ضرب وإهانة في ليلة العمر! لو طلبت عروس الإسماعيلية نصيحتي فهذا ما سأقوله لها

عدد القراءات
772
تم النشر: 2022/02/22 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/22 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
عروس الإسماعيلية وزوجها / الشبكات الاجتماعية

إن أكثر ما يؤلم ويحزن ويخيف في قضية عروس الإسماعيلية، أنه ورغم كل ما تعرضت له من ضرب وإهانة وإفساد لليلة عرسها، جَعَلتْ "الحق عليها هي"، وبرَّأت جلادها!

واضطرت لأن تدعي أنها هي "العصبية" وأنها لا تحتمل كلمتين، في حين رأينا بأعيننا أن زوجها هو الذي فقد صوابه وعقله واتزانه، وضربها بقسوة وهمجية، ودون رحمة.

عروس الإسماعيلية ادعت أنها عصبية وقد شهدت الكوافيرة بأنها ليست كذلك، وبأنها لم تقل لزوجها ولا لأخته أي كلمة سيئة، ولم ترد بأي حرف مستفز، بل قالت بكل هدوء: "حاضر".

فكانت النتيجة أن اقتحم زوجها مكاناً خاصاً بالنساء بلا استئذان، مخالفاً الأعراف والتهذيب والدين، فأين كانت نخوته الصعيدية؟

وسرق سعادتها في أبرز ليلة في حياته، والتي لا يمكن أن تنسى تفاصيلها مهما عاشت وامتدت حياتها، وسحبها من شعرها بعد أن غالت في تزيينه ودفعت المال والوقت، وأفسد عليها بهجة فرحها الذي تحلم كل فتاة به وتخطط له سنين، وسحلها كما يَفعل المُجرمون -عديمو الرحمة والإنسانية- على درج البناء وهي بالفستان البيضاء التي يدنس جمالها ويغير لونها غبار الهواء (لشدة بياضها ونصوعها) فخربها.

ولكمها بكل وقاحة بالشارع، ورفسها حتى نزل الدم منها وأغمي عليها وحولها رجال صعايدة منهم أخوها ورحمها ولكنهم بلا نخوة. وفوقها جبناء فيُخفون الحقيقة ويزورون الواقعة، بل يكذبون ويتعاونون كلهم عليها، وكل واحد منهم يجد مبرراً لما حدث، فتضاربت أقوالهم وبان عورها وزيفها. وعجزنا عن معرفة حقيقة مشاعر وموقف تلك الزوجة.

ثم يخرج علينا من الوعاظ والمشهورين من يقول: "ليس لكم علاقة، وزوجان مع بعض"، وهكذا يزيدون الأمر سوءاً والمظلوم ظلماً؛ فقد غابت عنهم -وهم المؤثرون- أبعاد المسألة، في حين فقهها وحذقها وعرف آثارها وأبعادها "الشارع المصري" صاحب الحمية الذي ثار وفار، واهتم بالفتاة، وأصر على حمايتها، ومتابعة قصتها والاطمئنان عليها.

وإن هؤلاء الوعاظ يُشجعون الرجال على ارتكاب أخطاء كبيرة لا يرتضيها الله ولا رسوله، وأذكر منها:

1- قلب الموازين الشرعية فهم يريدون من المرأة الوصاية بزوجها، والله أوصاه هو بها، وشدد بالوصاية، ولكنهم يُهَوِّنون عليه التفريط بها.

2- ويريدون منها الصبر، والله أوصى الزوج بالصبر على زوجته وتحمل ما يصدر منها على أساس أنه هو الأكبر والأعقل، فخان هذا الزوج أول وصية ومن أول ليلة بالزواج؛ فبان طيشه وقلة نضجه.

وإذا كان الضرب هو بداية العسل، فماذا سيفعل حين يذوب الحب وتكبر الهموم، ويتقدم بالعمر ويقل الاحتمال؟

3- وإن الضرب أمام الناس في الشرع الإسلامي يكون عقوبة لذنب كبير "كحد لشرب الخمر مثلاً" أو "تعزير" على مخالفة كبيرة، والمفروض أن يكون بحكم المحكمة ووجود القاضي، وبسبب قوي ووجيه، وأما ضرب المسلمين بهذا الشكل المهين فلا يجوز.

وهكذا ضربها عريسها ظلماً وعن قصد، وأمام الناس وشهد عذابها العالم كله… وأهينت وفضحت على الملأ (ولن ينسى الناس قصتها)، وفوقها يريدونها أن تتسامح وتتنازل عند الشرطة.

وهكذا يظلمونها مرتين: مرة ساعة الضرب، ومرة أخرى حين يمنعونها من الشكوى أو أخذ حقها…

4- وفرحوا بإرجاعها إلى زوجها، ولم ينصحوها بأي ضمانات، ولم يأخذوا عليه أية وعود فكيف نتأكد أنه لن يؤذيها، وكيف سيؤتمن مثله عليها؟

وأين الولي وهل مهمته فقط إبرام العقد؟ أم ليحمي البنت من الجور والتعدي؟

إنها رسالة واضحة -من الوعاظ- للفتيات والشباب: "افعل ما تشاء أيها الرجل، وأنت أيتها المرأة لن ننصرك فاصمتي"، ولعل هذا يفسر انتشار التعدي على الزوجات.

5- وقالوا: "طالما اتصالحوا يبقة هما أصحاب القرار"؛ وهل للمرأة قرار في مثل هذه البيئات؟ وهل هو صلح حقيقي أم قمع، وهل كانت الرجعة بموافقتها أم بالإكراه والخوف والتهديد؟

وحين تحدث الواقعة على الملأ فيجب أن تعالج أمام الجميع، ونتأكد من النتائج، حتى نحمي الفتيات، وكي لا تشيع أمثال هذه التصرفات وتنتشر (لو تم السكوت عليها).

ويجب أن نستنكر بسلوكنا ولساننا وقلوبنا، وبكل شيء وسيلة نقدر عليها.

6- وهناك من يقول "وما يدريكم ماذا فعلت الفتاة؟" يريد إحسان الظن بالرجل، فيسيء الظن بالمرأة ويتهمها بالتعدي (وهي المتضررة)!

والجواب نحن رأينا ماذا فعل الرجل، وتكفينا هذه الوحشية.

7- وهناك من اعتبرها بنت أصول، وأنا أراه تخذيلاً وتخديراً، وبالحقيقة سلوكها ضعف، ولو تسبب لها الضربُ بعاهة، ماذا يفيدها هذا الثناء المزيف المزخرف؟

ولماذا لا نربي الرجل أن يكون هو ابن أصول، ويمتنع عن ضرب النساء: "ولن يضرب خياركم"، وكيف نتقبل من رجل مثل هذا السلوك العدواني غير المبرر، وقد سلمناه البنت ليكون لها عوناً؟

وستسألون ما الحل، وبماذا تنصحينها لو سُئلت واستُشرتِ؟

بالحقيقة القضية صعبة، لأن بناتنا -إذا تزوجن- الكل يعتبر الزوج أصبح حراً بها وأنها جزء من ممتلكاته يفعل بها ما يشاء ولا يسأل، ومن هنا تكون الكارثة، ولدي 3 حلول:

الأول: بيد بناتنا: وإني أنصحهن أن يجعلن لأنفسهن هيبة واحتراماً عند الزوج، فلا يسمحن بالإهانة ولا الضرب، ولا يسكتن عن الظلم البين، وبالتالي كان يجب على عروس الإسماعيلية أن توثق ما حدث بمحضر عند الشرطة، وتأخذ عليه عهداً لو ضربها أنها حرة بنفسها… أو أي شرط مضمون.

الثاني: بيد الأهل: وبناتكم أمانة بأيديكم، ورابطة البنوَّة لا تنفصم بالزواج، وعليكم إظهار القوة والهيبة ومنع ظلم الأزواج.

الثالث: بيد الأغنياء أو الدولة: وهو حل قديم ومعروف، وقد يكون الحل الأقوى، والجذري والأمثل، ويتلخص: بتوفير مأوى ومكان مريح ومؤتمن للنساء، لكي لا تضطر الفتيات للبقاء مع أزواجهن وتحمل القهر والمهانة فقط لأجل الإعالة، بل ينبغي أن يكون لهن الخيار كاملاً.

والمأوى هذا كان يسمى الرباط، لأنه كان أولاً للجنود ثم تحول للخدمات الاجتماعية والإنسانية، وكان متوفراً بالمدن الإسلامية، والأربطة ملاذ ومقام للسيدات والأرامل والمطلقات والمسنات ممن لا عائل لهن وممن قعد بهن الزمن، لتوفر لهن حياة كريمة شريفة من إقامة ومأكل وملبس ومشرب (حتى تتزوج أو تعود إلى زوجها..)، ومن الأربطة ما أنشأته فاطمة الأيوبية 650هـ/ 1252 في دمشق للنساء الفقيرات.

وانتشرت أربطة النساء في فاس والقاهرة والفسطاط، ومن الملاحظ أن أكثر من أنشأها من النساء، مما يدلل على عمق نظرتهن وحبهن للخير.

وذكر المقريزي أنها دور على هيئة بيوت أمهات المؤمنين، ويكون فيها العجائز والأرامل والعابدات، وكانت لها الجرايات. وقد تكون بالرباط شيخة عالمة تقية جليلة تشرف على من فيه وتتولى أمورهن؛ فتخفف من بؤسهن وترشدهن وتعلمهن وتفقههن في الدين.

وختاماً.. أوجه تحية كبيرة للشعب المصري على هذه النخوة، وتحية لكن من تفاعل مع هذه القضية، وكل الشكر لمن صور الحادثة، فنحن رأيناها بأعيننا، فكيف بما لم نرَه مما يحدث داخل البيوت يومياً؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد