يقول الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الأمراض النفسية بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، رحمه الله: "أمر طبيعي أن تكلم نفسك أو أن تكلم الدولاب أو الكرسي، يحدث هذا ولا تقلق! ولكن أول ما تحس إن الدولاب رد عليك لازم تجيلي بسرعة".
من منا لا يدور في عقله حوار يومياً ويتفاعل معه ويرد عليه ويضع سيناريوهات لكل ما دار، وقد يقول كلاماً لشخص في خياله ولا يستطيع قوله في الواقع، فما مدى تأثير الحوار الداخلي علينا؟ وما نوعيته؟ وكيف نتعامل معه؟ سأصحبكم في رحلة لنتعرف على الحديث الذاتي.
ما هو الحديث الذاتي؟
حديث الذات يسمى الكلام الداخلي، أو خطاب الباطن، وهو الصوت الداخلي للشخص، والذي يحدث فيه حديث لفظي مستمر للأفكار التي تتبادر للذهن في حالة الوعي، وعادة ما يكون مرتبطاً بإحساس الشخص بذاته.
حديث الذات مهم لعمليات التخطيط، وحل المشكلات، والتأمل الذاتي، وتكوين الصورة الذاتية، والتفكير النقدي، والعواطف.
الحديث الذاتي الإيجابي: هو ملاحظة حقيقة الموقف، وتجاوز المعتقدات والتحيزات التي يمكن أن تفضي إلى الحديث الذاتي السلبي، ويعرب بالحديث الذات التكيفي هو شكل خاص من أشكال الحديث الذاتي الإيجابي، والذي يساعد على تحسين الأداء، ويؤدي إلى ثلاثة أمور هي:
1- يقر بالمشاعر التي يشعر بها الشخص.
2- يعيد بعض الطمأنينة.
3- لا يستخدم فيه ضمائر المتكلم.
مثال كأن يقول لنفسه: "أحمد، أنت قلق بشأن تقديم العرض التقديمي معظم الطلاب الآخرين قلقون أيضاً لا تقلق ستكون بخير".
الحديث الذاتي السلبي: هو الحوار النقدي الداخلي المبني على معتقدات تكونت عن أنفسنا وتطورت خلال فترة الطفولة بناء على آراء الآخرين، وخاصة الوالدين، فهذه المعتقدات تكون بمثابة العدسة التي يُنظر من خلالها إلى الحاضر، ومن الأمثلة على هذه المعتقدات الباطنة التي تفضي إلى الحديث الذاتي السلبي: "أنا بلا تقدير"، "أنا فاشل"، "أنا غير محبوب".
استمع إلى صوتك الداخلي
كلنا لدينا صوت داخلي بينما تقرأ هذه الكلمات الآن، فإنك تسمعها "منطوقة" في "أذن عقلك"، في أوقات أخرى، تتحدث إلى نفسك داخل رأسك وتتفاعل مع ما يحدث، أو تتفاعل مع كلمات الآخرين، أو تذكِّر نفسك بأشيائك، أو تسترجع ذكريات الماضي.
هذا المونولوج الداخلي يدور في رأسك طوال اليوم، ولأنها موجودة دائمًا، ربما تكون قد توقفت عن ملاحظتها على الإطلاق، فلا بأس إذا كان صوتك الداخلي يمنحك دفعة، ولكن عندما تصبح أقسى منتقديك، فقد حان الوقت لإجراء تغيير.
لماذا الحديث عن النفس مهم؟
يؤثر حديثك الذاتي على تصوراتك، والتي بدورها تشكل واقعك؛ لأنه مثل وجود "شخص صغير" يجلس على كتفك، يهمس في أذنك طوال اليوم، حتى إذا لم تلاحظ الكلمات التي تتكشف في ذهنك، فيمكنها تغيير نظرتك إلى نفسك، وعملك اليومي، وشركتك، وزملائك، والقصة الكاملة لحياتك العملية ومهنتك.
إذا تحول الحديث مع الذات إلى حالة سلبية، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض احترامك لذاتك وتقديرك للآخرين، وبمرور الوقت يؤثر ذلك على أداء عملك وعلاقاتك مع زملائك، والتأثير في العمل، لكن الأسوأ من ذلك؛ فإن الحديث السلبي عن النفس يصبح عادة لتعزيز الذات، فأنت تنتقد نفسك لأنك تشعر بالإحباط، وتشعر بالإحباط لأنك تنتقد نفسك باستمرار.
لذلك عليك دائماً أن تسأل نفسك إذا كان أي من هذه العبارات مألوفاً لديك؟
- أشعر بخيبة أمل بسهولة مع نفسي.
- هناك جزء مني يحبطني.
- لا يمكنني قبول الإخفاقات والنكسات دون الشعور بعدم الكفاءة.
فإذا كانت إجابتك بـ "نعم" فيجب أن تراجع نفسك لكي تسعى للتغيير.
من أين يأتي النقد الذاتي؟
نتعلم في مرحلة الطفولة كيف نتحدث مع أنفسنا من خلال المعلومات التي يقدمها الوالدان لنا عن أنفسنا، فإذا كان الوالدان يقومان بالنقد الدائم، فنحن بالطبع نتعلم أن ننتقد أنفسنا طوال الوقت في حوارنا الذاتي، وقد يكون هذا بسبب سمات شخصيتنا الخاصة، أو بسبب الأعراف الثقافية التي اخترناها أو القيم في المجتمع مثل القيم الكمالية أو المثالية وغيرها.
نتيجة لذلك نبدأ في الاعتقاد بأن النقد الذاتي أمر جيد، وأنه يحمي من الرضا عن الذات، ويجعلنا نعمل بجد أكبر، ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً، فإنه يأتي بتكلفة عالية؛ حيث تظهر الدراسات أن منتقدي الذات هم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب.
النقد البناء وكيف يساعد الإنسان؟
هناك فرق كبير بين النقد البناء وغير البناء، ولا يختلف الأمر عندما تنتقد نفسك.
النقد الذاتي غير البناء هو أمر غامض وغير متوازن، لكن النقد البناء يحكم على العمل، وليس الشخص، ويتم تقديمه دائماً بطريقة لطيفة ومحترمة.
تقول رائدة التراحم الذاتي الدكتورة "كريستين نيف"، وهي رائدة في مجال التعاطف مع الذات وأستاذة مشاركة في التنمية البشرية من جامعة تكساس الأمريكية:
"النقد الذاتي يضعف الثقة بالنفس، ويؤدي إلى الخوف من الفشل، من ناحية أخرى، فإن التعاطف مع الذات هو مصدر موثوق للغاية للحصول على القوة الداخلية".
بمعنى آخر فإن تحفيز نفسك هو بالضبط مثل تحفيز شخص آخر، وبذلك تحصل على نتائج أفضل عندما تكون داعماً وإيجابياً ومشجعاً، لكن الحديث الإيجابي عن النفس لا يعني أن تكون "لطيفاً جداً" مع نفسك؛ لأن اللطف المبالغ فيه يضر النفس أكثر مما ينفعها.
كيف تجعل الحديث الذاتي إيجابياً؟
1- ملاحظة حديثك الذاتي
إن الخطوة الأولى نحو حل المشكلة هي إدراكها، فعندما تصبح مدركاً لصوتك الداخلي، يمكنك أن تتعلم رؤية الأنماط غير المفيدة عند ظهورها، يمكنك من السماح للأفكار القاسية والنقدية بالمرور في عقلك دون الوقوع في فخها، فعند إدراك ذلك وملاحظتها فإننا نستطيع أن نعالجه، حيث أثبتت الدراسات أن 80% من الأفكار التي تدور في عقولنا هي أفكار سلبية.
لا يمكنك دائماً التحكم في ما يجلبه لك يومك، لكن يمكنك التدخل بين أحداث الحياة وردود فعلك المعتادة، واختيار مسار مختلف، فالحديث الذاتي الإيجابي يزيد من تقديرك الذاتي ويرفع الثقة بالنفس؛ لأن الكلمات المحبطة التي نقولها لأنفسنا تؤثر على ثقتنا بأنفسنا.
2- الاستماع إلى صوتك الداخلي
كلنا لدينا صوت داخلي بينما تقرأ هذه الكلمات الآن، فإنك تسمعها "منطوقة" في "أذن عقلك"، ففي بعض الأوقات تتحدث إلى نفسك داخل رأسك فتتفاعل مع ما يحدث، أو تتفاعل مع كلمات الآخرين، أو تذكِّر نفسك بأشيائك، أو تسترجع ذكريات الماضي.
حديثك الذاتي يؤثر في تصوراتك
يؤثر حديثك الذاتي على تصوراتك، والتي بدورها تشكل واقعك، فالحديث عن الذات مهم؛ لأنه مثل وجود "شخص صغير" يجلس على كتفك، يهمس في أذنك طوال اليوم، حتى إذا لم تلاحظ الكلمات التي تتكشف في ذهنك، فيمكنها تغيير نظرتك إلى نفسك، وعملك اليومي، وشركتك، وزملائك، والقصة الكاملة لحياتك العملية ومهنتك.
لذلك يجب أن تنتبه إلى أن تحول الحديث مع الذات إلى حالة سلبية، قد يؤدي ذلك إلى تقويض احترامك لذاتك وتقديرك للآخرين، وبمرور الوقت يؤثر ذلك على أداء عملك وعلاقاتك المهنية والاجتماعية.
لذلك يجب عليك أن تتذكر أن صوتك الداخلي ليس بالضرورة صادقاً، ولا يتعين عليك تصديق كل ما يقوله صوتك الداخلي، ويمكنك أن تقول لنفسك أشياء أخرى أكثر رعاية لحالتك النفسية، فعندما تختار كلمات مختلفة، سترى نتائج مختلفة وبالتالي تسخر قوة الحديث الذاتي للعمل لصالحك بدلاً من العمل ضدك.
يؤدي الحديث الذاتي الإيجابي كما تشير الدراسات إلى انخفاض القلق لدى الشباب، وتحسين التعاطف مع زملائك في العمل؛ مما يساعدك على بناء علاقات أقوى، وبشكل عام الحديث الإيجابي مع النفس يمكن أن يجعلك أكثر سعادة، وأكثر ثقة في قدراتك.
ختاماً فإن حديثنا مع ذواتنا يؤثر في مزاجنا، ومشاعرنا واتخاذ قرارتنا اليومية، فإذا شعرت أن الحديث السلبي عن النفس أصبح تنمراً مزمناً على النفس، فقد يكون من الجيد طلب المساعدة من مختص، لكنك في الواقع تستحق صوتاً داخلياً داعماً؛ لذلك عليك أن تدرب نفسك على التمييز بين الحديث الذاتي الإيجابي والسلبي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.