“أنا كالقيامة ذات يوم آتٍ”.. شيرين أبو عاقلة ونهاية إسرائيل!

عدد القراءات
1,384
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/15 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/15 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
الإعلامية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة/مواقع التواصل

بنبرة صوتها ترددت الكلمات في أذني ومِن حولي، ساعة قراءتي الخبر الذي لم أشأ أن أصدِّقه.. فلا أخفي عليكم حديثاً أني فتحت الجوال وعلى موقع "عربي بوست" لأفاجأ بخبر اغتيال شيرين.

لم أصدِّق الخبر وقلت: "أيُعقل أنها ماتت؟!"، ثم أغلقت الهاتف دون أن أبحث أكثر. لا أعرف أيَّ شعور دفعني لكيلا أسترسل في قراءة الخبر، هي فقط نظرة إلى صورتها والكلمات المكتوبة بخط عريض، وفقط.

وضعت رأسي على الوسادة مجدداً وفي ذهني تلاطمت أمواج الأفكار وفي نفسي توقدت نار الغضب، فلم يكن من تعبير أكثر من أني رفضت البحث أكثر في الموضوع، كأني أعطي لشيرين فرصة تكذيب الخبر أو للأطباء جرعة أمل في إنقاذها، لكن هيهات هيهات، فأي فرصة مع عدو غاشم، وأي أمل ينبت في صحراء الاحتلال الإسرائيلي؟

كم أودُّ لو حدَّثتكم أكثر عما شعرت به؛ وكم أحببت لو أني سجلت تلك اللحظات التي قابلت بها الخبر، فلِساعة لم أستطع تفسير رد فعلي هذا، مع أني أذكر جيداً أني وددت لو أني أغلقت عينيَّ وفتحتهما فما وجدت هذا الخبر أمامي، كان هذا شعوري، وكانت رغبتي في أن لا تكون شيرين ميتة، شديدةً إلى الحد الذي يُتخيل معه أن شيرين أحد معارفي المقربين، وهي في الحقيقة كذلك.

– شيرين..صوت القضية

إذا كنا قد ترعرعنا على صوت الشيخ أحمد ياسين وكلمات غسان وقصة ناجب العلي وصور ياسر عرفات، وتكبيرات أطفال الحجارة ومشهد الدُّرَّة، فإن صوت شيرين كان- وما زال- جزءاً من قصة تعلُّقنا بقضية فلسطين.

رافقتنا شيرين بتغطيتها الحصرية في المخيمات وداخل أراضي الضفة وعند الحرب على غزة، فقد كانت قريبة من الأحداث دائماً، حيثما كان جنود الاحتلال كانت توجد لتوثق جرائمهم وتُشهد الناس على جبروتهم وإرهابهم.

إن كنا تعلَّقنا بشيرين أبو عاقلة وشهدنا بمهنيتها وتضحيتها في سبيل قضية وطنها؛ فلا بد أن الإسرائيلي قد خطط منذ سنوات لاغتيالها ولم يُوقفه إلا تدبير ما، فعلى عادته يترصد لكل صوت يُعلي القضية الفلسطينية، وهكذا وجدناه يغتال "ناجي العلي" برصاصة في الرأس، ويسرق كتب الدكتور "جمال حمدان" ويغتاله داخل منزله بعد أن أضرم النار فيه، وشهد العالم كله كيف اغتلت أيديه محمد الدرة وهو في حضنه أبيه.

شيرين مثَّلت صوت القضية الذي يزعج الاحتلال ويقضُّ مضجعه؛ فكان أن خطط لاغتيالها واستغلال انشغال العالم بحرب أوكرانيا وكذلك تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية، فكان القرار بأن تُغتال شيرين اليوم كما اغتيل قبلها المئات.

– لماذا شيرين بالتحديد؟

كما أشرنا، تمثل شيرين أبو عاقلة إحدى أيقونات القضية الفلسطينية، فصوتها وإن لم ترَ صورتها يضعك لزاماً داخل الأقصى في باحاته، بين حدود غزة وعند جنين، فهي ظاهرة في أتم معنى للكلمة؛ لقد تجاوزت كونها صحفية تعمل في قناة إخبارية، وباتت ظاهرة ولا أبالغ إن قلت إنها اليوم أصبحت أيقونة القضية في العالم.

ليس الحدث إذن اغتيال صحفية، وليس الاغتيال يتنافى والقوانين الدولية، فالكيان الصهيوني وجوده في حد ذاته يتنافى والقوانين الدولية، لهذا لا يقيم أي اعتبار لها ويرفسها كما ترفس الحمير بعضها بعضاً؛ فالذي وضع القوانين يدافع عن إرهاب الاحتلال فكيف يُتوقَّع أن يحترم الإسرائيلي المواثيق الدولية؟!

يتجاوز الحدث اغتيال شخصية ما، إن اغتيال شيرين في هذا الوقت بالذات لهو خطوة نحو الأمام لمخطط طويل الأمد يفضي في نهاية المطاف إلى محو تاريخ فلسطين وإحلال التاريخ الصهيوني محله، ومن أهم وسائل تطبيقه اغتيال كل أيقونات القضية الفلسطينية حتى يأتي اليوم الذي تصبح فيه فلسطين بلا شواهد، وهكذا تخلو الساحة للاحتلال لفعل ما يشاء بإخواننا.

منذ إنشائها من طرف الغرب يحاول الاحتلال محو التاريخ الفلسطيني وتزييف التاريخ من أجل خدمة مشروعها الاستيطاني، فتارةً تحاول صناعة دولة داود بالمنطقة وتارةً أخرى تربط بين وعود توراتية وأرض فلسطين، وهكذا تخلق تاريخاً يبرر إبادتها للفلسطينيين وزحفها على تاريخ الأرض المقدسة.

يوم تشييع جنازتها شهد العالم مدى قذارة ودناءة الاحتلال الإسرائيلي فكادوا يُسقطون نعشها أكثر من مرة، ورفضوا رفع الأعلام الفلسطينية وواجهوا المشيعين بالضرب والسحل، وهذا حتى يتأكد الكل أن هؤلاء لا يستحون وليست فيهم ذرة إنسانية، ومشروعهم ليس ضد فلسطين بل ضد كل إنسان.

لم يحترموا جلال الموت وهيبته، وخافوا أن تصبح جنازتها تاريخاً يُحتفى به فأبوا إلا أن يفسدوها، وهذا لأنهم بلا تاريخ ويخافون التاريخ.

شيرين إذن تمثل القضية، وهؤلاء يحاولون طمس معالمها، لكن أنى لهم ذلك؟ فاليوم الذي يلج فيه الجمل في سَم الخياط آنذاك فليحلموا وقتها بطمس التاريخ الفلسطيني.

– جدال عقيم

ككل مرة يثار جدال ليس ينفع القضية الإسلامية في شيء ولا أراه إلا يزيدنا تفرقة، فمع خبر اغتيال شيرين، انفجر نقاش حاد على وسائل التواصل الاجتماعي وتقاذف القوم السباب واللعن.

وعوض التركيز على جوهر القضية أخذوا يتناقشون في قشورها، وحتى لو صح قول أحد الفريقين فإني أرى أنه ليس وقته، ودينها يوضع جانباً الآن، ولنركز على الجريمة ولا نسمح بتحوير النقاش.

فمع انخفاض منسوب دعمنا للقضية الفلسطينية وهو أمر متفق عليه ولا جدال فيه، والدليل أنه لم تخرج مظاهرات شعبية تندد بالفعل الإجرامي، اللهم بعض الوقفات المحتشمة هنا وهناك، كان أغلب أعضائها صحفيين عبروا عن غضبهم، خاصةً أن الفعل الإجرامي يتنافى -كما أشرنا- والمواثيق الدولية.

فيما مضى، خرجنا بالآلاف عند أي حدث مس القضية الفلسطينية، ما زلت أتذكر يوم خرجنا ضد مقتل محمد الدرة وأحمد ياسين، وهتفنا ونحن ما زلنا صغاراً: "لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله".

كما خرجنا عن بكرة أبينا وملأنا الشوارع بلباسنا المدرسي ونحن نصرخ: "لا قرايا.. لا امتحان.. حتى يسقط الأمريكان".

كنا أحياء فصرنا أمواتاً، وكنا على قلب رجل واحد فصرنا أحزاباً وجماعات، وجمعتنا القضايا الإسلامية والعربية وفرَّقتنا النوادي الكروية، فكيف كنا وكيف أمسينا!

لا يجب علينا أن نميّع النقاش، فلنمسك بتلابيبه ولنفضح جرائم المحتل؛ ولننشر ذكرى شيرين فقط، ففي النهاية كانت واحدة منا، ولم يحدث أن صدر منها ما يؤذينا، فلهذا يجب أن نحفظ ذكراها ونحاول قدر الإمكان ألا نمعن في أذيتها حتى بعد موتها؛ احتراماً لها ولأسرتها.

وإن كان هناك نقاش فلندعه إلى يوم آخر؛ حتى لا تختلط علينا الأوراق وحتى لا نتفرق في الوقت الذي يجب فيه أن نتحد ونقف وقفة رجل واحد في وجه المحتل، ففي وحدتنا ضعفُه وفي تفرُّقنا قُوّته، فهو ليس كما يصور لنا، إنما هو أجبن خلق الله، ولولا المساعدات الأمريكية والغربية ما لبث يوماً فوق أرض فلسطين، ويوم ندرك مصدر قوته الوهمية ونفهم أنها في تفرقنا، ساعتها يختفي الاحتلال الإسرائيلي؛ فهو في النهاية لا شيء سوى أكذوبة.

– نهاية لا بد منها

ليس موت شيرين بنهاية القصة، ولا يعتقد أحد أن اغتيال كل الفلسطينيين سينهي القضية، فليغتالوا ما شاؤوا؛ ففي ساعة يولد ألف ألف فلسطيني في مشارق الأرض ومغاربها، ووقت أن يأتي اليوم الذي لن يدافع فيه الفلسطيني عن أرضه؛ سيجد من لا يعرفه يدافع عنها بدلاً عنه، ففي النهاية ستنكشف الخدعة ويأتي اليوم الذي يزول فيه هذا الاحتلال الذي يُسمى إسرائيل!.

أختم بهذه الأبيات:

"أتظن أنك عندما أحرقتنــي ورقصت كالشيطان فوق رفاتي..

وتركتني للذاريات تـذرنــي كحلاً لِعَين الشمس في الفَلَـواتِ..

أتظـن أنك قـد طــمست هويتي ومحوت تاريخي ومعتقـداتي..

عبثاً تحاول؛

لا فنـــاء لثائر أنا كالقيامـــة ذات يـــــوم آتِ"

مذهل الصقور

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد