قد يندهش البعض من القدرات الفائقة وأحياناً الخارقة لمن هم مصابون بأحد الاضطرابات النمائية العصبية كاضطراب طيف التوحد، خاصة في مجالات الموهبة وما يرتبط بها من قدرات تتطلب جهداً ذهنياً استثنائياً، كـ(القدرة على الرسم بأدق التفاصيل – القدرة على الحفظ الكامل والاستدعاء من الذاكرة – والقدرة على العد المتتابع بمهارة أسرع من الآلة الحاسبة).
ما دفع البعض للتساؤل: كيف لذوي الإعاقة وأصحاب الاضطرابات النمائية أن يجمعوا بين الإعاقة والقدرة الفائقة في آنٍ واحد؟
إعاقة مصاحبة لموهبة خارقة
فهذا هو الرجل الكاميرا "ستيفن ويلتشير" كما لقبته الصحافة العالمية، بسبب قدرته الفائقة على حفظ أي مشهد يراه، ورسمه بدقة متناهية من الذاكرة، فمن خلال فيلم نشرته قناة "إيكو عربي" أوردت فيه أن "ستيفن ويلتشير" هو فنان معماري بريطاني يبلغ من العمر 31 عاماً، شخّصه الأطباء في الثالثة من عمره بأنه مصاب باضطراب طيف التوحد، والصمم، واضطراب النطق واللغة.
فكانت إعاقته هي السر وراء موهبته الخارقة، حيث إن المصابين باضطراب طيف التوحد ينغلقون على أنفسهم، لذلك وجد الفرصة في أن يعبر عن أفكاره بالإبداع في لغة الرسم، وبسن الخامسة بدأت موهبته الفطرية تتبلور لتصبح لوحاته أكثر احترافية.
ولكن الغريب أن معلميه حرموه من الريشة والألوان لإجباره على التواصل مع الآخرين، ومع ذلك كانت النتيجة أن أول كلمة ينطقها هي كلمة "ورقة"، وبعدها بسنوات قليلة أتقن مهارات اللغة بشكل كامل، وتدفق الإبداع فتطورت موهبة "ستيفن" إلى رسم معالم المباني في لندن بعد النظر إليها لمرة واحدة.
وقد تمكن في سن الثامنة من بيع لوحاته لرئيس وزراء بريطانيا آنذاك، وأصبح حديث الصحف العالمية، وكتبت عنه أنه صاحب القدرات الخارقة والذاكرة الحديدية، ومن أعماله الخارقة أنه استطاع رسم رسم مفصل لأربعة أميال مربعة من لندن بعد استكشافها في رحلة واحدة من الطائرة، وعاد من الرحلة ليرسم ما رأى من المدينة بأدق التفاصيل.
ورسم أيضاً لوحات بانورامية لمدن عدة منها نيويورك، وطوكيو، والدوحة، والخارق هنا أنه رسم اللوحات في وقت قياسي ومن ذاكرته بعد نظرة واحدة، حصل "ستيفن" على جوائز عديدة، أهمها وسام الإمبراطورية البريطانية، كما شغل منصب سفير الفن للأطفال في بلده.
المعوقات التي يواجهها "ثنائيو الاستثناء"
فقد تبين أن التفسير العلمي كما وضحه لنا "روانكسلي" بدراساته عام 2015، والذي قدم نموذجاً مفاهيمياً لتزامن الإعاقة مع الموهبة، وأشار إلى أنه يوجد مصطلح ظهر في منتصف التسعينيات وهو "ثنائيو الاستثناء"، وهم فئة الطلاب الموهوبين الذين لديهم شكل من أشكال الإعاقة، يعتبر هؤلاء الأطفال استثنائيين بسبب موهبتهم، ومنها المواهب الفكرية، والإبداعية، والحركية، وغيرها، وبسبب وجود إعاقة لديهم كإعاقات اضطراب التعلم المحدد، والاضطرابات النمائية العصبية.
في عام 2010 أوضحت الدكتورة ليندا سيلفرمان مديرة مركز تنمية الموهوبين بأستراليا أنها وجدت أن سدس الأطفال الموهوبين يعانون من إعاقات بسبب الاضطرابات النمائية العصبية، وهنا من المهم أن نذكر أن فئة "ثنائيي الاستثناء" لديهم نقاط قوة تتلخص في أنهم مبدعون للغاية، مبتكرون، واسعو الحيلة، محبون للاستكشاف، لديهم أفكار متطورة، وقدرات عالية في التخيل.
لكنهم يعانون من بعض التحديات، فهم يحبطون بسهولة، وحساسون للنقد، متشبثون برأيهم، غير منظمين أكاديمياً، ولديهم قصور في التفاعل الاجتماعي.
أما في البيئة المدرسية فما زالت المعوقات ضد استثمار مواهبهم وتنميتها قائمة، ونستطيع إجمالها في التالي:
– اقتصار الخدمات المقدمة على علاج نقاط الضعف، وليس الكشف الحقيقي عن نقاط القوة والموهبة واستثمارها.
– المطالبة بأداء أكاديمي حسب متطلبات المرحلة الدراسية، بغض النظر عن قدرة الطفل على الأداء الأكاديمي المناسب أم لا.
– عدم مراعاة الفروق الفردية أثناء التعليم، وردود فعل المحيطين المحبطة مثل (أنت كسول – أنت بطيء – أنت غير قادر على الفهم).
– قلة الاهتمام بمواهب ذوي الإعاقة يؤدي إلى اختفاء خصائص الموهبة لديهم خلف العجز أو الإعاقة الغالبة عليه.
– عدم توفر أدوات تقييم خاصة بمواهب ذوي الإعاقة أو برامج متخصصة بهم لتنمية مواهبهم.
الخاتمة
لذلك لابد أن نقوم بدورنا في الكشف عن هذه الفئة، وإزالة المعوقات والتحديات، واستثمار مواهبهم، وأن تختلف نظرتنا لذوي الإعاقة ونعلم أن إعاقتهم لا تعيقهم عن الإبداع وإظهار القدرات الفائقة والمواهب الخارقة، كما أن الموهبة ليست دليلاً كافياً على الحكم بأن صاحبها لا يعاني من أي اضطرابات أو إعاقات، فقد يظهر أمامنا طفل من فئة "ثنائيي الاستثناء"، ويكون صاحب إعاقة ولديه موهبة فائقة في آنٍ واحد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.