“بينما أنت منشغل بآراء الآخرين وتحترق نفسياً”.. فهل الاهتمام المبالغ بهذه الآراء يجعلك أسيراً لها؟

عدد القراءات
739
عربي بوست
تم النشر: 2023/02/07 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/07 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش

مَن منا لا يهتم بنظرة الآخرين له وحكمهم على ما يفعل؟ إننا تسعدنا نظرات الإعجاب وكلمات التقدير، وتحزننا نظرات الاستغراب، وكلمات الذم وعبارات النقد، حتى أصبح الفرد منا يحكم على نفسه من أحكام من حوله، فيطمئن على أنه يفعل الصواب من خلال كلمات المدح ممن حوله، ويقلق على حاله ويشك في أفعاله من أحكامهم السلبية على تصرفاته.

كل ذلك يجعل الإنسان أسيراً لمن حوله وكأنه إنسان آلي، تدفعه أو تعطله نظرات الآخرين وأحكامهم، والحقيقة أن من أزكي ما قد يقدمه الإنسان لنفسه أن يتحرر من قيود أحكام الآخرين عليه، بألا يشغل باله بما يقولون ويركز على ما يرضي به ربه ويراقب الله فيما يفعل.

أن يجعل المعيار الحاكم في حياته "لكنّ الله يعلم"، فالناس مهما علمت عنك وامتلكت من خبرات للحكم عليك يظل حكمها قاصراً، فأحكامهم مبنية على خبراتهم، وما نما إليهم من علم، أما الله تعالى فـ(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، حتى إنك تستطيع أن تتجمل لتخدع الجميع ليبنوا آراءً وأحكاماً إيجابية عنك، لكنّ الله يعلم الحقيقة الكاملة، وهو من سيجزيك أو سيجازيك على عملك.

الحكم على الشيء فرع من تصوره

الناس تحكم علينا وفق تصوراتهم الخاصة، فهذه القاعدة الفقهية تحذر الناس من الحكم على شيء إلا بعد الإلمام به وإدراكه، لأن الحكم سيكون مبنياً على التصور الخاص، فما بالك بمن يبنون أحكامهم وفق الانطباع الأولي عن الأشخاص، بالتأكيد أحكامهم سيجانبها الصواب لأنها بُنيت على قصور معرفي ومحدودية المعلومات.

هذه القاعدة ترشدنا إلى أن الناس ليسوا على قدر واحد من فهم الحقيقة وقدرة إصدار الأحكام على غيرهم، كما أن المفاهيم مغلوطة ومنقوصة لدى الكثير من الناس، فكم مرة اتُهمنا بالسعي وراء حب الظهور بمجرد سعينا لإثبات الذات؟

فهذا الحكم القاصر بناه الشخص على تصوره الخاص عن السعي والظهور، والذي قد يكون من خبراته المحدودة من مواقف حياته الخاصة أو حدود المعرفة التي وصلته أو تحصل عليها، فيرى أن من يبرز دوره ويتقدم الصفوف هو شخص يسعى لحب الظهور، ونفى احتمالية أنه شخص مقدام شجاع يريد جلب النفع لنفسه ونشر الخير لغيره.

العكس صحيح، فقد يدفع البعض للحكم على شخص أنه ذو علم وفير وعلاّمة عصره لمجرد سرده للمصطلحات العلمية، وهو الرويبضة "الرجل التافه الذي يتكلم في أمور العامة"، فقد قرأ الشخص ومجّده بعدم فهم وإلمام ووعي بمجال كلامه. 

اللودوكسافوبيا " الخوف من التعبير عن الرأي" 

يدفعنا الاهتمام المبالغ بردود أفعال الآخرين تجاه أفعالنا وأقوالنا إلى الخوف حتى من إبداء الرأي تجاه ما يحدث من حولنا خشية الوقوع في مرمى النقد وتهديد قبوله اجتماعياً، فيصاب الفرد أحياناً بـ"اللودوكسافوبيا"، وهو الخوف من التعبير عن الرأي أو مشاركة الأفكار مع الآخرين، وهو أحد أكثر أنواع الرهاب الاجتماعي انتشاراً بين الناس.

أول من تكلم عن هذا النوع من المخاوف (ويليام جيمس) عالم النفس من جامعة هارفارد، في كتابه "أصناف التجربة الدينية" الصادر عام 1902م، وعرَّف "اللودوكسافوبيا" بأنه "الخوف من اعتناق الآراء التي قد تختلف عن تلك التي يتبناها الآخرون". 

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يسعى إلى القبول بكل ما يحمله من أفكار أو يخصه من شكل أو هيئة، وبالطبع يسعى أيضاً إلى أن تكون آراؤه محل إعجاب وتقدير من الآخرين، لدرجة أن البعض قد يتبنى آراءً مخالفة لمعتقداته رغبة منه في التوافق مع الآخرين والقبول الاجتماعي لديهم كما قال (ماركوس أوريليوس): "إننا نحب أنفسنا أكثر من الآخرين، لكننا نهتم بآرائهم أكثر من آرائنا".

اهتمامك بآراء الآخرين تضعف قدرتك على اتخاذ القرارات

دائماً ما يفكر العقل في آراء الآخرين وردود أفعالهم عند اتخاذ القرارات، هذا التفكير قد يدفع الفرد إلى الإحجام عن قول ما يريد أو فعل ما يرغب، فيغرق الفرد في كثرة الحسابات والمراجعات العقلية قبل اتخاذ القرار، فيتولد القلق ويزيد مع المواقف الاجتماعية، وتضعف قدرة الفرد على اتخاذ القرارات في أبسط المواقف الاجتماعية.

فيظهر الشعور بقلة تقدير الذات والاغتراب النفسي، ويتعاظم احتياج الفرد إلى الأمان الاجتماعي، فيصبح لعبة في يد غيره يشككه ويطمئنه وقتما أراد.

(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)

إلى أولئك الذين نصبوا أنفسهم قضاة يحكمون على غيرهم، هذه الآية الكريمة تنهاكم عن التحدث في أمور وإصدار أحكام دون التبين والتثبت من الأمر كله والمعرفة الكاملة به، وأن التثبت في الأمور كلها دليل على رجاحة العقل وقوة الرأي، فالله سبحانه وتعالى بيّن لنا عواقب الأمر: (إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولاً).

أي إن المسلم عليه أن ينتبه عند حكمه على الآخرين وحديثه عن الأمور بأن أمانة الجوارح والحواس والقلب سيسأل عنها الإنسان أمام ربه، عما رواه عن الآخرين وما حكم به عليهم وما صرح به عن نظرته لأفعالهم، وما شعر به من قلبه تجاه الآخرين من مشاعر الحقد والازدراء، أو العجب بما يفعل، فيرى نفسه أفضل من غيره، فيتولد الكبر والعجب بالنفس الذي هو من ثلاث مهلكات كما نبهنا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من الثلاث المهلكات: "الهوى المتبع، والشح المطاع، وإعجاب المرء بنفسه".

لذلك عند شعورك بالخوف من ردود أفعال الآخرين والقلق من آرائهم فعليك أن تُذكّر نفسك كم من موقف اجتماعي مررت به وشعرت فيه بالخوف من آراء من حولك، ووجدت أنه لا أحد اهتم بإبداء رأيه في فعلك!

كم من موقف اجتماعي مررت به وتعرضت للنقد ولم يتذكره أحد وأصبح في طي النسيان عند الآخرين!

كم من موقف اجتماعي افترضت فيه الأسوأ من ردود أفعال الآخرين ومر الموقف بسلام! وشعورك بالخوف كان نتيجة التوقع المتشائم المفرط للفشل والخوف المبالغ فيه من النقد!

عليك أن تركز على ما ينفعك وتتجاهل ما قد يعطلك عن سير حياتك وتحقيق أهدافك، واسأل نفسك: هل ما أقوم به الآن هدفه تحقيق النفع لي والتعبير عما بداخلي؟ أم إثارة إعجاب الآخرين والاهتمام المبالغ بآرائهم؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد صبحي
أخصائي نفسي ومعالج سلوكي
تحميل المزيد