعتها، فوقفت هذا الموقف، فاشهدوا أنها طالق. فقالوا له: انزل قبحك الله. وأنزل إنزالاً عنيفاً.
وعتاب بن ورقاء تخلص من حرجه بأن وسع على الحضور، فقد اعتلى منبر أصفهان يوم النحر -وهو أميرها- فأرتج عليه، فقال: "لا أجمع عليكم عياً وبخلاً، ادخلوا سوق الغنم فمن أخذ منكم شاة فهي له، وعليّ ثمنها!".
وصعد يزيد بن المهلب منبر البصرة فأرتج عليه، وكان فارساً شجاعاً ولا يجيد الخطابة، فنزل كما صعد ثم قال:
فإن لا أكن فيكم خطيباً فإنني *** بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
فقيل: لو قلت هذا على المنبر لكنت أخطب العرب!
اكتساب مهارة الخطابة
من صفات الله عز وجل العدل، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولذلك فتح مجال التنافس بين الناس في أعمال الدنيا والآخرة، ويعطي كل فرد على قدر جده واجتهاده، ومن ذلك مجال اكتساب المهارات -كل المهارات- بما فيها مهارة القيادة التي يعتقد البعض أنها فطرية!
والفطرة والموهبة موجودة لدى بعض الناس في شتى المجالات، ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن اكتساب المهارات في هذه المجالات من خلال العلم والتدريب والممارسة، والمشاهير في المجال السياسي وغيره، ومن يسمونهم الأبطال في الفن والرياضة، يُصنعون صناعة في الغرب، وتقوم على ذلك مؤسسات وأكاديميات تنشأ أساساً لهذا الغرض، ومن هذه المؤسسات مؤسسة التوستماستر العالمية، وهي مؤسسة غير ربحية تعليمية تنظم أندية حول العالم لمساعدة الناس في التواصل والتحدث أمام العامة وتعليمهم مهارات القادة، وتأسست التوستماستر في أكتوبر 1924م.
وفي لقاء من لقاءات واحد من هذه الأندية التي حضرتها، كان العريف يتحدث باللغة العربية الفصحى بتكلف واضح ولحن جلي، ولكن مع مرور الوقت أصبح متحدثاً بارعاً ومدرباً في مجال الإلقاء، وصانع محتوى، ومتعاوناً مع مؤسسة إعلامية كبرى.
وبالتدريب والممارسة يستطيع الإنسان إتقان أي مهارة مهما كانت صعبة أو مستحيلة من وجهة نظر البعض، والأمثلة على ذلك كثيرة، وتعلم مهارة جديدة يستغرق 20 ساعة، وإتقانها بحاجة إلى 10000 ساعة.
ويقول أبو هلال العسكري: أخبرني بعض أصحابي قال: ناطقت فتىً فوجدته ذلق اللسان (أي فصيحاً) فقلت له: من أين لك هذه الذائقة؟ فقال: كنت أعمد كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ فأقرؤها برفع الصوت، فلم تمضِ مدة حتى صرت إلى ما ترى.
وهذه بعض نصائح (جيمني) للخطباء:
الحفاظ على الهدوء: من أهم الأمور التي يجب على الخطيب أن يفعلها في المواقف الصعبة: الحفاظ على هدوئه ورباطة جأشه.
التعامل مع المواقف الصعبة بذكاء: يجب على الخطيب أن يتعامل مع الموقف بذكاء ولباقة، وأن يحاول تحويله إلى موقف إيجابي.
استخدام الفكاهة: قد يساعد استخدام الفكاهة في بعض المواقف على تخفيف التوتر وكسر الجليد مع الجمهور.
الاعتراف بالخطأ: إذا أخطأ الخطيب، فمن الأفضل أن يعترف بخطئه ويُصلحه بشكل سريع.
الاستمرار في الخطاب: يجب على الخطيب أن يستمر في خطابه حتى لو واجه بعض الصعوبات، وألا يسمح للموقف بالتغلب عليه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.