كيف تغير الدستور المصري في ربع ساعة؟!

عدد القراءات
1,059
عربي بوست
تم النشر: 2019/02/11 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/11 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية للرئيس المصري في مجلس الشعب

لم تكن هناك أي مفاجأة من تغيير الدستور في ذلك البلد العربي الكبير، الشمال إفريقي، الذي أنهكه العسكر على مدار 60 عاماً، هذا التغيير أو التشويه الذي يتيح للرئيس الانقلابي البقاء في الحكم حتى عام 2032، أو حتى يموت ربما لم يكن ضرورياً لسببين رئيسيين، الأول هو أن حُكْم العسكر في هذا البلد ليس بحاجة إلى هذا التغيير كي يتفشى أكثر مما هو متفشٍّ، وهو الذي دمر البلد على مدار 60 سنة كالمرض المزمن، والسبب الثاني هو أن البرلمان الذي أقر هذا التغيير لم يكن منتخباً أصلاً، بل هو نتاج مخابراتي بامتياز، بحيث تم اختيار أعضائه بعناية، وكلهم "على قد الإيد"، حسب تعبير إخواننا المصريين العامي، بحيث لم يعد يحوي هذا البرلمان سوى مؤيدين لهذا الرئيس غير شرعي، حتى الأعضاء البرلمانيون الـ16 الذين ينتمون لحزب معارض هم فقط لذر الرماد في العيون مقابل 600 من باقي أعضاء البرلمان المدجنين.

 

العسكر هم العسكر يا أعزائي، والذين لا يمكن لهم بأي حال من الأحوال التنصل من عباءتهم الواضحة، كل مرة يثيرون فيها الشعب يتصدر التريند على تويتر هاشتاغات من قبيل #إرحل_يا_رئيس، أو #لا_لتعديل _الدستور مثلاً، لكن واضح أن الشعب بالنسبة لهم كالحشرة الضارة غير المرغوب فيها، وكلمة حق تقال هنا، فعساكر العرب عامة يتغطّون بالعباءة الصهيونية، وهذا دَيدنهم في التعاطي مع الشعوب العربية، وقانونهم المقدس، هذا لا يمكن تغييره في الوقت الراهن، لكن عسكر هذا البلد العربي بالذات، الذي يمثل رأسه الآن هذا الرئيس غير الشرعي، لا ندري بالضبط ما الذي يرمي إليه هو وعسكره، حين نجد الجيش وهو يسيطر الآن على كامل المرافق الاقتصادية في البلد، فهو ينافس القطاع الخاص ويحاول القضاء عليه في كافة المجالات، الصناعية والعقارية والزراعية حتى تربية الأسماك وإنتاج المعلبات، لا ندري بالضبط ما الذي يرمون إليه؟

 

لا ينفك هذا الرئيس العسكري الانقلابي يقول لشعبه، "ممعيش، منين أجيب لكم وظائف، مفيش شغل"، ثم نجده يُشيّد تفريعة لقناة بحرية، تكلف عشرات المليارات من الدولارات، ولا تأتي للبلد بدولار واحد، ثم يشيد عاصمة إدارية ومسجداً وكنسية بعشرات المليارات، ولا ندري للآن ما هي جدواها الاقتصادية، وما الذي ستدرّه على الشعب، هو يعيش زمن الأباطرة الذين كانوا يشيدون المباني الضخمة على أكتاف الشعوب وسط الجوع والفقر والقهر، فقط ليخلد التاريخ اسمه مربوطاً بهذا البناء، حين يعجز عن صناعة ما هو أفضل وأصعب.

 

منذ أن سيطر السيسي على الحكم قُتل آلاف المواطنين بحجة الإرهاب، لا نسمع سوى عن تصفية البشر، في شققهم أو على أطراف الصحراء، لا نعرف أسماءهم، ولا من هم أصلاً، لا توجد معارضة البتة، وإن ظهر معارض فمصيره السجن أو المقصلة، ثم يأتي تغيير الدستور لينص على تأكيد دور الجيش في صون الدستور والديمقراطية، وهو لا يوجد ديمقراطية، والدستور يتم تغييره في دقائق، هذا الجيش الذي قامت ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 لتتخلص من حكم العسكر، الذي كان متمثلاً برئيس النظام وقتها، ثم يأتي هذا التغيير الدستوري بُعيد الذكرى السنوية لهذه الثورة، ليرسخ سيطرة العسكر على البلد بشكل غير مسبوق، ما يعني أن هذا البلد يعيش مهزلة ما بعدها مهزلة، والعسكر يعودون للواجهة بشكل أوقح هذه المرة.

 

يبدو أن الثورة القادمة ستُقيم لهم المقاصل والمشانق على نواصي الطرقات، كي تتمكن من إنهاء أقذر حقبة مرّ بها بلد عربي يوماً، ورغم أن هذا اليوم بعيد نسبياً إلا أنه آتٍ لا محالة، وهذه التصرفات التي يقوم بها النظام الحالي تخبرنا بأنهم يدركون قدوم هذا اليوم.

 

لقد صدق نعوم تشومسكي حين قال "لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلاً"، وهذا واضح من خلال تصرفات عسكر هذا البلد المسكين، فلو أن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية أتت بهذا الشخص إلى سدة الحكم لَمَا عمل جاهداً على تقويض أي مفهوم للانتخابات الديمقراطية، ولما قتل 4000 شخص خلال يومين، وآلاف الأشخاص في صحراء بلده، بحجة محاربة الإرهاب، ولما بنى 16 سجناً جديداً بدل أن يشيد الجامعات والمستشفيات ومراكز البحوث، وتضم سجونه الجديدة أكثر من 60 ألف معتقل سياسي للحظة، وحكم بالإعدام على عشرات آلاف آخرين من المعارضين لسياسته وإجرامه، والباحثين عن الحرية والديمقراطية.

 

أنصار هذا الشخص يدافعون عنه، ويشبهون ما فعله بالدستور بذاك الذي فعله رئيس الصين، بحيث وضع كل السلطات بين يديه، لكن رئيس الصين الحالي "تشي جين بينغ" وحزبه وَضَعا الصين بين مصافّ الدول العظمى، وخلقا من اقتصادها ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بينما رئيس هذا البلد العربي المسكين ما زال يتسول السنتات من الشعب، وأشهَر مقولاته التي لا يخجل من أن يرددها باستمرار أمام شعبه وأمام قادة العالم "ممعيش، قولوا لي أجيب منين، ويا نحكمكم يا نقتلكم، وحقوق الإنسان عندنا غير حقوق الإنسان في أوروبا؟ والرئيس مش ممكن يحكم للأبد، لأنه في موت بالنهاية، وما إلى  ذلك من المقولات المخجلة والمستفزة والإجرامية والغبية".

 

قبل تغيير الدستور تم إلغاء الهيئات الوطنية للإعلام والصحافة، حيث أدرك النظام مؤخراً أن الصحافة والإعلام لم يعد لهما أي لزوم في ظل حكم كهذا، وهما الآن كجهازين باتا تابعين تماماً للنظام، حتى القنوات الخاصة إما تكون ملكاً لهذا الرئيس أو ملكاً مباشر لجهاز المخابرات العامة. والمذيعون، وخاصة مذيعي التوك شو، يعملون عند هذا الجهاز، ويأخذون تعليماتهم اليومية منه حتى أثناء بث البرنامج أو تسجيله. هذا كله إلى جانب القضاء الذي خَلع رمز الميزان عن عاتقه، وارتدى بذلة الرقص، والذي بات أشهر رموزه الآن هم  قضاة الإعدامات، هذا الجهاز العظيم الذي حين سئل رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية "ونسيتون تشرشل" -بينما كانت تهدم لندن من خلال قصف طائرات قوات المحور بقيادة ألمانيا النازية وقتها- هل ستنجو بريطانيا؟ حينها قال تشرشل: هل القضاء بخير؟ فأجابوه بـ "نعم"، فقال إذاً بريطانيا بخير.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد