في تجمع نسائي، معظم من به من الأمهات الحديثات نسبياً، تشاركنا الأحاديث حول كيفية قضاء اليوم وتربية الأطفال والعمل وأعمال المنزل… بعضنا يصيبه القلق وعدم الإنجاز، والبعض الآخر يشعر بالتوتر لعدم القدرة على التحكم في الأمور بشكل جيد.
كانت المفاجأة عندما أخبرتنا الصديقة الوحيدة من بيننا التي لديها العديد من الإنجازات، التي لا يمكن لعاقل أن يتغافل عنها -آخرها ما شاركته قبل لقائنا بيوم من فوزها بجائزة مرموقة في مجال عملها- أنها لا تشعر بالسعادة الداخلية والتقدير… قالت تحديداً إنها لا تشعر بالرضا عن نفسها، ولا تشعر بأن لها قيمة حقيقية.
أصابني الأمر بما يمكن أن أسميه الصدمة في البداية، ولكني سرعان ما تذكرت نفسي قبل مدة لا تتجاوز العامين… عندما كان الجميع يصفقون لي على "إنجازاتي" على حد قولهم، أما أنا فبداخلي لم أرَ أياً من تلك الإنجازات… على العكس لا أرى إلا مرات الفشل والخيبة، ويوماً بعد يوم -في حينها- كان يترسخ بداخلي أنه يمكن للأمور، كل الأمور يمكن أن تكون أفضل.
لذا، فإنني الآن أعرف ما تعانيه صديقتي عن ظهر قلب، وهو التدني في احترام وتقدير الذات.
تدني تقدير الذات رغم الإنجازات
يُعد شعور الإنسان بقيمته الداخلية وتقدير ذاته من ركائز الصحة النفسية، التي تساعده على الحياة بسعادة ومن دون أي اضطرابات داخلية، مما ينعكس على سلوكياته، ويجب أن يشعر كل شخص مهما كانت درجة إنجازاته تجاه ذاته بالتقدير والاحترام.
لكن ماذا لو كان لدى الشخص العديد من الإنجازات بالفعل، ومع ذلك لا يشعر بأنه ذو قيمة حقيقية؟
يرى علماء النفس أن تدني احترام الذات يمكن أن يظهر بالعديد من الطرق، وجميعها مشاعر داخلية لا يراها سوى صاحبها، مثل: شعور الشخص بأنه ليس جديراً بالاحترام والثقة، أو ألا يمتلك ثقة بنفسه وبقدراته وكفاءته، أو عدم الشعور بالهوية الداخلية.
كما تكمن مشكلة تدني الاحترام في أنها تؤثر في أفكار الشخص تجاه نفسه، مما يؤثر في سلوكه بشكل واضح، وبالتأكيد في حالته النفسية.
حتى وإن امتلك هذا الشخص الكثير من النجاحات، إلا أن شعوره بالدونية يمكن أن يمنعه تماماً من الشعور بتلك النجاحات.
علامات تدني تقدير الذات
كل علامات تدني احترام الذات هي مشاعر داخلية تنغص على صاحبها حياته، فتراه يشعر دائماً بأنه "قليل"، وليس ذا قيمة.
وله العديد من الأشكال التي يمكن أن تصل لحد التناقض؛ حيث ترى البعض يقومون بالحديث السلبي عن أنفسهم بصورة مستمرة، في حين يقوم الآخرون بالانشغال الدائم برأي الناس بهم، وبذل كل غالٍ ونفيس من أجل كسب ثقة الناس، فتراهم يقومون بكثير من النجاحات فقط من أجل جذب انتباه الآخرين، وفي محاولة لكسب ودّهم واحترامهم.
ومن أهم صفات تدني احترام الذات بصفة عامة ما يلي:
1- انعدام الثقة
تُعد العلاقة بين احترام الذات ودرجة ثقة المرء نفسه طردية، فكلما زادت ثقة الشخص بنفسه وبقدراته، زاد تقديره لذاته.
2- الشعور الدائم بعدم التحكم في زمام الأمور
الأشخاص الذين يفتقدون القدرة على تقدير ذواتهم، مهما بلغت نجاحاتهم، يشعرون بأن الأمور لم تكن تحت سيطرتهم المباشرة وفي بعض الأحيان يشعرون أن تلك النجاحات لم تكن سوى "ضربة حظ" فلا يتمكنون من تقدير أن ذلك النجاح هو نتيجة لسعيهم واجتهادهم.
3- مقارنة اجتماعية سلبية
من المؤكد أن ذلك الشعور تحديداً زاد للغاية في عصرنا الحالي بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت عالماً موازياً ننقل إليه كل حياتنا الواقعية، بل إننا في كثير من الأحيان نعيش أحداث حياتنا اليومية لنصورها فقط وننشرها على مواقع التواصل… فكم من شخص يصور بعض أحداث يومه وينشرها على مواقع التواصل، مما يفقده المتعة الحقيقة في أحداث يومه، وبعد فترة يفقد الثقة في قدراته واختياراته، فيرى أنه يفعل ما يفعل فقط ليشاركه مع الآخرين، مما يمنع عنه الاستمتاع بالنجاح وتقدير قيمة نفسه.
كما يمكن أن تؤثر تلك المشاهد على الآخرين الذين يطلعون عليها، فهم يرون أن من يقوم بذلك هو الشخص الناجح، ولعلها تكون دافعاً لهم في الامتثال بما فعل، دون أن يفكروا في مدى ملاءمة تلك الأفعال لحياتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، مما يشعرهم بأنهم أصبحوا مجرد آلات لتنفيذ رغبات غيرهم.
4- عدم القدرة على طلب المساعدة والدعم
يخشى دائماً من لا يشعر بالتقدير أن يثبت للناس ذلك، فلا تراه يطلب مساعدة من أحد، على الرغم من أن ذلك أمر طبيعي للغاية، فلا يمكن أن يحيا أي فرد بمفرده.
كما يعتقد في بعض الأحيان أنه لا يستحق المساعدة.
5- مشكلة في تقبل التعليقات الإيجابية
كانت تلك مشكلة كبيرة لديّ فيما مضى، أتذكر ذات مرة صديقتي التي أخبرتني "بس أنا مش شاطرة زيك"، ما زلت أتذكر الدهشة التي أصابتني في حينها، عرفت بعد ذلك أن رفض تلك التعليقات لا تتماشى مع صورة الشخص الذاتية عن نفسه، مما يجعله يقابلها بالريبة والشك.
6- الحديث الذاتي السلبي
يمكن للشخص العادي أن يواجه نفسه بعيوبه ومشاكله وما يطمح إلى تغييره في نفسه من عادات سلبية او اكتساب عادات جديدة، وكل هذا يعد أمراً جيد، لكن الحديث السلبي الدائم له بالتأكيد أثر سلبي على صحة المرء النفسية فالشخص الذي لا يرى في نفسه أي مميزات ولا يملك لنفسه إلا الصورة الذاتية السلبية فهو شخص بالتأكيد صوته الذاتية ليس في أفضل أحوالها.
7- التوقعات السلبية المستمرة
نتيجة طبيعية لصورة الشخص السلبية عن نفسه فإن الأمر يمتد لكل الأحداث الحياتية من حوله، فهو يتوقع دائماً أن ما يحدث له الأمور السيئة فقط، لأنه يعتقد في نفسه أن هذا ما يستحقه.
8- عدم وجود حدود
تهدف الحدود الذي يضعها المرء لنفسه ويحدد من خلالها مدى تدخل الناس في شؤون حياته إلى حمايته بشكل أساسي، ولا يعد وضع تلك الحدود بالأمر الهين إذ لا بد أن يمتلك المرء الشجاعة والثقة لكي يضعها ويمنع أي آخر من الاقتراب منها، وهو الأمر الذي يخشاه البعض إذ يكون أكبر همهم هو كسب ولاء من حولهم خشية أن ينفضوا من حولهم، فهم يقدمون حياتهم كقربان ود مع من حولهم لأنهم يعتقدون في أنفسهم إن شخصياتهم الحقيقية لا يمكن أن تجذب أحد إليهم.
وهنا لا بد أن نعرف أن وضع حدود الشخص لنفسه يبدأ منذ الطفولة، فالطفل الذي يشعر بأنه مقدر من أسرته فإنه يمتلك الثقة الداخلية التي تجعله يحمي نفسه بوضع الحدود.
9- محاولة إرضاء الآخرين
لا يسعى أي شخص لكسب عداء الآخرين لكنه بالتأكيد يكون على استعداد لدخول بعض المعارك في الحياة دفاعا عن رأي أو اتخاذا لموقف محدد وبالتأكيد فإن هذا قد يكسب المرء بعض العداوات، لكن المحاولة المستمرة على إرضاء الناس وكسب ودهم والتخلي التام عن الأفكار والقناعات الشخصية يعني أن الشخص يفتقر لتقدير ذاته.
أسباب تدني تقدير الذات على الرغم من النجاحات
هناك الكثير من الأسباب التي تشوش قيمة الشخص أمام نفسه، من أهمها:
1- طريقة التربية: لأن الطفل الذي تعود ألا قيمة له وأن يعامله أبواه على أنه طفل لا قيمة له حتى وإن صار شاباً ، فلا يؤخذ برأيه في أي أمر حتى وإن كان يخصه سيجد مشكلة حقيقية في تقدير نفسه مهما بلغ نجاحه.
2- السوشيال ميديا: تحدياتها التي لا تنتهي تجعل البعض في دوامة مستمرة لفعل أمور لا يحبونها في كثير من الأحيان لكن فقط لمواكبة العصر مما يفقد الشخص بعد قليل احترامه لنفسه.
3- السمات الشخصية للفرد: هناك بعض الأشخاص الذين يجدون متعة حقيقية في جعل حياتهم أصعب، حيث يفتقد هؤلاء للمرونة ويسعون للكمال التام ويقتصرون الشعور بالرضا عن أنفسهم بذلك، وهي أمور لا يمكن تحقيقها بشكل دائم. فتراهم يشعرون أن كل نجاح ناقص لذا مهما بلغ تفوقهم في مناحي الحياة فإنهم لا يشعرون بها ولا بقيمتهم.
طرق تعزيز الثقة بالنفس
إن كنت تشعر بعدم تقدير ومعرفة القيمة الداخلية لك على الرغم من إنجازاتك فإننا في النقاط التالية نوضح لك بعض الأفعال البسيطة التي تساعدك في ذلك:
1- غير طريقة تفكيرك بعيداً عن التشاؤم
من أفضل التمارين الذهنية التي يمكن أن تساعدك في تحسين صورتك أمام نفسك، هو الانتباه إلى طريقة تفكيرك ومعرفة ما تفكر به تحديداً، فإن وجدت نفسك تفكر بطريقة تشاؤمية غير طريقة تفكيرك واستبدلها على الفور بالأفكار الإيجابية تجاه نفسك وتجاه حياتك القادمة.
2- لاحظ إنجازاتك الصغيرة
من أفضل ما ساعدني شخصياً على ارتفاع تقديري لذاتي هو الوقت الذي أقضيه يومياً قبل النوم، وافكر في كل ما قمت بإنجازه من أمور مهما بدت صغيرة، بل إنني اشعر بالامتنان لنفسي بأنها تمكنت من فعل كل هذا على مدار اليوم.
3- غير طريقة تعاملك مع الماضي
يبقى الماضي بذكرياته أمر لا يمكننا أنن ننكره لكننا نقدر على تغيير طريقة تعاملنا معه.
فإن الإساءات التي تعرضت لها في الطفولة أو التربية الخاطئة يمكن أن تسبب شعور بالإهانة وعدم الشعور بالقيمة، لكن لا يجب أن تقضي باقي حياتك تفكر فيها بالطريقة ذاتها.
يمكن أن تعالج نفسك بالقراءة والمحاضرات وغيرها من الوسائل المتاحة حالياً كما يمكنك استشارة مختص، كل هذا من أجل تخفيف أثرها عليك مما يساعدك على استمرار حياتك شكل طبيعي وسوي.
4- فكر في اهتمامتك بنفسك
لا تهتم بطريقة نجاح الاخرين أو المجال الذين نجحوا به، بل تذكر أن اهتماماتك تكفي وأنك إن بحثت بها ستجد طريقة مثالية للتميز والنجاح فأنت لست نسخة من أحد.
5- راقب تصرفاتك بشكل مستمر
إن كانت مراقبة الأفكار تساعدك في التخلص من أفكارك السلبية فإن الانتباه لتصرفاتك تعزز بداخلك قيمة ما تفعله وأنت تقوم بالفعل بالكثير.
6- اطلب الدعم
يشعر الشخص بقيمته في كثير من الأحيان من خلال مخالطة بعض الأشخاص الناجحين الداعمين الذين يشعر بقيمته الحقيقية معهم.
7- اترك لنفسك فرصة للتعافي
تمر رحلة الشخص في التعرف على ذاته وتقديرها بالكثير من محطات الصعود والهبوط، لذا عليك أن تفرح بلحظات الانتصار وألا تستسلم للحظات الهبوط بل تذكر أن الأمر طبيعي ويحتاج للكثير من الوقت والإصرار المستمر.
8- خصص وقت لمتعتك الخاصة
يساد وقتك لنفسك بأن تشعر بقيمتك الحقيقية، ومن ضمن أوقاتي الخاصة كان وقت الكتابة اليومية الذي أكتب فيه ما قمت بفعله، أخطائي، وأمنياتي لليوم القادم… كنت أشعر في تلك الأوقات بأنني وحدي من أتحكم بحياتي وأنني أمتلك زمام الأمور.
أخيراً، تذكر دائماً إنجازاتك وأن ما تفعله مهما كان بسيطاً في وجهة نظرك فهو هام ومقدر ولا بد لك أن تعلم ذلك، بل وتحياه بكل جوارحك للتعزز نفسك وقيمتك أمامك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.