ورَّط السودانيين في كارثة اقتصادية وقاد الانقلابيين لرحلة تسوُّل إلى روسيا.. عرَّاب الانقلاب جبريل إبراهيم

تم النشر: 2022/03/23 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/23 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني جبريل إبراهيم

رحلة التسول إلى روسيا التي تمت في شهر مارس/آذار 2022، هي في الغالب فكرة جبريل إبراهيم بعد أن هيأ لها الكفيل الإقليمي للانقلابيين المشهد كما فعل من قبل في رحلة حميدتي لإثيوبيا، لكن المشهد الحالي يوحي بأن جبريل إبراهيم هو من يقود الركب حالياً باسم الحكومة، آخذاً معه جميع من يسمون بالوزراء في غياب رئيس الوزراء، ومعظمهم يأتمرون بأمره وينفذون رؤيته، خصوصاً ثلة الوزراء التي أخذها معه لموسكو. 

جبريل إبراهيم يعتبر الآن عراب هذا الانقلاب، وهو يلعب بالكامل لصالح ورقة لاستدامة هذا الانقلاب الفاشل وتحويله إلى ديكتاتورية عسكرية مزيّنة بإجراءات صورية تزيد ولا تقلل من نفوذه. 

هو غالباً من أقنع حميدتي- وليس البرهان رجل مصر- بأنه لن يجد قبولاً من الغرب ومصر ولذا عليه بروسيا فإنها بكل تأكيد حسب رؤية جبريل، ستقدم له الدعم ليحقق حلمه بأن يكون رئيساً، وهو المشروع الذي تدل كل الشواهد على أن الكفيل له اليد الطولى فيه.

حميدتي وجبريل وشلة العسكر من لجنة البشير الأمنية والعديد من القيادات العسكرية والميليشيات الموالين لهم، يبحثون الآن عن دعم من أي جهة، وغالباً هم لا يمانعون في مشهد مماثل لسيناريو سوريا، مستخدمين الروس كحليف رئيس يساعدهم في إخماد أصوات الشعب الرافضة لانقلابهم ويمهد لهم مخرجاً.

التحدي الأكبر لديهم الآن عجزهم المستمر عن إدارة الدولة وتوفير أبسط احتياجات الناس، خصوصاً أن مشهد الانهيار الاقتصادي أصبح جلياً، في ظل الفشل الذريع لكل مقومات الدولة الاقتصادية من زراعة وتصدير ومشاريع تنموية، وجبريل إبراهيم يلعب دوراً أساسياً في هذه المحصلة.

الروس بالطبع يجيدون دعم الديكتاتوريات التي تهدم المدن والقرى ببراميل اللهب والنار ومنظومة القصف العشوائي، ولا يمانعون في دعم حميدتي لبناء دولة الجهوية والقبلية والميليشيات إن أصبحت خياره الأوحد لتولي سدة الحكم، خصوصاً أنه وميليشياته يلعبون دوراً في الشراكة مع الروس بهذا الصدد ويستخدمون شركاتهم الأمنية. بالطبع هذا السيناريو إن حدث فسيُفقد الجيش السوداني جل سلطاته وضمنها مؤسساته الاقتصادية التي يقاتل من أجلها حالياً، مفترضاً أنها ملكية خاصة له ويجب أن لا تتاح للدولة (أو المدنيين).

جبريل وحميدتي ورهطه يظنون أنهم أذكياء وأن روسيا الآن في أشد الحاجة لعون معنوي ويمكن أن يوفروا لها موطئ قدم في شرق ووسط وغرب إفريقيا، تستخدمه للضغط على الغرب وتمدد فيه مناطق نفوذها دولياً. 

غالباً عرضهما، خلال هذه الزيارة الكارثية، شمل وعوداً بتوسعة استثمارات روسيا في الذهب والمعادن (وضمنها اليورانيوم والنحاس وغيرها)، وعرض وجود لها في البحر الأحمر كما فعل الطاغية المعزول البشير لينال وُدهم وإتاحة مداخل لهم في غرب إفريقيا، مستخدمين بُعدهم القبلي والجهوي في الدول المجاورة غرباً. وبالطبع اختاروا أسوأ توقيت للزيارة بناءً على توصية الكفيل الذي أراد أن يكون معهم في جزء منها، لكن للضغوطات والتهديدات المباشرة تراجَع في آخر لحظة وتركهم هم ليتحملوا تبعاتها بالكامل. 

توقيت زيارة روسيا، ولماذا الأقرب أن جبريل إبراهيم هو المحفز الذي يسير خلفه حميدتي؟ 

السؤال المهم: لماذا سار جبريل خلف حميدتي داعماً لهذا المشهد الغريب الذي أعجز حتى قيادة الجيش السوداني في مقاومته، وهم يعلمون جيداً خطورة زيارة رسمية في توقيت حساس جداً وروسيا تخوض حرباً في أوكرانيا، تعتبر بكل المقاييس حرباً على أوروبا ككل والعالم الغربي متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثيراتها ستصل إلى أعوانهم في الدول الإقليمية ومن ضمنها الداعمة للانقلاب.

أيضاً تصريحات حميدتي ورّطت السودان مباشرة في دعم الغزو الروسي واحتلال أجزاء من أوكرانيا وضمها لروسيا؛ مما يسبب تعقيدات كبيرة لمنظومة انقلابية مدعومة من دول حليفة أساسية للولايات المتحدة الأمريكية ومن ضمنها الإمارات ومصر وإسرائيل. وعليه، لماذا قام حميدتي بهذه الزيارة، ولماذا احتمالية أن من سوّق له الفكرة وزيّنها له هو جبريل إبراهيم بعد أن تم التنسيق من قبل الدولة الكفيل التي تحرّكه في الاتجاهات المختلفة وترعى مصالحه؟ بكل بساطة، يسعى جبريل إبراهيم بكل قواه لتوريط الانقلابيين في مسار لا رجعة منه على الإطلاق، وهو عالم بكل تبعات هذه الزيارة على مصالح الشعب السوداني والعلاقات مع الغرب، ويعمل بكل قوة لتشكيل أكبر ضرر في مسار علاقاتهم الإقليمية وتحالفاتهم؛ ليورط البرهان وحميدتي ولجنة البشير الأمنية أكثر وأكثر في الوضع الانقلابي الحالي، ويفقدوا أي صلة لهم بالعالم كما فعل شيخه الترابي في أول أيام نظام الإنقاذ السوداء، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: جبريل إبراهيم شريك أساسي في الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وأشارت العديد من المصادر إلى أن قواته قد شاركت بصورة مباشرة في الانقلاب رغم اعتراض أغلبية أعضاء مكتبه التنفيذي على الفكرة. وهذا يوضح بما لا يدع مجالاً للشك، نزعته الديكتاتورية التي لا تحترم حتى مؤسسات حركته وأدت إلى العديد من الانشقاقات لاحقاً.

ثانياً: جبريل إبراهيم شخصياً هو من ورّط الشعب السوداني في الكارثة الاقتصادية الحالية، لأن اتفاقية سلام جوبا التي أعطته وزارة المالية، أتاحت له فرصة الاطلاع على قدرات الاقتصاد الحقيقية وطبيعة اعتماده على الدعم الخارجي، على الأقل على المديَين القصير والمتوسط. تسلم شخصياً ملفات حساسة عن طبيعة الاتفاقيات مع المؤسسات العالمية والدول، وخطط الاستثمارات الموعودة لإعادة الحياة للاقتصاد السوداني. رغم علمه بكل هذه الحقائق، قرر جبريل إبراهيم المضي قدماً في التحريض ودعم الانقلاب رغم عواقبهما المدمرة للاقتصاد، قائلاً إن أبواب السماء مفتوحة لهم، وانتهى به المسار إلى توريط كل الشعب السوداني في دفع فاتورة انقلابهم بزيادة أسعار خرافية في كل احتياجات المواطن الأساسية والضرورية للحياة. أيضاً أغضبه جداً ما أخطره به رئيس الوزراء السابق، الدكتور عبد الله حمدوك، عند عودته لمقعده باتفاقية 21 نوفمبر/تشرين الثاني، مع البرهان، من أن المؤسسات المالية والعالمية والدول الداعمة لا ترغب في وجوده شخصياً كوزير للمالية. 

ثالثاً: بدأت حالياً عملية إعادة لكوادر نظام البشير في كل مواقعهم قبل سقوط البشير وأيضاً تأسيس مشروع تمكين جديد لمؤسسات الدولة يلعب جبريل إبراهيم فيه دوراً بارزاً، من خلال الاستفادة من هذه الخطوة في بناء خطة تمكين جهوي ولأصحاب الولاءات له ولأنصار الانقلاب من قادة الميليشيات في العديد من الوزارات الحيوية.  قدم جبريل أيضاً ضمانات كافية لحميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو بالمحافظة على مصالحهم ومؤسساتهم الاقتصادية، وتوفير كل التسهيلات لها، خصوصاً المالية والاقتصادية. 

سلام جوبا وتخوفات جبريل

رابعاً: مراجعة سلام جوبا وطبيعة الاتفاقية هما أشد ما يخيف جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي بالخصوص، وعلى درجة أقلَّ بقية قيادات الحركات الموقعين عليها، وغالباً هذا الأمر سيكون محوراً أساسياً للنقاش، في حالة سقوط الانقلاب العسكري. اتفاقية سلام جوبا وإلى الآن لم تحقق خيراً لأهلنا في مناطق الحروب وهم المتضررون الحقيقيون وليس قادة الميليشيات وخاصتهم.

أيضاً، هذه الاتفاقية اعتبرت حصان طروادة لتدمير بناء الدولة الديمقراطية، وقد صنعت بمؤامرة كبيرة من حميدتي وكباشي وبحضور رمزي من عضو المجلس السياسي حينها عبد الله التعايشي، الذي للأسف لم يكن قادراً على استيعاب حجم التآمر على المسار الديمقراطي وجارى العسكر بشكل عاطفي لتحقيق إنجاز لَربما ظن أنه سيكون خيراً للوطن والاستقرار.

الغريب أن جميع اللاعبين الأساسيين في هذه الاتفاقية من إقليم واحد فقط في السودان، وقرروا مصير السلام في الوطن بنظرة شبه أحادية، في ظل غياب رئيس الوزراء السابق الدكتور حمدوك، الذي تنازل طوعاً عن مسؤوليته الأساسية في إدارة هذا الملف، وفي غياب تام لقوى الحرية والتغيير التي قبلت بنتائج اتفاقية أعدمت حتى دورها ولم تشر إليها، وارتضت في مقابل هذا التنازل محاصصة في الوزارات رغم التزامهم السابق بحكومة التكنوقراط. للأسف استخدمت قوى الانقلاب، من العسكر والحركات المسلحة والمدنيين ضدهم لاحقاً هذا التنازل بعد أن دفعتهم وأغرتهم به للقبول بهذه الاتفاقية التي لم تشمل الوطن ولا حتى العديد من القوى التي كافحت ضد نظام البشير. 

ما زلنا ننتظر تفاصيل أكثر من قوى الحرية والتغيير عن كيفية موافقتهم وقبولهم بهذه الاتفاقية التي أغفلت حضورهم عن المشهد، وارتضوا جعلها وثيقة أكثر أهمية حتى من الوثيقة الدستورية الحاكمة للدولة! 

الضرر الواضح والكبير في هذه الاتفاقية المجحفة كان بأهلنا في شرق السودان وفي خلق مسارات وهمية للوسط والشمال ساعدت العسكر في خلق قيادات كرتونية وهمية يستخدمونها في عروضهم المسرحية قبل الانقلاب، وحالياً في خلق حاضنة وهمية من أمثال الجاكومي والتوم هجو وبرطم.

 إضافة إلى مساوئها فإن هذه الاتفاقية أتاحت لجبريل إبراهيم السيطرة الكاملة على جل مؤسسات الدولة الاقتصادية بعد أن أعلن صراحة وعلى الهواء، أنه أراد المنصب ليوفر المصادر لحزبه ليحكم السودان، والآن أصبحت معظم الوزارات الحيوية والإنتاجية تحت إمرته، ويعمل العديد من هؤلاء الوزراء المكلفين تحت إمرته المباشرة.  

الجدير بالذكر أن كل الشواهد تشير إلى أن جبريل لا يسعى لإفادة أهلنا في دارفور المتضررين من الحروب والمآسي التي شارك فيها هو شخصياً من احتكار سلطة المال والاقتصاد في البلد والتي يتمتع بها حالياً. حتى الآن لم نرَ جبريل زائراً لمعسكرات النازحين والمناطق المتضررة ولا ندري إن كان له حتى القدرة والجرأة على زيارتها. 

كانت الأولوية- إن كان مخلصاً لهم- استثمار كل المصادر المالية المتاحة لسلام جوبا في تلكم المناطق، والسعي بكل جدية لتوطين واستقرار النازحين والمرحَّلين من مناطقهم كأولى أولويات الحكومة المركزية والإقليم التي يقودها صديقه مناوي. 

الأغرب في الأمر أن حالة عدم الاستقرار امتدت حتى إلى مدننا الكبرى في دارفور مثل الفاشر والجنينة وغيرها بدلاً من خلق استقرار في مناطق الريف، وتم استثمار جل الموارد المالية للميليشيات والرتب العسكرية الوهمية التي توزع على الأقارب وذوي الحظوة الذين يتولون هذه الرتب نتيجة لتنازل المؤسسة العسكرية وقيادتها عن السيطرة على هذا المشهد المأساوي؛ لحرصهم على دعم هذه الميليشيات لانقلابهم في 25 أكتوبر/تشرين الأول.

إلى الآن تتعثر الخطة الأساسية لسلام جوبا لدمج المؤهلين من هذه الميليشيات في الجيش الوطني لأسباب عديدة، أهمها عدم وجود تمويل بعد الانهيار الاقتصادي الشامل، مما سيخلق ميوعة أمنية يمكن أن تؤدي إلى كوارث في المدن الكبيرة التي يلتف حولها هؤلاء المسلحوت. 

هل سينجح مشروع حميدتي وجبريل مع الروس؟ 

الأخبار رشحت أنه حتى سفيرنا في روسيا وربما وزارة الخارجية التي غالباً لم تستشر في هذه الزيارة التي يقودها حميدتي، وهو يتصرف كأنه دولة منفصلة بحالها في كل المجالات وضمنها السياسة الخارجية والاتفاقيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، مما يؤثر سلباً على السودان ككل ويتسبب في أضرار كبيرة جداً بالقوات المسلحة السودانية، التي يمكن في المستقبل القريب أن تصبح أقل عتاداً وعدة من قوات الدعم السريع والميليشيات المسلحة. الجميع كان يعلم أن روسيا ستصبح معزولة عن العالم بعد حربها مع أوكرانيا، وقد جهز الإعلام الغربي وتصريحات رئيس الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين المشهد لذلك. 

أيضاً لن تكون متفرغة لغير حربها مع أوكرانيا، التي هي بكل تأكيد وإن كانت قادرة على حسمها عسكرياً واستجابت بحملة عقوبات اقتصادية وتجارية من الغرب، ستفوق كل ما شاهدته من قبل في تاريخها ولن تنتهي عندها فقط، بل عند كل من يتعامل معها أو يسندها. اللقاء التلفزيوني لحميدتي في روسيا داعماً خطوات بوتين ومبرراً لها، جزء من مشهد لا أظن أنه شخصياً يستوعب مدى خطورته على كل ما حققه حالياً وعلى السودان ككل، وأحسبه من صنع جبريل إبراهيم، إغلاق كل الأبواب أمامهم عدا المضي قدماً في هذه العلاقة المشوهة ولتشكيل عزلة دولية تعدم فرص عودتهم حتى لرعاة انقلابهم الإقليميين الذين سيتعرضون لتهديدات أمريكية جادة إن تعاملوا مع نظام يدعم الروس أو يتعامل معهم. الاعتقاد السائد أن هذا انتقام جبريل من الغرب ومؤسساته؛ لرفضهم له كوزير مالية في حكومة حمدوك، وبالتأكيد مستقبلاً سيكون مرفوضاً في أي جسم يمكن أن يمثل حكومة انتقالية.

وفي الغالب أيضاً مؤامرته هذه انتقام من الشعب السوداني الذي رفض انقلابهم أو الاستسلام له والذي يشير  دائماً إلى أن جبريل جزء أساسي من مؤامرة هدم المسار الديمقراطي، لأنه لا مصلحة له على الإطلاق في عملية انتخابية حقيقية لن تعطيه ولا عُشر ما حصل عليه من اتفاقية جوبا وما ناله  حالياً من انقلاب البرهان وحميدتي.

هل ستنجح روسيا في دعم مشروع حميدتي وجبريل؟ 

حجم التآمر على الشعب السوداني ومصالحه من قبل الانقلابيين وأعوانهم يزداد مع الزمن وتتضح نواياهم. الحقيقة التي لم يقتنعوا بها إلى الآن هي أن كل وسائل بطش منظومتهم الانقلابية لن تُسكت صوت الشعب، وقد علم الجميع أن قبولهم بهذا الانقلاب يعني نهاية المشروع القومي للسودان وللأبد لصالح دولة الميليشيات والقبائل، وسيؤدي إلى تمزق السودان، وأولى المؤسسات التي سيتم تدميرها- إن نجح مسعاهم- هي قوات الشعب المسلحة التي للأسف حالياً تدافع قياداتها عن هذا الانقلاب والتحالف المشؤوم مع "الدعم السريع" والحركات المسلحة المتآمرة مع الانقلاب.

ليصل هذا المشهد لخاتمة لا تمزق الوطن، لا بد من التحرك بأسرع ما يمكن لجمع شتاتنا ولاستغلال أخطاء الانقلابيين وأعوانهم وفضح أهدافهم الحقيقية، وقد فشلت كل مساعيهم لخلق استقرار وستزداد سواءاً في ظل الانهيار الاقتصادي.

على القوى السياسية التواصل بأسرع ما يمكن مع القوى الإقليمية التي تدعم الانقلابيين، موضحو لهم خطورة المشهد الحالي على أمنهم ومصالحهم في المقام الأول في حال إن سار الانقلابيون قدماً في خلق تحالف مع روسيا، وأيضاً تبعات مشروع تمزيق السودان بناءً على مشروع قبلي وجهوي، كما يسعى حميدتي ليؤسس لمنظومة تسهّل له حكم السودان، بينما يستفيد جبريل وأمثاله من مشروعهم الجهوي والتمكيني وخلق قاعدة مؤقتة تساعدهم على مواصلة مشوار سيطرتهم على جل مؤسسات الدولة.

 فلندرك الوطن، فمع كل دقيقة وساعة تأخير تزداد تكلفة إزاحة هؤلاء القوم من السلطة التي اغتصبوها. علينا أيضاً تقديم تنازلات مؤلمة لتوسيع قاعدة التحالف القوي المدنية لتشمل كل القوى الوطنية وضمنها الإسلاميون المعتدلون وأقصى اليسار والقوى التقليدية من زعماء عشائر وجماعات صوفية، والنقاش المفتوح والصريح مع أبنائنا في القوات المسلحة والحركات المسلحة الوطنية بأن مشروع تمزيق الوطن سيخدم فقط دولة الكارتيلات ولن يخلق لا استقراراً ولا تنمية، بل سويدمر النسيج الوطني ويذهب بنا إلى دويلات ومشروع كارتيلات ودولة مرتزقة كما هو واضح للعيان حالياً.

تقييم المرحلة الانتقالية الأولى التي انتقلت بقدرة قادر من التكنوقراط لمحاصصة الأحزاب والحركات المسلحة، يجب أن تتم من خلال المهنيين والتكنوقراط فقط لتعود حكومة انتقالية ذات سلطات محدودة ومهام واضحة، هدفها الأساسي خلق الاستقرار اللازم لإجراء الانتخابات، وحل المشاكل الاقتصادية الحالية، وإعادة الدولة لمسار الإصلاح الذي أوقفه الانقلابيون، بل دمروا معظم الإنجازات التي  تمت بهذا الخصوص. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نمر عثمان البشير
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر. مدير مختبر توصيف الوقود الذي يدعم البحث وتقديم الخدمات في مجال الوقود الاصطناعي والمواد الكيميائية التي يتم استخلاصها من الغاز الطبيعي. ويتعاون الدكتور البشير مع كبرى الشركات العالمية مثل توتال وشل وجنرال إلكتريك (النفط والغاز) وأوريكس جي تي إل وشركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) والخطوط الجوية القطرية وغيرها.
تحميل المزيد