طعام موحد للطلاب ولا أزياء مدرسية مفروضة.. هل بات التعليم في أوروبا أرخص من مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/27 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/27 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش

أتعجب كثيراً حين أرى على وسائل التواصل الاجتماعي ما يتداوله الناس في مصر عن متطلبات المدارس، والتي لا تتناسب مطلقاً مع متوسط الدخول في مصر.

وبدلاً من أن يفرح الآباء بأن أبناءهم قد كبروا عاماً دراسياً يحملون همّ توفير تلك الطلبات المبالغ بها. فلماذا يُطلب من الأطفال أدوات بعلامات تجارية عالمية محددة وتعد من أغلى العلامات في العالم وليس في مصر فقط؟ ولماذا يضطر الوالدان لدفع تلك الأموال في مواد مستهلكة كأقلام وأوراق بدلاً من أن يدفعوا تلك الأموال في أشياء أكثر فائدة لأولادهم؟ 

مررت بتجربتين بين دولتين أوروبيتين رأيت فيهما كيف يستقبل الناس العام الدراسي الجديد، دون تبذير ولا تفاخر.

في ألمانيا، يشتري كل طفل حقيبة مدرسية في بداية عامه الأول الابتدائي مع قائمة متطلبات المدرسة من أقلام وأدوات مكتبية. وتستخدم تلك الحقيبة حتى انتهاء المرحلة الابتدائية طالما ظلت سليمة، أما بالنسبة للأدوات ففي السنوات اللاحقة وحتى انتهاء المدرسة في الصف الرابع نعوض الناقص والتالف فقط، حتى ملفات الأوراق يعاد استخدامها عاما بعد عام حتى تقطع.

الأمر نفسه بالنسبة للصفوف اللاحقة. أما الكتب المدرسية فتوفرها المدرسة دون مقابل لجميع الطلاب حتى الصف الرابع الابتدائي وبعد ذلك من صفوف يستعير الطلاب الكتب من مكتبة المدرسة ثم يعيدونها مرة أخرى في نهاية العام ليستخدمها الطلاب الأصغر سناً، وبذلك لا تهدر الكتب ويتعلم الأولاد كيف يحافظون على الأشياء، ويدركون قيمتها. 

أما في فرنسا، فيشتري الجميع حقائب جديدة كل عام، ولكن ليست باهظة الثمن، ويحصلون على قائمة طلبات متواضعة في متناول الجميع، والأهم من ذلك أن كل طالب بداية من الصف الأول الابتدائي مهما كان دخل أهله عالياً أو منخفضاً يحصل على منحة مالية للاستعداد للدراسة. 

الزي المدرسي:

كان للزي المدرسي هدف واحد قديماً وهو ألا يتميز طفل على الآخر بزي يظهر الفارق المادي أو الاجتماعي بين طبقات المجتمع، وأن يشعر الجميع بالمساواة. وبينما نحن كأمهات نفضل الزي المدرسي؛ لأنه يجنبنا حيرة كل صباح مع أولادنا ماذا سأرتدي اليوم؟ لقد ارتديت هذا القميص أمس لا أستطيع ارتداءه اليوم. صار الزي المدرسي عبئاً على الآباء عندما قررت المدارس التعاقد مع مصانع معينة لإنتاج هذا الزي. في ألمانيا وفرنسا لا يوجد زي مدرسي، يستطيع الطفل الذهاب إلى المدرسة بأي زي المهم أن يكون نظيفاً ومناسباً للطقس. 

في أوروبا أيضاً يدرس معظم الطلاب في المدارس العامة، ولا يوجد إقبال على المدارس الخاصة، الدراسة في المدارس العامة مجانية وبالطبع يتم تمويلها من الضرائب التي ندفعها كل عام، وبالتالي تتساوى فرص الدراسة للجميع. 

وجبة الغداء 

عندما أتصفح المواقع الاجتماعية أندهش من الاهتمام المبالغ فيه بما يسمى اللانش بوكس، أندهش من المبالغة في طهي وإعداد ما لذ وطاب من الأطعمة، ومشاركة تلك الأطعمة كإنجاز على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاخر الأطفال فيما بينهم بما يحتويه هذا الصندوق السحري.

 أعد لأبنائي كل صباح وجبة الفطور وما يهمني هو أن تكون صحية ومشبعة لهم، لست أنا وحدي بل كل من أعرفهم من الأمهات يعدون الطعام بنفس الطريقة، بعض من الفواكه والخبز وقطع الجبن وماء. في ألمانيا مثلاً غير مسموح بإحضار الحلوى أو العصائر غير الطبيعية فضلاً عن المياه الغازية إلى المدرسة. بينما وجبة الغداء في مطعم المدرسة هي وجبة موحدة للجميع تدعمها الدولة حسب دخل الوالدين. لكن يجلس الجميع على نفس الطاولة ويتناولون نفس الطعام دون مفاخرة أو مبالغة، وعندما ينتهون من طعامهم ينظفون المكان. الشيء نفسه في فرنسا باستثناء أنه يمنع إحضار وجبة الفطور أو أي أطعمة إلى المدرسة من البيت صباحاً. 

من الأشياء المختلفة أيضاً بين بلادنا العربية وبعض دول أوروبا أنه لا توجد حافلة مدرسية لتوصيل الأولاد من البيت إلى المدرسة، أيضاً بدأت بعض المدارس منع إحضار الآباء أولادهم إلى المدرسة بالسيارة وذلك لتجنب الزحام صباحاً وأيضاً تلبية لدعوات الحفاظ على البيئة، وبدلاً عن ذلك يوزع الطلاب على المدارس الأقرب لمحل سكنهم، فيذهب معظم الأطفال مشياً على الأقدام أو بالدراجة وقليل منهم يضطر لاستخدام وسائل المواصلات في المرحلة الابتدائية بينما يعتمد معظم الطلاب بداية من المرحلة المتوسطة على المواصلات العامة والدراجات. يتلقى أيضاً الطلاب في الصفين الأول والثاني الابتدائي دورات بالتنسيق مع شرطة المرور عن آداب الطريق وكيفية عبور الطريق واحترام الإشارات. بينما يبدأون دروسا في الصف الثالث والرابع الابتدائي عن كيفية استخدام الدراجة وتعلم إشارات الطريق وتنتهي الدورة بحصولهم على رخصة رمزية لاستخدام الدراجة.

يبدو واضحاً الفرق بين مصر ودول أوروبا فبينما يملك الناس في أوروبا الإمكانيات المادية والدخول العالية مقارنة بمصر التي تمكنهم من تربية أطفال مستهلكين، نرى أن تعليم الطفل التوفير وإدراك قيمة الأشياء التي يمتلكونها هدف. 

ويكون التركيز على الدراسة والتقدم فيها. أما في مصر فيرهق الآباء مادياً ونفسياً من أجل مظاهر لا تؤثر في جوهر العملية التعليمية بل تؤثر سلباً عليها، والتي تحتاج إلى ثورة مجتمعية لوقف استنزاف طاقة الآباء المادية والنفسية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد