التحديات الراهنة التي تواجه الأمن في القارة الأفريقية

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/10 الساعة 11:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/11 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
عنصر من مجموعة "فاغنر" يقف إلى جانب جندي من جمهورية إفريقيا الوسطى (أ ف ب)

توصف قارة أفريقيا بأنها القارة الشابة بين قارات العالم، لكنها الأكثر فقراً وتراجعاً، إذ تعاني العديد من المشكلات المختلفة، كما تعد ثاني أكبر قارات العالم من حيث عدد سكان. وتشير التوقعات إلى أن عدد سكانها سيصل إلى 2 مليار نسمة في خمسينيات القرن الحادي والعشرين، لكن على الرغم من ذلك ما زالت مشاكلها تزداد وتتنوع. 

وأدت مشاكل الفقر والصراعات الداخلية والانقلابات التي تشهدها القارة السمراء إلى حدوث هجرة بشرية كبيرة نحو الشمال. 

عموماً، يشار إلى قارة أفريقيا بكافة الظواهر السلبية وانعدام الأمن، على الرغم من امتلاكها إمكانات كبيرة كالقوى العاملة الحالية والموارد الطبيعية والاقتصاد المتنامي والثروات الثقافية.

يكمن وراء هذه المشكلات إرث المستعمر القديم والانقسامات والتدخلات الأجنبية وسوء إدارة السلطة. فالعديد من الدول الأفريقية لم تحقق استقلالها الكامل اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. حتى المنظمات الدولية لا تقدم الدعم الكافي لتنمية القارة الأفريقية، ولأسباب مماثلة، فإن الاتحاد الأفريقي غير قادر على الحد من مشاكل القارة.

ومع ذلك، من الممكن أن يتغير هذا الوضع، ويعتمد ذلك على إدراك بلدان القارة لإمكاناتهم وتحقيقها، والتعامل مع المشاكل الهيكلية، ومواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، والتكاتف لإيجاد حلول دائمة للمشكلات كلها.

أدى حدوث الانقلاب العسكري في النيجر وما تبعه من تطورات بإعلان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، تحديد موعد التدخل العسكري المحتمل، إلى جعل الأمن الأفريقي إحدى أهم القضايا على الأجندة العالمية. وتقتصر أغلب تقييمات الأمن حالياً بشكل عام بالمنظور التقليدي من خلال الأمن المتمركز حول الدولة والأمن المادي، في حين أن التقييمات الواسعة بوجود نهج أمني يشمل القارة الأفريقية مع تقديم وجهات نظر جديدة، إضافة إلى المنظور التقليدي، سيعطي نتائج صحيحة وسليمة.

الأمن في القارة الأفريقية
اجتماع لزعماء دول المنظمة الاقتصادية في غرب إفريقيا إيكواس – Getty

فعلى الرغم من أن هيكل القارة الأفريقية ليس متجانساً، ويمتلك ديناميات مختلفة في المناطق الواقعة جنوب القارة ووسطها وشمالها وجنوبها وغربها، فإن هذه المناطق لديها مشاكل أمنية مشتركة من منظور أوسع، وتنتظر الحل لكل أنحاء القارة. وفي هذا الإطار، يمكن تصنيف التحديات الرئيسية للأمن الأفريقي، المتمثلة بالصراعات الداخلية، والإرهاب، ونقص الغذاء، والبطالة بين صفوف الشباب، والهجرة البشرية القسرية، والتدخلات الأجنبية من خارج القارة، على أنها تحديات مرتبطة ببعضها البعض ويمكن تقييمها على أساس المشاكل الهيكلية للقارة ككل.


تتنوع المشكلات الهيكلية في القارة الإفريقية، إلا أن أبرز المشكلات الأمنية هي كثرة العنف المادي. وانطلاقاً من هذه النقطة، تُنتج الصراعات الداخلية والإرهاب عنفاً أكثر حدة من النزاعات الحاصلة بين الدول، مما يؤثر تقريباً على القارة الأفريقية بأكملها. وإضافة إلى الصراعات المستمرة في ليبيا والسودان، تتمركز الجماعات الإرهابية في الصومال وموزمبيق وحوض بحيرة تشاد، والتي تؤثر في دول نيجيريا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، إذ يمكن تقييم هذه المناطق على أنها تشهد عنفاً مادياً بشكل مكثف.

وقد رأينا أن ليبيا حققت في الآونة الأخيرة استقراراً نسبياً، إلا أن المشكلات الأمنية لم تحل بشكل تام. إذ يمكن اندلاع الأزمات والصراعات في أي لحظة، وأكبر مثال على ذلك الاشتباكات التي اندلعت بين فصيلي جهاز الردع و"اللواء 444″ في الأسابيع القليلة الماضية. كما أن الصراعات الداخلية في السودان تسودها حالة من عدم اليقين. فعلى الرغم من أن الجيش السوداني قد دحر قوات الدعم السريع، فإنه لم يسيطر عليها بشكل كامل. إضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يضمن عدم اندلاع أزمات في مناطق أخرى من السودان على سبيل المثال في "دارفور".


من جهة أخرى، تشكل الجماعات الإرهابية مشكلة أمنية خطيرة وهامة بالنسبة لأفريقيا. ونرى أن تنظيم داعش قد ركز لبسط نفوذه على قارة أفريقيا بعد فقدانه، عام 2019، جل الأراضي التي سيطر عليها في سوريا، كما أصبحت الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش أكثر نفوذاً في جميع أنحاء القارة الأفريقية. وتتأثر البلدان الواقعة في منطقة حوض بحيرة تشاد بشكل خطير بجماعة "بوكو حرام" وتنظيم "داعش" المتمركزتين في غرب أفريقيا، في حين يتأثر الصومال بشدة بحركة الشباب، وكذلك موزمبيق تتأثر بتنظيم داعش المتمركز في مناطقها.

التحديات الأمنية المنبثقة من العنف المادي تتغذى بشكل أساسي على دوافع مختلفة وعميقة، تتمثل في نقص الغذاء، والبطالة بين صفوف الشباب، والهجرة البشرية القسرية.

أفريقيا: تحديات مزمنة ومخاطر متزايدة

حيث أصبحت مشكلة نقص الغذاء أعمق بكثير من مشكلة سوء التغذية في كثير من مناطق القارة الأفريقية، حيث لا يستطيع السكان تلبية احتياجاتهم اليومية من غذاء وماء. وهذا الأمر أكثر أهمية من الحصول على ما يكفي من الطعام من حيث الكمية والتنوع. حيث يواجه السكان صعوبة في الحصول على غذاء يحتوي على قيمة غذائية تحافظ على حياتهم. وترتبط هذه المشكلة، بشكل مباشر بتفشي البطالة بين صفوف الشباب، مما ينعكس على العائلات، خصوصاً العائلات الكبيرة التي لا تحصل على الغذاء الكافي، لا سيما في المناطق الريفية، فتصبح المشكلة أكثر حدة عندما ترتبط بالبطالة. وبالتالي، فإن انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي يشكل أحد أكبر التحديات في القارة الأفريقية.

الأمن في القارة الأفريقية
الجفاف يهدد العديد من المناطق بالقارة الإفريقية/رويترز، أرشيفية

وتواجه القارة السمراء تحدياً آخر، وهو الهجرة البشرية القسرية، التي تؤثر بشكل سلبي على الملايين من السكان. إذ تُجبر الصراعات الداخلية، ومشاكل الإرهاب، والكوارث المناخية، ونقص الغذاء، والبطالة بين صفوف الشباب، والعديد من المشاكل الأخرى، السكان على الهجرة من مناطقهم. وتؤثر هذه الهجرة بشكل جذري على التركيبة السكانية الحالية، إضافة إلى تأثيرها في الدول بأبعادها العابرة للحدود.

يوضع المهاجرون، الذين نزحوا جراء الظروف الصعبة، في مخيمات ضمن مناطق معينة، مما يجعلهم يعتمدون على المساعدات الخارجية من جهة، ويُتركون بلا حماية من جهة أخرى، مما يجعلهم هدفاً على نحو خاص للمنظمات الإرهابية. فقد وردت تقارير تفيد بوقوع هجمات إرهابية تستهدف مخيمات النازحين في القارة السمراء مرات عديدة.

وعلى الرغم من أن "الهجرة القسرية البشرية" تعود إلى مجموعة من الأسباب، فإنها تبقى أحد أهم التحديات التي تنتظر حلولاً مستقبلية في القارة الأفريقية نتيجة آثارها العابرة للحدود. ولا تؤثر الهجرة من أفريقيا إلى الشمال على نمو التهريب والإرهاب في البلدان المستهدفة فقط، بل تؤثر أيضاً على معاداة الإسلام والسياسة.

أما المشكلة الأخرى التي تواجهها القارة الأفريقية فهي التدخلات الخارجية، وتنافس الجهات الفاعلة العالمية. حيث إن عملية الاستقلال السياسي، التي تسارعت وتيرتها في ستينيات القرن الماضي، لم تحقق استقلالاً كاملاً كما بينت التطورات منذ ذلك الحين حتى عام 2023.

حيث كانت القارة السمراء جزءاً من المنافسة الأيديولوجية بين الكتلتين (الشرقية والغربية) خلال الحرب الباردة. وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، خضعت القارة لحكم الأنظمة الديكتاتورية، التي نجحت في الخروج من الصراعات الداخلية، حيث رأت الولايات المتحدة أنها ضرورية في المنافسة العالمية.

ومع ذلك، أدت التطورات العالمية اللاحقة كـ"هجمات 11 سبتمبر/أيلول"، والأزمة الاقتصادية العالمية 2008، وتحول الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي بحلول 2010، وتنفيذ روسيا سياسة خارجية عدوانية بشكل متزايد، إلى زيادة المنافسة في السياسة العالمية، مما جعل أفريقيا تتحول إلى ساحة للصراع مجدداً.

وبينما تحاول الدول الاستعمارية السابقة الحفاظ على نفوذها في القارة الأفريقية، يُنظر إلى الانقلابات العسكرية والصراعات الداخلية بالتوازي مع مصالح القوى العظمى. فنرى كلاً من الصين وروسيا تكافحان لبناء نفوذهما على مسارات مختلفة.

وقد بينت سلسلة الانقلابات العسكرية، التي شهدتها منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات الأخيرة، أن هذه العملية تضر بالاستقرار السياسي، وتجعل الشعوب تبتعد عن أجندات الحكم لتبرز الأجندات الأمنية، وتأخذ الأولوية من الأجندات الاقتصادية والديمقراطية. ونتيجة لذلك، تبرز على جدول الأعمال، عواقب العنف المادي عوضاً عن التنمية

خلاصة القول، يمكن تصنيف التحديات الراهنة التي تواجه أمن القارة السمراء على أنها تحديات هيكلية تستند إلى الديناميات الداخلية، وتستند إلى التحديات الناشئة عن المنافسة العالمية (التحديات الخارجية). فمن الصعب التفريق بين الأسباب الداخلية والخارجية لمشاكل أفريقيا في عصر العولمة، ويتطلب الأمر إيجاد تغييرات جذرية لحل هذه المشاكل، التي تعتمد على الاستقلال من جهة، والإرادة المشتركة من جهة أخرى. نتيجة لذلك، بدأت تركيا تنشط في المجال الاقتصادي والثقافي والأمني في القارة الأفريقية، وهي تتعامل بعقلية تصب في مصلحة الطرفين.

بالتزامن مع التوقعات التي تشير إلى أن عدد سكان القارة الأفريقية سيصل إلى 2 مليار نسمة بعد بضعة عقود، إذا عملت الدول الأفريقية على تعزيز تكامل مواردها الطبيعية مع قوتها الشبابية لتحديد سياسات موجهة نحو التنمية، فستتمكن في أقرب فترة من تحقيق نجاحات كبيرة في التغلب على التحديات التي تهدد استقرار القارة وأمنها، من خلال الحد من الفقر والمخاطر الأمنية المرتبطة به.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد أويصال
دكتور وبروفيسور مختص في علم الإجتماع السياسي، مهتم بدراسة الشؤون العربية والعلاقات العربية التركية
تحميل المزيد