ميليشيا فاغنر.. كيف اكتوت موسكو بنارها بعد أن أذاقتها لدول عدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/07 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/07 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
يفغيني بريغوزين يساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مأدبة عشاء في نوفمبر /تشرين الثاني 2011- رويترز أرشيفية

وفقًا لمفهوم الفيلسوف الألماني "ماكس فيبر" عن الدولة، ينبغي أن تحتكر سلطات الدولة بشكل حصري الاستخدام الشرعي للقوة، ولا يجوز لأية كيانات أو أفراد آخرين استخدام القوة بصفة مشروعة إلى جانب سلطة الدولة.

بمعنى آخر، إنه يجب أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بتطبيق القوة بشكل قانوني ومشروع. لكن روسيا أوجدت "فاغنر" لتغطي على تجاوزات الدولة في حق دول أخرى. لكن يبدو أن السحر انقلب على الساحر؛ فالعشوائي لا يتناغم مع المُنتظم.

رحا الصراع بين الجيش الروسي وفاغنر تعود إلى فبراير/شباط المنصرم. في ذاك الوقت، امتعض الجيش الروسي بعد خروج رئيس فاغنر، "يفغيني بريغوجين"، بأكثر من فيديو يروج لذاته بأنه حامي الحمى والمخلص للدولة، مقابل تقاعس الجيش وخيانته.

إذ اتهم الجيش مراراً بالتقصير، وسار إلى تأسيس مقر إعداد خطط تطوير للقدرات الاستخباراتية والعسكرية لفاغنر في مدينة سان بطرسبرغ.

وما لبثت شهور، إذ في مساء الجمعة 23 يونيو/حزيران، شهدت الدولة الروسية أخطر تحدٍّ منذ عقدين تقريباً، عندما استولت قوات فاغنر على مدينتي روستوف أون داي وفورونيغ في الجنوب، وأعلن زعيمها بريغوجين "الزحف" نحو موسكو لتخليص البلاد من "القيادة العسكرية الفاسدة"، بحسب تعبيره.

انتفضت حينها الدولة ضد تصرفات بريغوجين، إذ دقّت بخطوات بريغوجين ناقوس خطر يوحي ببزوغ مؤسسة موازية لمؤسسة جيشها، واحتمالية لنجاح تمرد اللادولة على الدولة، وأن تتحول بعض المؤسسات الرسمية إلى صفر على اليسار أمام عشوائيات وميليشيات المرتزقة. 

هنا يكمن سؤال مهم: لماذا لا تضم روسيا مجموعة فاغنر داخل الجيش بشكل رسمي وكامل؟

يعكس مفهوم ماكس فيبر للدولة فلسفة الحكم المركزي والسلطة القوية في موسكو، حيث تتمتع الحكومة المركزية بسلطة حصرية لاستخدام القوة وفرض القوانين والتنظيمات في إطار الأراضي المعنية.

لذلك لن تضم أية مجموعات مسلحة تصنعها مثل فاغنر، خشية من ظهور قوات حرس ثوري أو باسيج كما الحال في إيران. فالمُتابع للشأن العام يُدرك حجم تحكم هاتين المؤسستين بمقاليد طهران السيادية من خارجية ودفاع.

لو عاد أحدنا وبحث عبر الإنترنت بعبارة: "الصراع بين ظريف وقاسم"؛ ستُرسم في ذهنه قصة كاملة الأركان عن الصراع بين الدولة المتمثلة في وزير الخارجية جواد ظريف وقاسم اللادولة المتمثلة في الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق "القدس".

بالإضافة لذلك يخشى الكرملين من حدوث انزياح مؤسسي من قبل أفراد الجيش والمخابرات نحو قوات فاغنر، باعتبار أن رواتب قوات فاغنر أعلى، ومسؤوليتها المهنية أقل.  

رغم انتهاء التمرد المسلح الذي قادته ميليشيات فاغنر، فقد جنت موسكو على نفسها؛ عندما استعانت بغطاءٍ يجنبها وحْل الخسائر والاتهامات بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، فسقطت في مستنقع كاد يودي بها في غياهب دول العالم الثالث؛ حيث التفكك والعشوائية. وهذا ما دفع قادة الجيش والاستخبارات للتحرك قبل فوات الأوان.

ولا شك أن ما حدث ألحق ضرراً كبيراً بصورة الجيش الروسي، الذي عرف دوماً بأنه ثاني أقوى جيش في العالم، بعد جيش الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك، ربما نشهد انتكاسة في الحالة المعنوية للجنود الروس، الذين يحاربون في أوكرانيا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جلال سلمي
كاتب فلسطيني متخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
كاتب فلسطيني متخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.