لا تخلو منه وجبات كل المصريين.. كيف بدأ رغيف الخبز المصري، وكيف وصل إلى هذا السعر والحجم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/16 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/16 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
السلع الاستراتيجية والأساسية ‏سوف يصل عددها إلى ما يقرب من 10 إلى 15 سلعة/ رويترز

يمثل الخبز القاسم المشترك بالوجبات الغذائية لدى غالبية المصريين، ولا تخلو وجبتا الإفطار والعشاء منه للجميع، ولذلك سماه المصريون العيش، ولذلك كانت مطالب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 الثلاثة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، ليعبر الخبز أو العيش عن باقي أنواع الغذاء المناسب اللازم للصحة البدنية وللنمو والقدرة على العمل والحياة.

ولهذا كان الخبز سبباً في انتفاضة شعبية عام 1977 عندما رفع الرئيس السادات سعره بضعة مليمات، كما كانت مظاهرات الخبز عام 2008 سبباً في تراجع الرئيس مبارك عن عزمه لتقليص دعم الخبز، كما كان اعتراض المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي سبباً في عدم استطاعة رأس النظام المصري تنفيذ عزمه في أغسطس/آب من العام الماضي على رفع سعر الخبز الموزع عبر البطاقات الذكية، والمستمر منذ عام 2014 وحتى الآن.

ونظراً لضغوط صندوق النقد الدولي لخفض الدعم الغذائي، فقد قام النظام الحالي بخفض وزن الرغيف التمويني عام 2014 من 130 غراماً للرغيف إلى 120 غراماً، ثم إلى 110 غرامات عام 2016، ثم إلى مئة غرام عام 2017، ثم إلى 90 غراماً في أغسطس/آب 2020، وفي العام الحالي تم اللجوء لوسيلة أخرى من خلال زيادة كمية الردة بالرغيف باعتبارها أقل تكلفة لخفض مخصصات دعم الخبز.

وفي مسار موازٍ للخبز البلدي أو الأسمر المحتوي على نسبة أعلى من الردة الموزع غالباً من خلال المخابز التابعة للجهات الرسمية، تم السماح للمخابز الخاصة منذ الثمانينات بالقرن الماضي بإنتاج رغيف بلدي بسعر حر سمته الخبز السياحي، رغم استخدامه من قبل عموم المصريين، وخاصة عمال البناء والورش الحرفية القادمين للعمل بالمدن من الريف، ولا يحملون بطاقات ذكية خاصة بصرف الخبز المدعم، وكذلك الأسر التي ليس لديها بطاقات ذكية للخبز. 

وظل هذا الرغيف المسمى بالسياحي يرتفع سعره كلما زاد سعر القمح عالمياً، خاصة مع تناقص نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح والتي بلغت 41% في عام 2020، ليرتفع ثمنه  من 20 قرشاً عام 2008 إلى 50 قرشاً ثم 75 قرشاً ثم جنيه خلال السنوات التالية، وخلال الأسابيع الأخيرة زاد سعره 150 قرشاً بوزن يتراوح بين 70 و90 غراماً.

رغيف الخبز المصري

انخفاض الوزن  من 203 لأقل من 90 غراماً

وهكذا يكون الرغيف البلدي المصري الذي وصل وزنه إلى 90 غراماً، سواء للخبز المدعم أو غير المدعم في حالة التزام المخبز بالوزن، وهو أمر غير مضمون غالباً، قد مر بسلسلة من الخفض لوزنه خلال العقود الماضية، حيث كان وزنه حسب القرارات الوزارية لوزارة التموين 203 غرامات عام 1945، ثم انخفض إلى 187 غراماً بعد تولي الجيش السلطة عام 1952، واستمرت حكومات الجيش في خفض وزنه إلى 173 غراماً عام 1955، ثم إلى 164 غراماً بالعام التالي، ثم إلى 153 غراماً عام 1965، ثم إلى 145 غراماً بعام 1968 ثم إلى 130 –  135 غراماً عام 1984. 

وجاء ذلك الخفض المتتالي  للوزن رغم الزيادات المستمرة لسعر الرغيف، والتي كانت قد بلغت خمسة مليمات منذ عام 1961 وحتى 1968، ثم أصبح بعشرة مليمات عام 1984 مع إنتاج رغيف أكبر بعشرين مليماً، ثم تم توحيد السعر الأعلى  للحجم الصغير بالعام التالي، وفي عام 1988 وصل السعر إلى خمسة قروش. 

وإلى جانب الخبز البلدي أو الأسمر مستدير الشكل، يوجد الخبز الأبيض المصنوع من دقيق به نسبة أقل من الردة، ويأخذ هذا الرغيف الأبيض أكثر من نوع، أبرزها الخبز الشامي، والخبز الفينو، أو كما يسميه المصريون الخبز الإفرنجي، باعتباره وافداً عليهم من الأجانب الذين كانوا يعيشون بالبلاد قبل عام 1952.

 ولهذا قامت وزارة التموين بوضع مواصفات محددة لتصنيعه وتسعيره، مثلما وضعت مواصفات للخبز البلدي، خاصة نسبة الرطوبة بهما، بحيث يقوم مفتشو الوزارة بالمرور على الأفران البلدية والإفرنجية للتأكد من الالتزام بتلك المواصفات عند التصنيع والتداول. 

وإذا كانت الأفران الإفرنجية تقوم حالياً بتصنيع الخبز الفينو، الذي تستخدمه الأسر في إعداد الساندويتشات المدرسية والجامعية، وكذلك لأرباب الأسر وللأبناء العاملين بالجهات الحكومية والخاصة، وذلك بوزن 40 غراماً بسعر جنيه، وبوزن  50- 55 غراماً بسعر جنيهين، فقد كان وزن ذلك الرغيف الإفرنجي العادي الكبير  حسب قرارات وزارة التموين 262 غراماً بسعر عشرة مليمات عام 1961.

 ثم انخفض وزن الرغيف الفينو إلى 200 غرام عام 1966 بنفس السعر، ثم إلى 185 غراماً عام 1968 وبنفس السعر، ثم إلى 176 غراماً عام 1973 وبنفس السعر، ثم إلى 140 غراماً عام 1984 مع زيادة السعر إلى عشرين مليماً، ثم انخفض الوزن إلى 90 غراماً عام 2003 بسعر مئة مليم للرغيف الفينو.

تراجع طول الفينو من 40 إلى 20 سم

ولم يقتصر التغير على الوزن؛ بل حدث تغير كذلك بطول الرغيف، الذي كان محدداً من 33 إلى 40 سنتيمتراً منذ عام 1961 وحتى 1966، حين نقص طوله مع خفض وزنه إلى ما بين 27 – 35 سنتيمتراً، ثم إلى ما بين 23 – 31 سنتيمتراً عام 1973 مع خفض وزنه، ثم إلى 20 سنتيمتراً عام 2003 . 

وبالطبع يؤثر خفض وزن كل من الرغيف البلدي والإفرنجي على كم السعرات الحرارية التي يحصل عليها المستهلكون للرغيف، والنتيجة إعلان المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بلوغ معدل التقزم بين الأطفال المصريين 22.4% عام 2022، وبلوغ نسبة نقص التغذية بين السكان 5.1% ومعدل الهزال بين الأطفال 5.5%، حيث يمد الخبز البلدي متناوليه بالنشويات كمصدر للطاقة والبروتين والألياف، والزنك والحديد ويحتوي على فيتامين ب1 وفيتامين ب2 . 

وكانت غالبية الأسر المصرية تحرص على تصنيع الخبز بالمنازل، إلا أن ارتفاع أسعار الدقيق وارتفاع أسعار البوتاجاز جعل الأمر مكلفاً، وشجعت وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً من ربات البيوت على تصنيع الخبز الإفرنجي بالبيوت، من خلال عرض طرق التصنيع السهلة له، لكن ارتفاع سعر الدقيق والوقود قلل من انتشار ذلك.

وسعت وزارة التموين مؤخراً لدفع المخابز الخاصة لإنتاج خبز بلدي بوزن 75 غراماً بقيمة جنيه واحد للرغيف، من خلال تسليمها حصة من الدقيق بسعر عشرة آلاف جنيه للطن مقابل بلوغ سعره بالأسواق 14 ألف جنيه، إلا أن هذا الأمر اختياري وليس ملزماً، كما أنه يجعل تلك المخابز مشمولة بالتفتيش الدوري من قبل مفتشي الوزارة.

ووجود غرامة بقيمة عشرة آلاف جنيه عند مخالفة الأسعار والوزن، مما لا يشجع الكثيرين على التعامل مع الوزارة، خاصة مع الإتاوات التي يفرضها بعض هؤلاء عليهم، الأمر الذي يجعلهم يشترون الدقيق بسعر أعلى مقابل حريتهم في التسعير حسب تكلفة المستلزمات، ولذلك يتراوح الوزن العملي حالياً ما بين 68 وحتى 86 غراماً للرغيف. 

ونفس المسعى قامت به وزارة التموين مع أصحاب المخابز الإفرنجية الشهر الماضي بعرض إمدادهم بدقيق فاخر لتصنيع الخبز الفينو بسعر أقل من أسعار السوق، مقابل التزامهم بإنتاج خبر وزن 40 غراماً بسعر 75 قرشاً،  ووزن 60 غراماً بسعر جنيه للرغيف.

لكن هذا العرض كان مقتصراً على عدد محدود من المحافظات، كما ارتبط بخضوع تلك المخابز للتفتيش الدوري من قبل العاملين بالوزارة، ودفع غرامة عشرة آلاف جنيه في حالة مخالفة السعر والوزن؛ ما دعا الكثيرين لعدم الإقبال على عرض الوزارة، الذي يتصورون أنه مؤقت وغير مضمون استمراره. 

خاصة أن تجربتهم مع الحكومة غير إيجابية، حين حددت أسعاراِ إجبارية لكل من الخبز السياحي والفينو في شهر مارس/آذار الماضي، مع إمدادهم بدقيق بسعر أقل من السوق، لكنها لم تقم بتوفير ذلك الدقيق الأقل سعراً، ومع ذلك ألزمتهم بالأوزان والأسعار التي حددتها، والتي يرون أنها غير مجزية مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من دقيق وسكر وسمسم وخميرة وعمالة ووقود.

 ورغم ذلك هددتهم بغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، حسب قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، في حالة عدم الالتزام بالسعر المحدد أو الإعلان عن أسعار الخبز في أماكن ظاهرة لروادها من المشترين، ولهذا يفضل الكثيرون منهم البعد عن الوقوع تحت سلطان الوزارة، التي توفر لعناصر غير منضبطة من المفتشين وسائل ضغط على المخابز يستغلونها لمصالحهم الخاصة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد