لكل منا طريقته الخاصة في التفكير والعيش في هذه الحياة، ولكل منا أمور يحلم بها أو يطمح لتحقيقها، وأيضاً لكل منا موهبة يمتلكها ولديه اهتمام بها.
امتلاك الشخص لموهبة ما أمر فطري، لكن شغف الشخص بموهبته والاجتهاد في تطويرها أو الوصول بها للقمم فهذا أمر تتحكم فيه إرادته، ومدى حبه لما يُبدع فيه.
هناك مواهب كثيرة نشاهدها في حياتنا اليومية قد يعجبنا بعضها، وقد لا يعجبنا، لكنها تبقى مواهب، وما نستشعره تجاهها مجرد إحساس نابع من ذوقنا؛ لذا ليس بالضرورة أن يكون رأينا في مواهب غيرنا صحيحاً، وأيضاً من العيب أن نهمّش مواهب غيرنا، خاصة أنهم يجتهدون في تحسينها، ويعملون كل ما بوسعهم لمحاولة إيصالها للعُلا، بل علينا تشجيع الموهوبين وانتقادهم بلباقة لتحفيزهم للأحسن والأروع.
في كل منطقة على وجه هذا الكون توجد عدة مواهب، هناك مَن وجد طريقاً للنجاح والشهرة بها، وهناك مَن يكسب قُوتَه بها، وهناك مَن يؤنس وحدته ويملأ فراغه بها، ولم يجد بعد وسيلة لإبرازها أو طريقة للاستفادة منها، ففي داخل كل موهوب أحلام يريد تحقيقها انطلاقاً من موهبته، ونجاح الشخص في تحقيق طموحاته انطلاقاً من موهبته في عصرنا أمر مرتبط بثقة الشخص بنفسه وحبه لموهبته، وبالوسط الذي يعيش به أيضاً، وربما نستغرب ارتباط نجاح الموهبة بالوسط الذي نعيشه، لكن أصبح هذا في أيامنا من بين أسباب النجاح؛ لأنه بكل بساطة "وسط لا يهتم لموهبة ما أو لمواهب الناس لن يساعد إلا على إفشالها أو تحطيمها"؛ لذلك على بعض الموهوبين أن يحاولوا نشر ومشاركة إبداعاتهم ومواهبهم في عدة مناطق وأماكن، خاصة إن لم يجدوا اهتماماً بها في الوسط الذي يعيشونه.
قد يرى الفرد أحياناً أن موهبته سخيفة، أو يسأل شخصاً ما عن رأيه في موهبته، وبعد أن يستخفّ بها ينساها ولا يهتم بها، وهذا خطأ كبير يرتكبه العديدون في حق أنفسهم؛ لأنه في حقيقة الأمر كل المواهب في بدايتها عبارة عن أمور بسيطة، وعندما نحاول تطويرها نقع في عدة أخطاء وقد نفشل عدة مرات، إلى أن نبرع فيها؛ لذلك علينا الحكم على ما نُبدع فيه بعد عملية تطويره وترقيته وليس مع بدايته.
المواهب كما قلت سابقاً هي للبعض مصدر قُوت، وللبعض كانت انطلاقة لثروة كبيرة، وللبعض كانت إنقاذاً من الفقر والجوع، وهذا هو الأمر المميز في الموهبة أنها قد تكون سبباً لنجاة عند الشدائد، وعلينا دائماً عدم الاستخفاف بمواهبنا، وأن نزاولها في أوقات الفراغ حتى وإن كنا غير محتاجين لها، فمن يدري ربما يأتي يوم يجعلنا نحتاج لها أو تكون مصدر قوت لنا.
المواهب كثيرة، هناك مَن يبرع في الرسم، وهناك مَن يبرع في الزخرفة، وهناك مَن يبرع في العزف، وهناك مَن يبرع في الغناء، وهناك مَن يبرع في مواهب أخرى، ليس مهماً أن نبرع في جميع الأمور، وإنما المهم أن تكون لدينا موهبة نحبها ونبرع فيها، وليس مهماً أيضاً أن نستفيد من مواهبنا مادياً، وإنما المهم ألا نتخلى عنها، وأن نجتهد لتطويرها.
وبما أننا مختلفون فنحن خُلقنا للاختلاف، ومن المستحيل أن يشبه أحدنا الآخر، من البديهي أن ما يبرع فيه شخص ما قد لا يستطيع غيره فعله؛ لهذا على الفرد أن يبحث عن مواهبه الخاصة المدفونة في داخله، وأن يبتعد عن محاولة تقليد غيره أو البحث عن مواهب غيره دون أن يهتم بما يملكه هو.
لا يوجد ضرر في توسيع المعارف أو الاهتمام بإبداعات ومواهب غيرنا، بل هذا أمر جيد سيساعدنا على تجديد أفكارنا وتحسينها، لكن ليس من الجيد أن نصبّ كل اهتمامنا فيما يبرع فيه غيرنا وننسى مواهبنا.
على الفرد أن يثق بنفسه، وأن يقدس ما يملكه، ثم عليه أن يجتهد لكي ينجح، الجميع يبدأون طريقهم نحو النجاح من نقطة الصفر، الإرادة والمثابرة توصلان الناجح إلى النجاح.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.