هل سمعت يوماً عن "التشوهات المعرفية وأخطاء التفكير"، إن جاز لنا التعبير نطلق عليها "فيروسات التفكير"، تلك الفيروسات التي تتحكم في طريقة تفكير الإنسان ونظرته للأمور وحكمه على الأحداث، فهي تصنع مشاعره ويتقلب على إثرها مزاجه، ويضطرب معها سلوكه، فيروسات تشبه في وظيفتها الفيروسات التي تهاجم صحة الجسم فتصيبه بالأمراض والوعكات الصحية.
كما أن فيروسات التفكير تُحدث تأثيراً يشبه تأثير فيروسات الأجهزة الإلكترونية من تعطل الأجهزة عن العمل وتنفيذ أوامر خاطئة، فضلاً عن أنها دلالة قوية على إصابة الإنسان بالاضطرابات النفسية المزاجية كالاكتئاب وكذلك اضطرابات القلق، وهي المدخل الأساسي لعلاج تلك الاضطرابات، وحجر الزاوية في تحسين جودة حياة المصابين بهذه الاضطرابات، والأقوى تأثيراً في تمتعهم بالصحة النفسية.
كيف تكتشف أخطاء تفكيرك؟
هل راقبتَ طريقة تفكيرك وفحصت التشوهات المعرفية "فيروسات التفكير" عند مرورك بموقف اجتماعي ضاغط، مثل: عرض مشروعك أو إنجاز في عملك أمام الآخرين؟
من المحتمل أن ينتج عقلك أفكاراً سلبية تلقائية مشوهة، تحدث بها نفسك عند حدوث الموقف "على سبيل المثال لا الحصر" كالتالي:
- فكرة "أنا فاشل" هي تشوه معرفي "فيروس تفكير" يسمى "العنونة– التلقيب السلبي"، وهو إلصاق وصف خاص بالفرد، يحدّث به نفسه، ويعتقده، ويظهر عند مروره بمواقف غير مريحة له.
- فكرة "يعتقد الموجودين أنني غير مقنع" هي تشوه معرفي "فيروس تفكير" يسمى "قراءة الأفكار"، وهو اعتقاد الفرد أنه يستطيع الحكم بشكل صحيح وباستنتاجه الخاص على ما يفكر فيه الناس من خلال تعاملاتهم وردود أفعالهم تجاهه.
- فكرة "من الممكن أن يفعل ذلك أي شخص، أنا لا أقدم جديداً هي تشوه معرفي "فيروس تفكير" يسمى "تجاهل الإيجابيات"، وهو تهوين الفرد لإيجابيات الموقف وتهويله من السلبيات، مثل تركيزه على ضحك الحضور على انقطاع الصوت عنه أثناء العرض الذي يقدمه، ويتجاهل تفاعل الحضور وانتباههم للمادة المعروضة.
- فكرة "لا شيء أفعله يجعلني أنجح" هي تشوه معرفي "فيروس تفكير" يسمى "الكل أو اللاشيء"، وهو أن يضع الفرد لنفسه توقعاً إيجابياً مرتفعاً، ويبني حكمه على نفسه، فهو إن لم يحصل على ثناء جميع الحضور، وأبدى أحدهم بعض الملاحظات للتحسين فهو يرى ذلك عيباً، وأنه كان لا بد أن يعجب جميع الحضور، ولأنه لم يحدث ذلك يستنتج أن عرضه للمشروع فشل، ولم يستطع التعبير عن إنجازاته.
أمثلة على الأفكار المشوهة معرفياً "فيروسات التفكير"
هذه التشوهات المعرفية أو أخطاء التفكير نفكر فيها جميعاً، وترد على أذهاننا عند حدوث المواقف، لكن الشخص المضطرب نفسياً، أو من هو على استعداد للإصابة باضطراب نفسي، يصعب عليه التعامل معها بعقلانية، ويمكن تصنيفها كالتالي:
التسمية أو العنونة أو التلقيب: وهو إطلاق الفرد مسميات كأحكام نهائية على نفسه أو الآخرين، والتصرف بناء على هذه الأحكام، مثال: عندما تحدث مشكلة زوجية، فإن عقل الزوجة ينتج فكرة "لا أحد يحبني حتى زوجي، أنا مضطهدة من الجميع، الرجال ينكرون الفضل ولا يقدرون تعب الزوجة".
اللوازم والحتميات: وهو أن يضع الشخص لنفسه حكماً قاطعاً بأنه لا بد أن يحدث هذا، مثال: الموظف في بداية عمله، فإن عقله ينتج فكره "لا بد ألَّا أخطئ أي خطأٍ حتى أحصل على رضا وإشادة صاحب العمل، لا بد أن أكون الموظف المثالي في كل شهر".
الاستنتاج العاطفي: وهو أن يستنتج الشخص أحكامه بناء على مشاعره وإحساسه، مع تجاهل أنه قد يحدث عكس ما يشعر به، مثال: عند شعور الشخص بارتياح في بداية تكوين العلاقات مع الأشخاص، فإن العقل يُنتج فكره "أن هذا الشخص الذي قابلته هو أفضل شخص قابلته في حياتي"، مع تغييبه للموضوعية بأنه من الصعب الحكم على شخص إلا بعد مواقف متعددة من التعامل والتفاعل الاجتماعي.
التهويل مقابل التهوين- تجاهل الإيجابيات: وهو أن يميل الشخص لتضخيم الأمور بتجاهل وتهوين الإيجابيات وتعظيم وتهويل السلبيات، مثال: عندما يمرض شخص بارتفاع درجة الحرارة، فإن عقله ينتج فكرة "أن هذا الأمر سيؤدي إلى إفساد يومي وتعطيل حياتي، ويقلل من الإيجابية من أن جسمه يريد أن يخبره بمشكلة صحية".
التنبؤ بالمستقبل- معرفة الغيب: وهو تنبؤ الشخص بما سيحدث في المستقبل، والاعتقاد بأن ما افترضه سيحدث، مثال: بينما يذاكر الطالب من أجل الاختبار يُنتج عقله فكرة: "أنا لن أستطيع الإجابة عن أسئلة الاختبار وسأرسب".
التفكير الكارثي أو المأساوي: وهو اعتقاد الشخص أن ما حدث مخيف ومرعب ولا يمكن تحمله، ولن يستطيع أحد إيقافه، مثال: عند حدوث جائحة كورونا، ينتج عقلك فكرة: "هذه ستكون نهاية العالم وسيموت الجميع".
قراءة الأفكار أو العقل: وهو افتراض الشخص أنه يستطيع معرفة ما يفكر فيه الناس دون أن يكون لديه دليل كاف على ذلك الاستنتاج، مثال: بينما يذكرك زميلك أن تقول ما شاء الله عند مدحك نوع سيارته، فينتج عقلك فكرة: "يعتقد زميلي أنني شخص حسود".
المبالغة في التعميم: وهو أن يعمم الشخص تعميماً شاملاً على كل المواقف، بناء على نتيجة موقف واحد، مثال: شخص يتقدم لخطبة إحدى البنات لكنها ترفضه، فإن عقله ينتج فكرة "إنني سيتم رفضي في كل مرة أتقدم لخطبة أي بنت، وإنني غير جذاب".
اللوم المفرط الذات- الشخصنة: وهو أن يربط الشخص كفاءته الشخصية وحكمه على ذاته من خلال لومه لنفسه عن الأحداث السيئة التي تحدث من حوله، بغض النظر إن كان المتسبب فيها آم لا، مثال: حادث مروري يحدث لأحد الأبناء وهو عائد للمنزل في وسيلة المواصلات، فإن الأب ينتج له عقله فكرة "ابني حدث له هذا الحادث لأنني لم أكن معه، ولم أرعَه كأب مسؤول".
الفلترة أو التنقية العقلية: أن يستجمع الشخص الشواهد التي تؤيد توقعه السلبي وحكمه على الأمور، ويستبعد الشواهد المضادة لتلك الفكرة، مثال: شخص بينه وبين أحد الأشخاص عداوة أو عدم وفاق، فإن عقله ينتج فكرة "الناس لا تحبني، بدليل أن بعض الأشخاص يكرهونني، مع تجاهله لدليل مضاد، أن هناك عدداً كبيراً من الأصدقاء الذين يحبونه".
الكل أو اللاشيء: وهو أن يضع حكماً على الأحداث من حوله، وعلى ذاته، وفق احتمالين فقط (أبيض- أسود)، مثال: شخص يتقدم لاختبار للحصول على رخصة قيادة، فإن عقله ينتج فكرة "إما أن أنجح وأجتاز اختبار القيادة، أو أنني شخص فاشل إذا لم أنجح في الاختبار".
كيف نحكم على أفكارنا بأنها حقيقية أو مشوهة؟
كما ذكرت سلفاً أننا عند مرورنا بموقف ما، أو عند التفكير في حدث ما، فإن العقل يُنتج أفكاراً تلقائية مرتبطة بالحدث، مثال: دعوة مديرك في العمل لحضورك إلى مكتبه، عندها قد ينتج عقلك فكرة تلقائية "المدير سيتصيد لي الأخطاء، ويريد أن يعنفني عن شيء حدث لستُ المتسبب فيه"، وهذا ما نسميه فكرة تلقائيه مشوهة معرفياً تسمى "التنبؤ بالمستقبل"، ورغم أنها قد تكون حقيقة بطبيعة كون الأفكار التلقائية قد تكون حقيقة وقد تكون مشوهة، ورغم أنها تبدو معقولة للشخص، فإننا لا بد وأن نراقب الفكرة التلقائية ونتأمل فيها للحظة، فإذا وجدناها مشوهة فعلينا ألا نسلم بها في كل الأوقات ونعممها في كل تعاملاتنا مع الآخرين، لأنها كفيلة بأن تُفسد علينا حياتنا، وتكون المسبب الأساسي لتراكم صراعاتنا الداخلية، مع تفكيرنا في المواقف بما نسميه العوامل المرسبة التي تسبب اضطرابات الاكتئاب أو القلق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.