دستور لكل حاكم.. لماذا تفشل الدساتير في تأسيس ديمقراطية حقيقية بمصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/02 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/02 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
المصريون يصوتون في الانتخابات البرلمانية / رويترز

إن مواد الدستور التي تكفل الحقوق والحريات، وتضع المبادئ لتداول السلطة، هي شرط ضروري لتكريس العدل في الدولة، ولكنه ليس كافياً في الواقع العملي، فلابد أن يتبع ذلك، وبالقدر نفسه، ثقافة احترام الدستور والالتزام بنصوصه من الحكام قبل المحكومين.

الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم فيها، سواء كان ملكياً أم جمهورياً، وشكل الحكومة سواء رئاسية أم برلمانية، فينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص، والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.

ومن حيث التدوين فهناك دساتير مكتوبة ودساتير غير مكتوبة.

وأقدم وثيقة دستورية مكتوبة هي وثيقة المدينة بعد الهجرة التي بينت حقوق وواجبات سكان المدينة من المسلمين واليهود والمشركين، أما أقدم دستور مكتوب ومعمول به للآن فهو الدستور الأمريكي الذي صدر في عام 1787، وأصبح نافذاً في عام 1788.

أما عن  أبرز الدساتير غير المكتوبة فهو الدستور البريطاني، والدساتير غير المكتوبة ليست نصوصاً أو مواد محددة، وإنما مجموعة من الوثائق التاريخية والأعراف القضائية والسياسية التي تراكمت عبر الزمان، ورغم عدم كتابتها إلا أن لها احتراماً كبيراً من الملك والحكومة والبرلمان والمجتمع المدني.

لا تكمن العبرة دائماً بنصوص الدستور؛ فمعظم نصوص الدساتير في العالم نصوص جيدة، ولكن الاختلاف يكون في تطبيقها واحترامها والعمل بها.

فكم من دول تتغير دساتيرها بتغير الحاكم أو بتغيير نظام الحكم، فكثير من الرؤساء في العالم الثالث تسلموا الحكم عبر دساتير تقصر الرئاسة على فترة محددة، ولكن بمجرد توليه يسعى لتغييرها لتصير مدة مفتوحة بلا نهاية.

رغم أن معظم دساتير العالم تتحدث عن الحريات ووجوب احترامها، إلا أنها في أغلب دول العالم الثالث لا تعد أكثر مواد تكميلية وتجميلية تزين شكل الدستور ولا يعمل بها.

ففي تونس ورغم أن دستور الثورة تم التوافق عليه بعد جهود ووساطات (الاتحاد العام التونسي للشغل)، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام بعد نجاح وساطته بين الفرقاء السياسيين والتوافق على وضع الدستور، ورغم انتخاب الرئيس قيس سعيد بموجب هذا الدستور وقسمه على احترامه؛ إلا أنه عصف به كلياً، وفصّل دستوراً آخر جديداً وفق أهوائه وحده. 

بينما في مصر وخلال الـ100 عام الماضية تم اعتماد أكثر من 8 دساتير؛ إذ يمكن القول بأنه كان هناك دستور جديد لكل حاكم يأتي لسدة الحكم، بدءاً من الملك فؤاد وحتى اليوم، باستثناء الملك فاروق والرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي أدخل تعديلات كبيرة تمهيداً لتوريث الحكم، أما عن جمال عبد الناصر فقد شهد حكمه 4 دساتير.

كانت بدايات أول مشروع دستور مصري في عام 1879، إلا أن الخديوي إسماعيل لم يصدّق عليه بسبب ملابسات عزله، وبالتالي فشل في أن يكون وثيقة دستورية على أرض الواقع، وعندما تولى الخديوي توفيق الحكم، نجحت الحركة الوطنية في عام 1882 في استصدار أول وثيقة دستورية رسمية باسم اللائحة الأساسية، لكنها لم تستمر طويلاً؛ حيث أُلغيت من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي.

لكن الشعب المصري واصل النضال دون كلل لتحقيق هدفه في تأسيس دستور يلبي تطلعاته وحقوقه. وفي نهاية المطاف، تحقق النجاح بصدور أول دستور للدولة المصرية في 19 أبريل/نيسان عام 1923 في عهد الملك فؤاد، المعروف باسم دستور 1923، ومن ثم دستور 1930 في عهده أيضاً، ثم أعيد دستور 1923 مرة أخرى في عام 1935، ثم صدر إعلان دستوري بعد حركة ضباط  يوليو/تموز 1952، تلاه إعلان دستوري في عام 1953 في عهد الرئيس محمد نجيب لإعلان الجمهورية، وبعدها في عهد عبد الناصر صدر دستور 1956، وعلى إثر قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا صدر الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة المعروف بدستور الوحدة أو دستور 1958، تلاه دستور آخر عرف بالدستور المؤقت أيضاً في عام 1964 بعد (الانفصال)، ثم الدستور الدائم في بداية عهد السادات عام 1971 والذي استمر مع تعديلات لفتح مدد الرئاسة في نهاية عهد السادات.

وخلال عهد مبارك تم إدخال تعديلات في عام 2005 وعام 2007 لوضع حجر الأساس لمشروع توريث الحكم. لكن وبعد ثورة 25 يناير حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بموجب إعلان دستوري في فبراير/شباط 2011 يمهد لتشكيل لجنة لتعديل دستور 71.

وبعد تشكيل تلك اللجنة وضعت 8 مواد لتعديلات الدستور يتم الاستفتاء عليها، وتم الاستفتاء في 19 مارس/آذار الشهير الذي شهد بداية الانقسام الشديد بين قوى الثورة.

ورغم أن الاستفتاء كان على 8 مواد إلا أن المجلس العسكري أصدر بعد الاستفتاء إعلاناً دستورياً من 10 مواد كان بمثابة دستور جديد غير مستفتىً عليه.

 بعد انتخاب محمد مرسي كأول رئيس جمهورية بعد الثورة، تم اعتماد دستور عام 2012، واستمر العمل به حتى إيقاف العمل به بعد 3 يوليو/تموز 2013، وبعد ذلك صدر دستور عام 2014، وتولى السيسي الرئاسة بموجبه، وفي عام 2019 أقر البرلمان المصري تعديلات دستورية تشمل تمديد فترة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية إلى 6 سنوات، والسماح له بالترشح بعدها لفترة جديدة مدتها 6 سنوات أخرى تنتهي في 2030.

رغم تعدد الدساتير وموادها، إلا أنه لا يُهتم ولا يعتد بها في مصر، على سبيل المثال، الكثير من المواد في دستور 2014 لم يتم تفعيلها أو العمل بها، مثل تخصيص نسبة محددة من الإنفاق الحكومي للتعليم والصحة، ومعظم مواد الباب الثالث المتعلق بالحقوق والحريات والواجبات العامة غير مفعل بشكل كامل، وأيضاً المواد الخاصة بالعدالة الانتقالية وبناء الكنائس. 

على الرغم من تعدد الدساتير وموادها في مصر، إلا أنه لا يتم تفعيلها أو العمل بها. فعلى سبيل المثال، دستور 2014 شهد العديد من المواد التي لم يتم تنفيذها أو العمل بها بشكل كامل. ومن بين هذه المواد كتلك التي تنص على تخصيص نسبة محددة من الإنفاق الحكومي للتعليم والصحة؛ على الرغم من وجود تلك المواد في الدستور، لم يتم تنفيذها بالشكل المطلوب. 

بالإضافة إلى مواد الباب الثالث المتعلقة بالحقوق والحريات والواجبات العامة، والمواد الخاصة بالعدالة الانتقالية وبناء الكنائس.

إذاً المشكلة لا تكمن في الدساتير! فمنذ دستور 1971 وحتى الآن كانت نصوص الدساتير المتعلقة بالحريات جيدة، لكن لم يكن هناك احترام لها، فرغم نصوص الدستور التي تكفل الحريات إلا أنه تم العصف بها، فأصبحت هباءً منثوراً.

بينما المواد التي تحدد المدة الرئاسية، ففي دستور 1971 تم تعديها لأول مرة قبيل نهاية حكم السادات، لتكون بذلك فترات متعددة بدلاً من فترة واحدة فقط، وهو ما تكرر في دستور 2014؛ حيث تم تعديل مدة الحكم فيه لتكون 6 سنوات بدلاً من 4، مع عدم احتساب المدة السابقة من الحكم. 

لطالما كانت في مصر سلسلة من الدساتير منذ عهد الملك فؤاد ودستور 1923 وحتى الوقت الحاضر، ومع ذلك، يبدو أن المشكلة ليست في محتوى الدساتير نفسها، بل في ثقافة الاحترام والتعامل معها.

ففي الدول ذات المؤسسات الديمقراطية، يكون تعديل الدستور عملية صعبة ونادرة، وتعمل على تعزيز الحريات دون أن تُجرى تعديلات كبيرة على الدستور بسبب رغبة رئيس أو حكومة معينة.

تُكَرَّس الدساتير في تلك البلدان بنوع من القداسة والاحترام التام، سواء من الحكومات أم الشعوب. فإن الدستور يحتوي على جانب مادي هو نصوصه، وجانب معنوي هو احترام هذه النصوص من قِبَل كافة مؤسسات الدولة والشعب.

لذلك، لتحقيق الاستقرار والديمقراطية الحقيقية في مصر، يجب أن تتحول ثقافة الاحترام والتزام الدستور إلى أمر طبيعي وثابت.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله النجار
كاتب وباحث في الشأن السياسي
كاتب وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد