الكوابيس والقلق والبكاء.. ما هي آثار الصدمة النفسية على الناجين من الزلازل؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/10 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/10 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
عمال الإنقاذ يحاولون إنقاذ العالقين/الأناضول

لعلنا نتابع أخباراً صادمة عن أحداث الزلزال القوي الذي ضرب تركيا وسوريا، وانتابتنا مشاعر القلق والخوف والهلع، كل حسب استقبال عقله وأفكاره، وترجمة مشاعره للحدث الصادم.

من الوارد أن تعصف بنا الحياة بمجموعة من الأحداث الصادمة التي نعيشها، منها ما قد يكون مفاجئاً، ومنها ما لا نستطيع التحكم في نتائجه، ومنها ما نعجز عن السيطرة عليه، يصارع معها الفرد نفسياً وجسدياً صراعاً يسعى فيه إلى مواجهة الحدث الضاغط بالتخلص من التوتر أثناء الحدث، ومحاولة استعادة التوازن النفسي بعد الحدث.

وعلى الرغم من انتهاء الحدث لكن تبقى آثاره النفسية وما تخلفه الصدمات من تبعات تؤثر على حياة الفرد فيما بعد، فتتولد لدى الفرد أفكار سلبية تلقائية عند المرور بمواقف ضاغطة مشابهة للحدث السابق، فتعيد تشكيل أفكاره ومعتقداته وتؤثر على سلوكه وأدائه وإنتاجه.

غبر أن المصابين وما يلحق بهم من إعاقات أو تشوهات، وأولئك الذين يتألمون لفراق أحبابهم، كل ذلك له آثار نفسية تضطرب معها حياة الفرد، وتجعله أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية.

الزلازل من الأحداث الكبرى لأحداث الحياة الشاقة

خلفت أحداث الزلزال الذي أشرنا إليه في المقال ضغوطاً نفسية مختلفة الشدة ومتباينة الأثر على من عايشوه، أو من كانوا قريبين من مكان الأحداث، هذه الضغوط النفسية نطلق عليها أحداث الحياة الشاقة.

تصنف الزلازل على أنها من الأحداث الكبرى ضمن الأحداث الشاقة التي يتعرض لها الإنسان، والتي تولد أشد أنواع الضغوط النفسية تأثيراً على حياة الفرد، خاصة إذا فقد الفرد شخصاً عزيزاً أو تهدّم بيته أو فقد ممتلكاته نتيجة الزلزال، بل ويمتد تأثيرها لتتعدى النوع الأول "الأحداث الكبرى" إلى النوع الثاني "الشدائد المزمنة"، والتي تمتد آثارها لما بعد الحدث مثل الإصابة بمرض ما أو إعاقة مستديمة، كفقدان أحد أطراف الجسم.

لا يتوقف أثر الزلازل على النوع الأول والثاني سالفيْ الذكر، بل يمتد إلى النوع الثالث "منغصات الحياة اليومية"، والتي يعايش فيها الفرد أحداثاً يومية من آثار الزلزال، مثل توعر الطرق، وانقطاع الكهرباء أو الماء، وتعطل الحياة واضطراب المدينة وأعمال رفع الأنقاض، محاولاً التغلب عليها لتستمر حياته ويستعيد توازنه النفسي.

ترقب وقلق بين الناجين انتظاراً لمصير أبنائهم تحت الأنقاض – خاص عربي بوست

اضطراب ما بعد الصدمة

عند مرورنا بحدث صادم فإن آثاره النفسية قد لا تنتهي عند انتهاء الحدث، بل قد تتعدى الآثار لما بعد الحدث، دعنا نتخيل الأثر النفسي على من عايش الحدث ممن انتشلوا من تحت الأنقاض أو فقدوا أحبابهم أو تهدمت بيوتهم، بالتأكيد سيكون أثراً نفسياً بالغاً، فمنازلهم التي كانت تأويهم وتحميهم تهدمت فوق رؤوسهم، ولم تعد مصدر أمان لهم، والحياة التي كانوا يأملون في تحقيق الكثير من الأهداف فيها أصبحت مهددة بالموت المفاجئ، لتتعدى الآثار النفسية صدمة الحدث إلى احتمالية الإصابة باضطراب نفسي يسمى اضطراب "ما بعد الصدمة". 

إن "اضطراب ما بعد الصدمة" يظهر جلياً بعد الأحداث الصادمة التي تحدث للفرد أو قد يشهدها، وتتضمن الأعراض استرجاع الأحداث بما يسمى "اجترار ذكريات الحدث"، فيعيشها وكأنها تحدث الآن، والكوابيس الليلية والقلق تجاه المواقف المشابهة كالأصوات المرتفعة أو البكاء والصراخ الذي كان قد سمع الشخص مثله أثناء أحداث الزلزال، بالإضافة للأفكار المرتبطة بالقلق التي يصعب عليه السيطرة عليها، والتغيير الذي يعقب الحدث في حياة الفرد.

الفرق بين المرور بالصدمة والإصابة باضطراب ما بعدها

هنا لابد أن نفرق بين الصدمة التي تحدث أثناء الحدث وقد تستمر لما بعد الحدث، فهذا أمر طبيعي يحدث بعد كل حدث صادم أو شاق أو مؤلم، وأغلب من يمرون بهذه الأحداث قد يصابون بصعوبة في التوافق النفسي والتأقلم والتكيف مع أحداث الحياة اليومية، ولكن مع مرور الوقت والاهتمام بالصحة النفسية والتعامل مع الأفكار السلبية بالصمود النفسي وامتلاك أساليب المواجهة، فعادةً ما يتحسنون.

لكن إن استمرت الأعراض لمدة 6 أشهر على الأقل، وصاحبتها ردود أفعال جسدية كالانتباه الدائم لوجود خطر، وصعوبة النوم، والأعراض الجسدية المرتبطة بالهلع والخوف، وأعاقت حياة الفرد اليومية، عندها ننصح بزيارة الطبيب النفسي، فقد يكون الفرد مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة، وقد يصاحبه اضطرابات أخرى كالقلق أو الاكتئاب أو اضطرابات الأكل والنوم.

أسباب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة مثل الكثير من الاضطرابات النفسية لها 3 عوامل مسببة لحدوث الاضطراب، وهي "العوامل البيولوجية، والعوامل الوراثية، والعوامل المرسبة"، وإسقاطاً على الاضطراب موضوع المقال، وارتباطاً بالحدث المشار إليه في حديثنا، فإنه يمكن القول إن العوامل المسببة كالتالي:

  • العوامل البيولوجية: والمقصود بها انتظام إفراز الدماغ والجسم للمواد الكيميائية والهرمونات عند استجابته للحدث المجهد، فقد تكون لا تستجيب بشكل مناسب للحدث الشاق "أحداث الزلزال".
  • العوامل الوراثية: وتعني وجود تاريخ عائلي من إصابة بعض أفراد العائلة بالقلق أو الاكتئاب، وهذا قد يزيد استعداد الفرد للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
  • العوامل المرسبة: وتشير إلى المواقف الحياتية الصادمة والشاقة والتجارب المجهدة، بما في ذلك مدى قوة الحدث الشاق، ومدى شدة الكارثة وتوابع حدوثها من شخص إلى آخر، "فالشخص الذي فقد أبناءه تحت الأنقاض وتهدم بيته وأصيب إصابة بالغة، هو أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب النفسي من شخص آخر شاهد الحدث رأي العين ولم تحل به كارثة ولم يفقد شيئاً".

لكننا نستطيع حماية أنفسنا والحفاظ على صحتنا النفسية، علينا جميعاً أن نراقب أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا بعد كل حدث شاق، واستشارة المختصين في حال تعطلت حياتنا واضطرب مزاجنا وضاقت نفوسنا.

كما أننا بحاجة للحصول على الدعم النفسي ممن حولنا عقب الأحداث الشاقة، وهذا ما سيجنبنا كثيراً التعرض للإصابة بالاضطرابات النفسية، فلا تتردد في طلب الدعم الاجتماعي من المحيطين والأقربين، فالحصول على المساندة الاجتماعية دليل على كفاءتك الشخصية وليس عجزاً كما يعتقد الكثيرون. 

وأخيراً أدعو الله العلي القدير أن يرحم الموتى ويعافي المصابين، وأن يحفظنا جميعاً بحفظه، وأن يقينا شر الزلازل والمحن، وأن يرعانا بعينه التي لا تنام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد صبحي
أخصائي نفسي ومعالج سلوكي
تحميل المزيد