يلعب بقدمٍ مصابةٍ بمرض مزمن! رافاييل نادال.. هكذا يصنع البطل أسطورته منفرداً

عدد القراءات
553
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/08 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/08 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
رافايلل نادال/ رويترز

قد يرى البعض تضييع عدد ساعات كبير في مباراة للتنس لها موعد للبدء وبلا موعد للنهاية شيئاً مملاً، فمباراة تنس قد تستمر لخمس أو ست ساعات تتغير نتيجتها بشكل بطيء وتؤثر فيها النقاط بشكلٍ طفيف هو أمرٌ لا يتحمله الجميع، ولكن أياً كان صفك بين عشاق الكرة الصفراء أو بين الكارهين لها فلا بد أن تأخذ رأياً محايداً أمام "الماتادور" الإسباني رافاييل نادال.

ولنجعل الأمر بسيطاً على عشاق الكرات الأخرى بأنواعها. فإذا اعتبرنا أن كرة القدم ستبكي لاعتزال ميسي وستُترك كرة السلة دقيقة حدادٍ بعد اعتزال ليبرون جيمس، فإن التفكير في ترك رافا المضرب هو أشبه بشهادة وفاة لنسبة كبيرة من مشاهدي كرة التنس.

المنافسة والمقارنات في كرة التنس تشبه كرة القدم ولكن بشكلٍ أكثر شراسة؛ نظراً لأنها رياضة فردية في المقام الأول فبين مقارنات ميسي ورونالدو ونادال وفيدرر تشابهات كثيرة، لكن عند اقتراب الرحيل ترحل المسافات بين المتنافسين ويصيب الذعر قلوب الجماهير بكافة طوائفها. رافاييل نادال البالغ من العمر 36 عاماً استطاع تحقيق لقب الرولان جاروس لهذا العام وهو أحد الألقاب الأربعة الكبرى في التنس.

وبهذا الفوز استطاع نادال زيادة غلًته في عدد من الأرقام القياسية بينها أنه أصبح الأكثر فوزاً بالبطولات الأربع الكبرى "الجراند سلام" برصيد اثنين وعشرين لقباً مبتعداً عن منافسيه المعتادين الصربي دجوكوفيتش والسويسري روجر فيدرر بلقبين واستطاع الجمع بين بطولة أستراليا المفتوحة والرولان جاروس في أول مرة في مسيرته.

ولكن الرقم المفضل لنادال شخصياً هو استطاعته تحقيق 14 لقب "رولان جاروس" من أصل 14 نهائياً خاضه في نفس البطولة بنسبة نجاح 100% أكثر حاصل على البطولة في التاريخ وأصبح أكبر لاعب في التاريخ يفوز بالبطولة بعمر 36 عاماً ويومين، فـ"ملك الملاعب الترابية" عبر عن ذلك في لقائه الأخير: "ربما يتمكن أحد ما من كسر حاجز الـ22 بطولة أنا أعتبر نفسي شخصاً عادياً وإذا فعلتها أنا يمكن لأي أحد فعلها، فإن حصل نوفاك على 23 وظللت أنا عند 22 لن أكون حزيناً ولن تقل سعادتي واحداً بالمئة ولكن 14 لقباً في رولان جاروس شيء صعب للغاية".

رافاييل نادال.. الوجه الآخر للبطولة

كانت فترة "وباء الكورونا" فترة صعبة ذهبت ولكنها تركت أثراً صعباً على الجميع، فلم يسلم أحد نفسياً أو بدنياً من تلك الفترة كذلك رافاييل نادال الذي أثرت عليه تلك الفترة وزادت عليه الإصابة القديمة التي لطالما رافقته منذ أن اكتشفها في بداية مسيرته الاحترافية عام 2005 وهو بعمر الـ18 عاماً في قدمه اليسرى ويعاني فيها من مرض يسمى "متلازمة مولر فايس" الذي يؤثر على الجزء الأوسط من العظام ويعد التهاباً مزمناً لا يعالج نهائياً إلا بتدخلٍ جراحي سينهي مسيرة أحد أفضل حاملي المضرب في التاريخ، فنادال لا يعاني من إصابة وإنما يلعب بإصابة مزمنة لا علاج لها إلا بعض المسكنات والـ"كورتيزون" لتقليل الالتهابات والآلام.

ولكنه يحمل أيضاً في دمه مناعة خاصة تسمى متلازمة رافاييل نادال، وهي ما سيتم تدوينها في كتب الطب قريباً للأشخاص "الاستثنائيين" الخارقين للعادة الذين يحاربون جسدهم ويكون هو عدوهم الأول قبل منافسيهم في الملاعب.

رافا منذ ولادته وممارسته للكرة الصفراء تعرض لأكثر من خمس عشرة إصابة في جميع أنحاء جسده، وفي كل مرة يصاب نادال يعود لمنصات التتويج مباشرة ويستكمل ما بدأه ولا يعود لنقطة الصفر أبداً، فهو لطالما اعتاد الكسور ولطالما كان جسده مريضاً ولكن كان نموذجاً لكسر التوقعات، فطالما توقع الجميع نهايته بعد كل بطولة يخوضها ويخرج منها مصاباً ولكن يعود ويفوز بالتي تليها، وآخرها في بطولة رولان جاروس؛ حيث نشرت صحيفة الماركا وعدد من المحللين والصحفيين تقارير تشير إلى أنه سيعتزل بعد تلك البطولة وينهي مسيرته بعد هزيمته في بطولة روما في الشهر الماضي بسبب الإصابة.

ولكن كان رده قاسياً بفوزٍ بثلاث مجموعات لصفر في المباراة النهائية وحصوله على اللقب وتصريحاتٍ بعدها هزت الإعلام عندما أكد أنه سيقاتل وسيستمر على الرغم من صعوبة التدريبات وعدم قدرته على التدريب دون تناول المسكنات، وأنه كان دائماً يرغب في الاستمرار في اللعب وهذا ما يعده السبب الأول في مكانته الحالية.

ولكن أيضاً أثار نادال القلق في قلوب الجميع عندما أكد أنه لا يعرف ما هو القادم، مشيراً إلى احتمالية عدم وجود حلٍ لإصابته وألا تتحسن الأمور في الفترة القادمة وأنه لن يستطيع مقاومة الألم كثيراً والتعامل معه، ولكن ختم ذلك بأنه لا يعرف ما سيحدث في الفترات القادمة.

نادال الذي وجد حلاً في البطولة الماضية ليستطيع اللعب وهو التعرض لتخدير الأعصاب التي تغذي القدم لتسكين آلامه أثناء اللعب، وأصبح أكثر من فاز بالبطولات على الملاعب الترابية برصيد 63 لقباً وبفارقٍ يزيد على 14 بطولة عن أقرب منافسيه.

ولا يوجد تعبير عن ذلك أفضل مما عبر عنه المدرب الإسباني بيب جوارديولا في حوار صحفي؛ حيث أكد على فكرة أنه أفضل رياضي في تاريخ إسبانيا، وأن الأمر لا يخضع لأي شكوكٍ أو مناقشات.

رافا المقاتل الترابي الذي خَلق من رحم المعاناة والإصابات نجاحاً شهد عليه الجميع وأقره منافسوه قبل محبيه، الأرمادا أصبح أيقونة في الرياضة بشكل عام وليس التنس فحسب، فمن لم يسمع بلقب ملك التراب ومن لم يسمع عن إرساله الصاروخي بيده اليسرى؟ ومن لم يسمع عن مجازفته الدائمة واللعب تحت الإصابة ليثبت لنفسه وللجميع أنه المقاتل الأشرس في تاريخ الرياضات غير العنيفة؟

بطلٌ من الروايات والأساطير يلعب دون الإحساس بقدمه لأربع وخمس ساعات تحت تأثير المسكنات وهو التأثير الذي لن يُمكن الشخص العادي من المشي على قدميه بسلاسة ولكن معه الأمر خارجٍ عن حدود العادة والطبيعي. ومهما تنبأ العرافون بالسوء له ومهما ظن الصحفيون أنها النهاية سيظل يمحي تاريخ الجميع ويكتب تاريخاً جديداً خاصاً به يضع به معايير جديدةً للمنافسة تكتب باسمه للأبد هازماً بقسوة منافسيه جميعاً لاعبين كانوا أو أوتاراً في الركبة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

معاذ رمزي
كاتب محتوى رياضي
طالب مصري أدرس في كلية إدارة الأعمال - جامعة سلجوق- تركيا. معد برامج رياضية، وأكتب مقالات عن كرة القدم، ومهتم بالكتابة في الشأن الرياضي منذ 2017
تحميل المزيد