المقاومون الجدد في الضفة الغربية.. كيف باتوا معضلة إسرئيل الاستراتيجية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/26 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/26 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من "عرين الأسود" في نابلس/ مواقع التواصل

تتزايد مخاوف القادة العسكريين لدى الاحتلال من انتشار وتسارع وتيرة المقاومة في الضفة الغربية، ويرون أن إسرائيل تقترب بخطوات كبيرة جداً نحو "المعضلة الاستراتيجية" وبداية مرحلة جديدة في الصراع، تتميز بانخراط فئة الشباب غير المؤطر ضمن الفعل المقاوم.

يقول د. ميخائيل ميلشتاين رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز دايان التابع لجامعة تل أبيب: "موجة التصعيد في الضفة الغربية ترفض الانطفاء، وتجسد أن إسرائيل تغرق بالتدريج بفخ استراتيجي. حجم التحديات الناشئة في الساحة الفلسطينية يزداد، عدد البدائل التي أمام إسرائيل يقل، وتلك التي تبقت تتراوح بين السيئة والأسوأ".

هناك الكثير من المؤشرات حول تنامي قدرات المقاومة بالضفة الغربية، أثارت قلق السياسيين والعسكريين لدى الاحتلال، على حد سواء، لا سيما مع تصاعد دور مجموعات عرين الأسود وكتيبة جنين والشباب غير المؤطر، والتي تسارعت وتيرتها بشدة خلال العام الحالي، ويمكن إلقاء الضوء على أبرز تلك المؤشرات على النحو التالي:

مقاومة بمزايا مختلفة: 

يرى عدد من خبراء الاحتلال أن موجة التصعيد الحالية تختلف بمزاياها وبطولها عن تلك التي نشبت حتى اليوم، وعلى رأسها "انتفاضة السكاكين" التي وقعت بقوى متغيرة بين نهاية 2015 وبداية 2016. التصعيد الحالي يعكس مشكلات أساسية عديدة تجسد صعوبة في الحفاظ على الاستقرار النسبي الذي قام على مدى نحو عقد ونصف في الضفة الغربية من خلال الأدوات المعروفة.

الضفة الغربية
صورة أرشيفية للاشتباكات في نابلس / رويترز

ويرى د. ميخائيل ميلشتاين رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز دايان، أن ميزتين أساسيتين هما الأبرز للتصعيد الحالي، الأولى: أن الجيل الفلسطيني الشاب، الذي أسس تشكيلات المقاومة مثل "عرين الأسود" في نابلس أو "عش الدبابير" في "المناطق" هو جيل Z الفلسطيني الذي تشكل بعد عام 2000، ووعيه لم تكوِه صدمات وأحداث الماضي، جيل جديد يدفع بأعمال عسكرية.

الميزة الثانية للجيل الجديد:

 ميزة هذا الجيل الجديد من المقاومين الضعف الوظيفي والفكري المتزايد للسلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن. وينبع هذا الضعف من عدم التقدم في المسيرة السياسية، أو من غياب حوافز اقتصادية، وبقدر أكبر من مزايا الحكم في رام الله: فساد، ومحسوبية، وخرق حقوق إنسان، وتعفن سياسي عميق، وغياب الديمقراطية (منذ 16 سنة لم تجر انتخابات في السلطة). معظم الجمهور الفلسطيني ينفر من قيادة السلطة، والشبان الفلسطينيون يبدون ابتعاداً متزايداً عنها ويظهرون عداءً، سواء تجاه إسرائيل أم تجاه السلطة.

مواقع التواصل الاجتماعي.. ساحة للمقاومة 

مع تصاعد عمليات المقاومة النوعية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، واتساع رقعة المساندة الشعبية لها ولمنفذّيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، زادت مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من تحول تلك العمليات من حالات فردية إلى توجه عام، وانتقال العدوى إلى محافظات ومناطق أكثر، وصعوبة السيطرة على هذه الظاهرة المتواصلة.

بحسب المصادر العبرية، فقد باتت مواقع التواصل مؤشراً خطيراً، فبدلاً من أن تكون للترفيه أصبحت منصات لتشجيع عمليات المقاومة وتمجيد أصحابها، ولم يعد هناك سيطرة على الفئات المشاركة فيها، فهي جديدة على الساحة ويصعب التنبؤ بتفكيرها، مضيفاً أن بعض المحللين الإسرائيليين قالوا إن مخابرات الاحتلال لم تعد قادرة على تحديد الإنذارات الساخنة، في إثر انتشار فكرة المقاومة بشكل منقطع النظير، وتمكّن أفرادها من فرض واقع جديد.

الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" أودي ديكل، يرى أن وجود مجموعات مقاومة نشيطة جداً في الشبكات الاجتماعية، وهي تقوم بحملات بالأساس في "تيك توك"، إلى جانب توثيق مواجهات إطلاق النار ونشر الأفلام في الشبكات في الزمن الحقيقي، وتطلب من الجمهور الفلسطيني التجند للدفاع عن المسجد الأقصى. إضافة إلى ذلك تدعو إلى إضرابات وتظاهرات، على سبيل المثال الدعوة إلى إضراب شامل بعد تنفيذ العملية على حاجز مخيم شعفاط للاجئين، التي جرفت في الشبكات الاجتماعية مئات النشطاء في شرقي القدس إلى أعمال المقاومة في الشوارع، وإلى إضراب معظم الجامعات في مناطق السلطة، والإضراب التجاري في المدن الفلسطينية.

انتقال نماذج نابلس وجنين إلى مواقع أخرى 

انتشار واستنزاف العدو في الضفة من خلاله العمليات المتنوعة والمنتشرة في نقاط مختلفة ممتدة، وتعزيز دور المطاردين وحمايتهم، سيعمل على تقويض القوة العسكرية للعدو عبرَ استنزافِ مقدراتها وتكبدها خسائر مادية وتدمير لمعنويات الجنود من خلال جرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.

لذلك يرى الاحتلال أن الأحداث الجارية تنطوي على إمكانية كامنة لتطور تهديدات استراتيجية إزاء إسرائيل، وعلى رأسها "نسخ" نماذج نابلس وجنين إلى مواقع أخرى، بشكل يضعضع مكانة السلطة المتهالكة أصلاً، ويلزم إسرائيل بالدخول إلى فراغات حكومية تنشأ للقضاء على تهديدات أمنية. 

الجيش والشاباك يواجهان صعوبة في التصدي للمقاوم الجديد 

يواجه الجيش والشاباك صعوبة في التصدي للمقاوم الجديد، وهي تنبع من أنه ليس لهذه الشبكات عنوان واضح: لا مؤسسات، لا منظمات، ولا مطلوبون كبار، وبالتالي جمع المعلومات لإحباط العمليات يصبح مركباً على نحو خاص، وبات نمط العمل وميول العمليات الجديدة في المنطقة أصعب في تصدي جهاز الأمن لها بسبب التحدي الاستخباري الجديد.

الجيش والشاباك قلقان من أن تنتقل هذه الظاهرة من نابلس وجنين إلى مناطق أُخرى في الضفة، وبات يمكن تشخيص مؤشرات أولية في أماكن أخرى. المجموعات الجديدة للمقاومة باعثة على التحدي الشديد لجهاز الأمن، بخلاف المنظمات المؤطرة والمعروفة. على مدى سنوات طويلة يحاول الاحتلال التصدي للمنظمات المؤطرة مثل "حماس" و"الجهاد". فالتوغل الاستخباري، والقدرات التكنولوجية، والأعمال العملياتية في الميدان، واعتقالات المطلوبين المتواصلة منذ سنين كل ليلة، تؤدي إلى أن يحبط الجيش والشاباك مئات العمليات القاسية كل سنة.

لا يسمح النشاط الحثيث للاحتلال حتى الآن لتلك المنظمات بأن تعيد بناء شبكاتها، وقياداتها التي كانت لهم عشية الانطلاق إلى حملة "السور الواقي". مرت أكثر من 20 سنة منذ الحملة ذاتها، ولا تزال المنظمات الكبيرة والمعروفة بعيدة جداً عن امتلاك القدرات العملياتية التي كانت لها في الماضي.

التقدير الأمني الاسرائيلي يرى أنه لا يوجد مضمون عملياتي من خلف الأقوال التي تُسمع هذه الأيام في الساحة السياسية وفي الخطاب الجماهيري عن عملية "سور واقٍ2" كبيرة في ضوء التصعيد الأمني الأخير. 

الارتباك وسوء التقدير وفشل استخلاص النتائج

الإسرائيليون الآن يعتقدون أن المنطقة عموماً والجبهات المتوترة في الضفة وغزة ولبنان وسوريا وإيران، قد تحمل متغيرات جيوسياسية مفاجئة لصانع القرار العسكري الإسرائيلي، ما يجعل الخطط العسكرية الإسرائيلية في حالة تبدل وتغير على مدار الساعة، هذا يجعلها تدخل في حالة سوء التقدير تارةً والارتباك تارةً أخرى، وبالتالي يأتي التطبيق ترجمةً حقيقيةً لسوء التقدير؛ لأن ما يسبق الترجمة الميدانية للسلوك العسكري هو وضع الخطة، وإذا شاب هذه الخطة حالة من الارتباك أو سوء التقدير بالضرورة ينجم عنها إخفاق عسكري وفشل عملياتي، كما أن استمرار المقاومة بالضفة الغربية بأدوات وتكتيكات جديدة وامتدادها لكامل جغرافية الضفة الغربية واستخدامها تكتيكات عسكرية جديدة، سيفرض على الجندي الإسرائيلي ضرورة إيجاد حلول فوريَّة أثناء القتال، وهو ما فشل به في العمليات الأخيرة، وعجزت القوات الاسرائيلية في التعامل معها ميدانياً، وسيتكرر ذلك ما استمر الفعل المقاوم وتطور.

تعقيباً على هذا الفشل يقول أليكس نحومسون، مدير عام أمن إسرائيل وعضو منتدى القادة الوطني، وعضو منتدى الشرق الأوسط، من خلال ما نشر في موضوع العمليات الأخيرة يمكن الاستنتاج أن الروتين شكّل العنصر الأساس لنتيجة فشل القوات بالميدان. فالعدو الأكبر للجيش في ساحة القتال هو الروتين. يخلق الروتين عدم اكتراث، ويخدّر. 

الجيل الفلسطيني الجديد لا ينتظر أحداً، ويصنع تاريخه بطريقته، فنموذج الشهيد إبراهيم النابلسي الذي كان آخر ما أوصى به أن "لا تتركوا البندقية"، ونموذج عدي التميمي الذي ختم وصيته بـ"أعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها، واضعاً هدفاً أساسياً أن ثمرة العملية مئات من الشباب يحملون البندقية من بعدي". هي نماذج بطولية يصنعها مقاومون يتحولون اليوم لأيقونات ورموز للمقاومة والتمرد والثورة ورفض الموجود، وهذا ما تحدث عنه الاحتلال الإسرائيلي في وسائل إعلامه من أن المقاوم الجديد؛ هو صناعة للبطولة العابرة للتنظيمات التي تفرض نفسها، والتي يتم تقليدها وانتشارها، ما يشكل معضلة استراتيجية للاحتلال، وبداية مرحلة جديدة في الصراع، تتميز بانخراط فئة الشباب غير المؤطر ضمن الفعل المقاوم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رامي أبو زبيدة
باحث بالشأن العسكري
رامي أبوزبيدة، حاصل على ماجستير في إدارة الحرب واستراتيجية الأنفاق، كاتب ومحلل عسكري لدى عدد من الصحف والمواقع والقنوات الفضائية العربية والفلسطينية
تحميل المزيد