عزيزي القارئ.. لعلك وأنت تقرأ عنوان المقال استدعى لك عقلك الصور والمقاطع المصورة لأحداث زلزال تركيا وسوريا، والتي راح ضحيتها الآلاف من البشر، وعدد المصابين المقدر بعشرات الآلاف، فشعرت بالضيق وتنامى الشعور بالخوف، وأحسست أن الحدث قريب الحدوث، وسألت نفسك: هل أنا معرض لأن أعيش مثل هذا الحدث في البلدة التي أعيش فيها؟
هل سألقى نفس المصير المأساوي عند حدوث زلزال مشابه؟ ماذا سأفعل حينها؟ وكيف ستكون حياة من أحب من بعدي؟ ما هي التدابير التي عليَّ اتخاذها لتفادي عواقب هذا الحدث المؤلم؟
هذه الأسئلة الناتجة عن أفكارك يطرحها عليك عقلك تلقائياً عند مرورك بأحداث شاقة كبرى مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل أو انتشار وباء كفيروس كورونا، لتشكل ضغوطاً نفسية وتصبح بيئة تعصف ببعض الناس، فيظهر عليهم اضطراب أو مشكلة نفسية كانوا على استعداد للإصابة بها.
طبيعة الزلازل تشبه طبيعة الموت
إن الحالة المروعة الناتجة عن الزلزال تشبه كثيراً الموت، فقد تشكلت من عوامل ثلاثة: "فجائية الحدث، وعدم التنبؤ بالنتائج، وعدم القدرة على التحكم في الحدث"، وهذه العوامل من صفات أحداث الحياة الشاقة الكبرى التي تشكل ضغوطاً نفسية شديدة، وإذا تأملنا ما يحدث عند الموت، نجد أن من طبيعته أنه "يأتي فجأة، ولا نستطيع الجزم بمصير الميت، ونعجز عن إيقاف حدوثه".
هذا التشابه بل التطابق يخلق نفس المشاعر من الهلع والخوف عند الشعور باقتراب الحدث أو احتمالية حدوثه، فضلاً عما خلفه الزلزال من موتى، وأن الزلزال قد يسبب الموت، فذلك يزيد من قوة الشبه بين الحدثين "الزلزال، والموت".
شعور الخوف من الموت طبيعي أم مبالغ فيه؟
الشعور بالخوف المرتبط بالأفكار حول الموت والتي تنتجها وتعاود ظهورها الأحداث الشاقة كالزلازل، ما هو إلا شعور طبيعي تلقائي.
إن الله -سبحانه وتعالى- خلق جسم الإنسان بمجموعة من التحصينات الفسيولوجية كالجهاز المناعي الذي يواجه به الإنسان الأمراض التي قد تودي بحياته، ورد فعل منعكس تلقائي عند الشعور بالخطر كتسارع ضربات القلب، وزيادة إفراز هرمون الأدرينالين وتدفق الدم إلى الدماغ ليتخذ قراره المناسب بإبعاد الجسم عن مصدر الخطر مثل ما يحدث عند إبعاد يدك عند لمس شيء ساخن أو الهروب بعيداً عن مصدر الخطر خوفاً من الموت.
كما أمدنا الله -سبحانه وتعالى- بميكانيزمات دفاعية ومنها الحيل النفسية التي يمارسها العقل للتكيف والتأقلم مع الحدث الضاغط مثل كبت المشاعر السلبية لتخطي هذا الحدث الضاغط حتى لا يموت الإنسان كمداً وقهراً.
كل تلك الأدوات الدفاعية ترتبط ارتباطاً مباشراً في عملها بمشاعر الخوف الذي يدفع الإنسان للحفاظ على حياته، وتعمل لا إرادياً عند المرور بتهديد لحياة الإنسان، وهنا حكمة الخالق في تيسير حياة المخلوقات، وقدسية حياة البشر التي هي أعظم عند الله من هدم الكعبة الشريفة.
نستطيع القول إنه لولا مشاعر الخوف وطبيعية حدوثها عند المخاطر، ما انتظمت هذه المنظومة الربانية في العمل لتحافظ على سير الكون؛ ليقوم الإنسان بدوره في الأرض من إعمارها، واستخلاف الله له فيها، والأمانة التي حملها من عبادة ربه سبحانه جل في علاه.
متى يكون الشعور بالخوف مهلكاً للإنسان؟
الغريب أن الشعور بالخوف كما هو يدفع الإنسان للحفاظ على حياته وإعادة توازنه النفسي، من الممكن أن يكون سبباً في هلاكه إذا كان مبالغاً فيه، ويمكن الاستدلال ببعض البشر الذين يعانون من خطأ في التفكير، وهو بمثابة الفيروس الذي يتسلل إلى عقل الإنسان فيفسد عمله عن التفكير بشكل صحيح.
هذا الخطأ في التفكير يسمى التفكير الكارثي والمأساوي، وهو المبالغة الشديدة في تضخيم الأمور حول أحداث قد لا تحدث، والتعامل معها أنها وشيكة الحدوث أو يقينية النتيجة المأساوية، والمبالغة في تقدير الآثار المترتبة عليها، كمن يعيشون بيننا الآن وقد تكون بيوتهم في منطقة من العالم آمنة من الكوارث الطبيعية ولم يتوقع المتخصصون في رصد حركة الزلازل حدوث كارثة طبيعية فيها، ومع ذلك فهؤلاء ممن يحملون هذا الخطأ في التفكير، يرون أن نهاية العالم وشيكة وأن نهايتهم قريبة وأن الموت يلاحقهم، لا أمل في النجاة من أحداث الزلازل.
قد يعتقد البعض أن الزلزال إن وقع لن يستطيع البشر تحمل كوارثه، ولن يستطيعوا التعامل مع الحدث بنجاح، فيدفعهم ذلك إلى تخزين كمية كبيرة من الطعام، أو الخوف من دخول المنزل، أو الخوف المبالغ فيه من شراء شقة في عمارة فقد تنهار بسهولة عند حدوث الزلزال، مع أن هذا الزلزال لم يحدث في هذه المنطقة، واحتمالية حدوثه نادرة.
على الرغم من اتفاقنا على أن الشعور بالخوف من الموت طبيعي، ولكن إن ارتبط بالتفكير الكارثي والمأساوي وبعض الوساوس السقيمة، فإن هذا الشعور قد يعطل حياة صاحبه ويهلكه، بل إنه في درجة من درجات الوسواس القهري فقد تدفعه لإنهاء حياته، للتخلص من هذه الآلام النفسية.
لذلك إن كنت ممن يعاني من التفكير الكارثي والمأساوي فلا تتردد في استشارة المختصين والاستعانة بأهل العلم كي يساعدوك على التوافق النفسي والتكيف مع أحداث الحياة الشاقة، وإن كنت ممن يدفعه هذا الحدث المروع إلى الاقتراب من الله والدعاء أن يحفظنا من شر الزلازل والمِحَن، ودفعك الخوف إلى توخي الحذر والجاهزية دون مبالغة في ذلك ودون تعطل حياتك ودون الاستسلام بالتفكير المبالغ فيه من هذه الوساوس.
فأنت شخص استفاد من الحدث، وفهم الرسالة الربانية فهو القائل سبحانه وتعالى: "حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" صدق الله العظيم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.