الصحة النفسية ليست رفاهية.. ما أساليب تحقيقها؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/01 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/01 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
العلاج السلوكي المعرفي يعالج طريقة تفكير الشخص وتقييمه لمجريات الحياة – iStock

الصحة النفسية حقيقة لا تقبل الشك، ولها أساليب تُحققها وتزيد من فاعليتها، ولكنها تحتاج إلى من يحدّث الناس عنها بفهم ووعي وتبسيط، بعيداً عن تعقيد المفاهيم.

فبينما يحدّثنا البعض عن الصحة النفسية فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هي تلك الصورة الحالمة، والحالة الوردية عن الحياة المثالية، التي لا يمكن أن تتحقق طوال الوقت، وذلك الرجل المتمتع بمزاج مستقر وحياة هانئة ولا يتأثر بالمشكلات مِن حوله، وهذه الحالة أيضاً يصعب امتثالها في كل الأوقات، فيجد المستمع نفسه يقاوم سماع هذا الحديث الذي لا يصدقه عقله ولا يرتاح إليه قلبه.

مفهوم الصحة النفسية

فلنتحدث عن مفهوم الصحة النفسية اقتباساً من تعريف منظمة الصحة العالمية، مع إعادة صياغة المصطلحات العلمية، حتى تصل مقاصد التعريف إليك عزيزي القارئ، الصحة النفسية هي تلك الحالة التي يصل إليها الفرد من "الهناء النفسي"، والتي تتحقق عندما يدرك الفرد ذاته، ويتعامل مع ضغوط الحياة، ويقوم بمهام حياته، ويساعد المجتمع.

متى تتحقق الصحة النفسية؟

تتحقق عندما يتمتع الفرد بالعوامل الأربعة التي تحقق "الهناء النفسي"، وهي العلامات التي إن وُجدت نحكم من خلالها بأن الشخص فعلاً يتمتع بالصحة النفسية كالتالي:

1- إدراك الفرد لذاته: يعني إدراك النفس كما هي، بحكمٍ متجرّد من أخطاء التفكير المبالغة في لوم الذات أو تبرير الأخطاء وكذلك لوم الغير، إدراكاً منصفاً وليس كما يرغب أو يتمنى أن يرى نفسه، وهذا الإدراك يكون في كل الجوانب مثل القدرات، والعلاقات، والأفكار، والمعتقدات.

مثال على ذلك: شخصٌ يُدرك أن لديه قدرة على العمل لساعات طويلة دون ملل، وفي الوقت نفسه يرى أنه لا يستطيع أداء أكثر من مهمة في وقت واحد.

2- التعامل مع ضغوط الحياة: يعني قدرة الشخص على التعامل مع أحداث الحياة الضاغطة وليس تجنبها أو اعتزالها، ومواجهتها بأساليب المواجهة السليمة، كالشخص الذي يواجه المواقف الضاغطة بالتركيز على الحل وليس الانفعال.

مثال: عند علم الموظف بزيارة المسؤول لتقييم عمله، فإنه يجب عليه أن يركز على أداء دوره والعمل وفق ملاحظات المسؤول، والابتعاد عن شخصنة الأمور والانفعال، مثل قوله "لماذا لا يقدر المسؤول عملي ويشكرني، بدلاً من إبداء الملاحظات وكشف الأخطاء؟".

3- أداء المهام اليومية: من أهم المؤشرات التي تدل على أن الشخص يتمتع بالصحة النفسية، قيامه بأداء المهام اليومية دون تعطّل أو احتراق نفسي يجعله يؤدي مهامه بصعوبة بالغة، وعدم رغبة في بذل الجهد وغياب الدافع الشخصي.

مثال: مواصلة أحد الطلاب بذل الجهد والتفوق الدراسي مهما كانت الظروف الحياتية والأحداث من حوله والخلافات الأسرية.

4- مساعدة المجتمع: والمقصود بالمجتمع ما يشمله من أفراد وبيئات، كشخص يبذل من وقته وجهده في مساعدة الآخرين، بما لا يؤثر على أداء مهامه الحياتية المنوطة به.

مثل: التطوع في الأعمال الخيرية، والمساعدة في الإغاثات الإنسانية، وتعليم أحد الزملاء مهارة تتقنها في عملك.

العلاج السلوكي المعرفي يعالج طريقة تفكير الشخص وتقييمه لمجريات الحياة – iStock

أساليب تحقيق الصحة النفسية

هناك خمسة أساليب لتحقيق الصحة النفسية، تعد بمثابة بروتوكول علاجي ونمط حياتي لكل شخص يبحث عن حياة هانئة.

1- كن على تواصل: لا تفقد اتصالك بمن حولك، وتعلَّق بالتواصل مع الآخرين، مهما دفعتك الأحداث للوحدة، ومهما تشكّلت لديك فكرة سيئة عن الناس، من تراكُم خيبات الأمل في الأشخاص.

  • قوِّ العلاقات التي تمنحُكَ الثقة والمساندة الاجتماعية.
  • أغلق الجوال واستمتع مع أبنائك.
  • خطِّط لحدث اجتماعي ترفيهي مع أصدقائك.
  • تكلَّم في أوقات الراحة مع زملائك في أمور غير متعلقة بالعمل.
  • كوِّن علاقاتٍ جديدةً بانتقاء مَن يستحقون ثقتك أو من يضيفون لك.

2- كُن نشيطاً: اجعل جسدك قادراً على مغالبة ضغوط الحياة وتلقِّي الصدمات، فالصحة الجسدية ترتبط بالصحة النفسية.

  • حافظ على لياقتك البدنية في المنزل، واشترك في كورس لياقة بدنية أو إحدى الرياضات إن أمكن.
  • قابِل الأصدقاءَ في حدائق مفتوحة، وتناقش أثناء المشي بالحديقة. 
  • خطّط لتحدٍّ جسدي جديد لتحسين حالتك الجسدية.
  • استمع لأصوات الطبيعة المحببة أثناء ممارسة الرياضة.

3- كن يقظاً: ركِّز على مراقبة اللحظة الحالية مِن حولك.

  • راقِب سلوكك ورود أفعالك وقوّمها عند تعرُّضك لأي موقف.
  • ركِّز على الشعور في اللحظة الحالية، دون الاستغراق في الماضي، واكبت المشاعر السلبية قدر الإمكان.
  • قُم بنزهة مليئة بالتأمل، ولاحظ شيئاً واحداً لم تلاحظه من قبل. 
  • مارِس تمارينَ التنفس واستشعر أنفاسك تتخلل جسدك. 
  • استرخِ بعض الوقت في صمت كل يوم، للتفكير في أفكارك.

4- استمرَّ في التعلُّم: تعلُّم مهارة جديدة يُحسن من صحتك النفسية.

  • تعلم مهارة مهنية جديدة يساعدك على تحسين عملك.
  • تعلم مهارة حياتية جديدة مثل إدارة الوقت أوتدبير المال.
  • تعلم كيفية عمل طبخة جديدة، واحصل على ثناء مَن تحب.
  • اطَّلع على معرفة جديدة بشيء ما مثير لك. 
  • اكتشِف طريقاً جديداً أثناء العودة من العمل إلى المنزل. 

5- استمرَّ في العطاء: العطاء مفيد لغيرك ويهذب نفسك.

  • اطلب من صديق أن يشاركك طعام الغداء أو القهوة على حسابك.
  • هذِّب نفسَك بشكر الآخرين على ما يقدمونه لك، وامدح إيجابياتهم.
  • ساعد شخصاً غريباً في حمل حقائبه أثناء السير في الطريق.
  • انضمّ إلى فريق تطوعي، وداوِم على عمل الخير ومساعدة الغير.

في الختام، أؤكد أن الصحة النفسية ليست حبراً على ورق، وليست كلاماً ينفضّ بعد المجالس، وليست تلك الصورة المثالية عن الحياة، لكنها أساليب ووسائل تحتاج إلى بذل جهد متواصل ومداومة عليها، لتجعل حياة الشخص أفضل، ولديه قدرة على تيسير أمور حياته، ويتمتع بطرق مواجهة منغصات الحياة اليومية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد صبحي
أخصائي نفسي ومعالج سلوكي
تحميل المزيد