مؤامرات دراما رمضان.. عن الحرب الخفية نتحدث

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/04 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/04 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
نجوم مسلسلات رمضان 2023 (شبكات التواصل الاجتماعي)

مشى الشاب وهو يداري وجهه خلف كمامة طبية، وهو يتلحف بكوفية ثقيلة رغم حرارة الجو، يتلفت حوله في قلق وهو يصعد لأحد المباني، انتظر لثوانٍ أمام الباب حتى تطابق عقربا الثواني والدقائق معاً.

ثم طرق الباب طرقة واحدة، ثم طرقتين متتاليتين، ثم طرقة ثالثة وانتظر وهو ما زال يتلفت، ليُفتح الباب عن شاب آخر على وجهه علامات الخطورة والقلق، وهو يسأل بلهجة متوترة عن كلمة السر.

ليقول الشاب القادم "الكبير أوي سره الباتع خلاه يوَصل رسالة الإمام" فأجاب عليه الشاب الآخر "الوضع كامل العدد والحياة جميلة لننادي جعفر العمدة إذن".

اطمأن الشاب ودخل سريعاً ليرفع لثامه وهو يناقش مع الآخرين العملية المهمة، "كيفية تخريب مسلسلات رمضان 2023″، اتفق الجميع على كل شيء، لينهوا نقاشهم بضحكة جماعية صاخبة مقهقهة ليدللوا بها كم هُم أشرار.

هل تعجبت من هذه الصورة الكاريكاتورية؟! الحقيقة أن البعض، وربما الغالبية، هذه الأيام تتبنى هذه النظرة، نظرية المؤامرة حتى في مسلسلات رمضان، لتتحول عملية نقد الدراما الرمضانية من عمل نقدي فني إلى حرب ضَروس، فإن كانت هناك مؤامرة فلا بد أن يكون الرد عليها بإعلان الحرب، أليس كذلك؟

مسلسلات رمضان 2023 ولمّة العيلة وبهجة القصة

دراما رمضان مصطلح يطلق على الأعمال الدرامية التي تعرض في الشهر الكريم، دعنا نتفق على أن رمضان شهر للعبادة والتدبر والتقرب إلى الله، ولكن منذ سنوات عديدة جرت العادة على وجود عمل أو اثنين لبعض الترفيه المباح.

فقد كان اختيار الأعمال ملائماً لطبيعة الشهر الكريم، وعددها محدود للغاية ويجب أن تحوي عملاً أو اثنين من الأعمال الدينية، أغلب العالم العربي يتجمع ليشاهد العمل، قد يُناقش العمل من قبل زملاء الدراسة في اليوم التالي، ليتساءلوا "هل ما فعله البرامكة مع هارون الرشيد في حلقة أمس سليم؟"، أو "ما هي خطط سليم البدري لسليمان غانم؟"، ثم ينسون كل شيء حتى موعد الحلقة الجديدة.

علاقة بسيطة مع الدراما لا تشغل مساحة كبيرة من حياة المشاهدين، فقط تضع رتوشاً من الترفيه عبر قصة لطيفة يتابع الجميع أحداثها بشغف، وينتهي كل شيء في الأغلب مع موسيقى أغنية "يا ليلة العيد".

أما الآن، فإن دراما رمضان تستحوذ على كل المساحات المتاحة بكل الأشكال.

شبكات التواصل الاجتماعي

صراع الدراما يتمدد ليحتل عقولنا

هل حاولت أن تنظر إلى التريندات خلال شهر رمضان عبر السوشيال ميديا؟ من الصعب أن تجد أي تريند لا يتحدث عن مسلسلات رمضان 2023، أو خناقة درامية، أو مؤامرة درامية.

لم تعد الدراما قصة لطيفة تشاهدها الأسرة لتزجية الوقت، بل تحول الأمر لصراع حاداً يكاد يتحول لحرب شرسة.

فهل النقد الدرامي جديد على عالمنا؟!

الحقيقة لا، النقد الفني قديم بقِدم الفن ذاته، ولكن قبل التطور الذي ساد الحياة في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، كان مكان النقد المجلات الفنية، ليكتبه النقاد المتخصصون في الفن.

أما الآن، فقد اختلف الوضع، لم تعد الحياة تتبع الصورة النمطية السابقة وكما تغيرت الحياة تغير شكل النقد.

لم تعد القصة فقط هي محور العمل الفني

لم نكن نعرف قديماً إلا مسلسل الساعة السابعة ومسلسلات رمضان والمسلسل الأجنبي، الذي كان يذاع على القناة الثانية فقط، هذه هي حصيلتنا من الدراما، لذا كان تقييمنا في الأغلب لأي عمل فني تقييماً للقصة فقط، هذه قصة مشوقة، هذه قصة جديدة، هذه قصة مملة، وهكذا.

اليوم المشاهد يرى مئات القنوات التلفزيونية التي تعرض مئات الأعمال الدرامية على مدار الساعة، أعمال عربية وأخرى أجنبية، ليس هذا فقط، فالمشاهد يمتلك منصات العرض كذلك، فقد يكون على جهازك الآن تطبيقات نتفيلكس، وOSN، وديزني، وأمازون برايم، وستار، HBO، وشاهد، ووتش إت، ناهيك بالطبع عن مواقع التحميل، والتورنت، أي أنك حرفياً تملك كل عمل درامي قد أذيع عبر الكوكب في السنوات الأخيرة، وتستطيع بعدة خطوات بسيطة أن تراه.

هكذا شاهدنا كل شيء، الدراما الأمريكية، الإنجليزية، الكورية، تَعرف المصري على دراما الخليج وسوريا، وتَعرف المغربي على الدراما المصرية، أغرم الجميع بالدراما الألمانية، ومع كل عمل من هذه الأعمال..

"المشاهد يكتسب خبرة نقد جديدة"

يقارن بين الإضاءة هنا وهناك، بين دقة الأحداث، بين أداء النجوم، بين الموسيقى التصويرية، لم يعد العمل الفني مجرد قصة، بل حالة متكاملة فقد رأى العشرات والعشرات من الأعمال، وتنوع إدراكه لذا لم يعد يقبل بما يقدم له في صمت، لقد كون رأياً نقدياً ونضج وعيه الفني، ليصبح هو شخصياً ناقداً لا يُستهان به.

العالم يعيش في درج مكتبك

مرة أخرى تغير التكنولوجيا والتطور من معادلة النقد، ففي السابق ما هي فرصك أن توصل لنجم كيحيى الفخراني رأيك في أدائه في مسلسل "لا" مثلاً؟، أو هل كان بإمكانك أن توصل صوتك لأسامة أنور عكاشة بعدم رضائك عن تغيير شخصية زهرة في ليالي الحلمية؟ لو أخبرك أحد بذلك لاعتبرته ضرباً من الخيال.

أما اليوم فصوتك مسموع، عبر جهاز الجوال الذي تحمله في جيبك وتضعه في درج مكتبك، والذي يوصلك بالعالم كله، يمكنك أن توصل صوتك بضغطة ذر لصناع الأعمال، بعد عرض أي حلقة وقبل نزول تتر النهاية يكون الجمهور قد قال كلمته وأوصل رضاه أو ضيقه من العمل للقائمين عليه.

لذا كلما شعر المشاهد بأن صوته مسموع أو لرأيه قيمة فارقة، كلما تمادى في إظهار هذا الرأي ورأى أن يستغله حتى آخر رمق.

فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى

هل ترى استخدام بيت الشعر الجميل، للشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود مبالغة؟

سأحمل روحي على راحتي … وألقي بها في مهاوي الردى

فإمّا حياة تسرّ الصديق … وإمّا مماتٌ يغيظ العدى

للأسف لم يعد كذلك، فالنقد أصبح حرباً ضروساً يسعى كل فريق لكسب المعركة بكل الطرق المباحة وغير المباحة، تنظر لعنف النقد الذي يصل لحد السباب الفاحش، وتنظر لقسوة الرد على النقد التي تصل للاتهام بالمؤامرة، والعمالة، والكفر في بعض الأحيان، وتتسع عيناك دهشة؟

هل هذا نقد أم حرب تكسير عظام؟ لمَ كل هذا العنف؟ لمَ الإستماتة من "أغلبية" المشاهدين في أن يتحول النقد إلى هدم، إلى انتقام من القائمين على العمل، رغم أن السؤال يظل مطروح.

"لماذا لا تتوقف عن مشاهدة العمل الذي لا يعجبك؟"

لا يحدث هذا، يظل المشاهد يشاهد كل حلقة من مسلسلات رمضان 2023 بإصرار ليدخل في نقاشات حامية الوطيس، غالباً ما تصل لحد الإساءة للنجم أو المخرج أو مجمل القائمين على العمل، إساءة عنيفة وحادة من الصعب أن تصدق أن كل هذه الرغبة في الإيذاء وكل هذا الغضب والضيق والإصرار على الإساءة من أجل عمل فني، يكفي أن توضح أنه لم يعد يعجبك بسبب كذا وكذا وكفى.

فهل حقاً هذا العنف النقدي فقط حماسة للفن؟

المعركة الآمنة الوحيدة

الحقيقة أن الناظر المدقق لكل هذا العنف النقدي سيجد أن الأمر ربما أبعد قليلاً من مجرد غيرة فنية من جمهور محب للفن.

بل يبدو الأمر كإخراج لشحنة غضب مكتومة ومخزنة، وتحتاج إلى التنفيس، فكيف تخرج؟

الغلاية تحتاج لمتنفس

هل رأيت غلاية ماء من قبل حيث يتجمع البخار داخلها إن لم يكن هناك متنفس فتحة لتسريب البخار ستنفجر، وربما تتكسر لمئات الشظايا، هذا الوضع الحالي فالبشر في حالة غليان داخلي؛ حيث ضغوط يومية في كل شيء، ولا سبيل للتنفيس، اغضب من زوجتك أو زوجك ستدخل في دوامة الطلاق، عبر عن ضيق سياسي ستكون العواقب وخيمة، اذكر رأيك في أمر ديني بشكل واضح ستتهم بالإلحاد أو الإرهاب، عبر عن مشكلتك الاقتصادية لرئيسك في العمل سترفد غالباً، هكذا كل معارك عواقبها غير آمنة، كل منحى من مناحي الحياة تشعر بمشكلة به، وترغب في التعبير عنها ستجد أن التنفيس والتعبير وإخراج ما في قلبك غير مأمون العواقب، لذا لقد وجدت ضالتك أخيراً يمكنك أن تخرج غضبك كله في هذه المعركة الآمنة، أن تصرخ أن تسب أن تدبدب في الأرض ضيقاً؛ لأن صانعي الدراما لا يحترمون عقلك، وأنت تضمن أنك ستخرج سليماً من هذه المعركة ببساطة وقد هدأت قليلاً.

هؤلاء السادة المرفهين وسيارتهم الفارهة

ليس فقط المتنفس هو ما يدفع أغلب النقاد الغاضبين إلى التطرف في الغضب والوصول به إلى المنتهى، بل الشعور بالظلم كذلك، وهو أمر يجتمع به الأغلبية في العالم، حيث هناك مهن براقة تعطي صاحبها المال، والشهرة، بينما أغلبية المهن عادية، مهما كانت أكثر أهمية.

وهكذا يجب الطبيب الشاب الذي درس 7 سنوات في الكلية ليتخرج ويستمر في المعاناة مع دخل لا يكفيه ومجهود مضاعف، أن هذا النجم الذي لم يدرس مثله ولا يعاني في عمله كمعاناته يكسب عشرات إن لم يكن مئات أضعاف دخله.

هذه الموظفة التي تتحمل الصداع والتوتر والتعامل مع كل أنواع البشر وتدخل 10 جمعيات مختلفة لتوفر فقط جهاز ابنتها تنظر بغضب للسيارة الفارهة التي تخرج منها نجمة في السبعين من عمرها، لا يبدو أن سنها يتجاوز الثلاثين، وترتدي عقداً من الألماس يستطيع حل كل مشاكل حياتها

هنا عند أول ذلة لأي من النجوم في أي عمل يكون النقد بمقدار الغضب المختزن، ولسان حال المشاهد الناقد يقول "أنتم أيها المرفهون الذين تعبون الأموال عبّاً بلا مجهود يُذكر، وأيضاً لا تتقنون مهنتكم ولا تسلوننا كما يجب منكم؟".

رغم كل ما سبق فدعونا نتفق أن من حق المشاهد أن ينقد، وأن يشاهد عملاً يحترم عقله، وأن صانعي الدراما في مسلسلات رمضان 2023 يجب أن يصل لهم فكرة أن عملهم لم يعد هو العمل الوحيد المتوفر على الساحة، وأن المشاهد مجبر على قبوله، بل الخيارات متاحة أمامه لذا على من يريد النجاح حقاً أن يجتهد ويدقق ويسعى لإخراج أعمال تستحق المشاهدة، ألا يستخف بعقول مشاهديه، وأن يسعى لإرضاء هذا الجمهور الذي هو في النهاية رأس ماله الحقيقي.

ولكن للغرابة، فإن ظاهرة أخرى بدأت تظهر في الأفق، فالمعركة الآمنة التي تخيلها المشاهد ربما لم تعد بهذا الأمن حقاً.

فصانعو الأعمال تخطوا القاعدة الشهيرة "الزبون دائماً على حق"، وبدأوا هم أيضاً في احتراف العنف المضاد.

فنجد النجوم والصحافيين الفنيين وغير الفنيين، بل بعض الشخصيات العامة تقرر أن ترد على النقد الحاد بأحد منه.

فنجد نجماً يسب شابة نقدت دوره في الردود، وآخر يتهم المشاهدين بعدم الفهم، وآخرين يتبنون نظرية المؤامرة ويتحدثون عن المؤامرات التي تحاك بليل على أعمالهم، بل وصل الأمر لاتهام من ينتقدون عملاً ما بأنهم غير وطنيين وعملاء، لنصل لـ"ليفيل الوَحش" حيث وصل الأمر لتكفير بعض منتقدي عمل ما.

لذا، فربما يكتشف المشاهد/الناقد المبتدئ الغاضب، أنه حتى هذه المعركة السنوية الدرامية لم تعد آمنة كما كان يظن، ربما لو توجه لنقد أفلام الكارتون سيكون الأمر أقل عنفاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دعاء حسين
كاتبة مصرية
كاتبة مصرية
تحميل المزيد