كيف أصبح اليمن السعيد الأتعس عربياً وإسرائيل الأسعد في المنطقة؟!

عدد القراءات
761
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/06 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/06 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية / عربي بوست

احتل "اليمن السعيد" المركز الأخير عربياً في مؤشر السعادة العالمي، حيث أتى في المركز الـ141 عالمياً، فيما تصدر الكيان الإسرائيلي الدول الأكثر سعادة في المنطقة في المركزالـ12 عالمياً، وأتت دول التطبيع الحديثة البحرين والإمارات في صدر الترتيب العربي في المركزين الـ22 والـ25 على الترتيب، فيما واصلت المملكة السعودية صعودها في الترتيب بوصولها للمركز الـ26 عالمياً حيث قفزت 11 درجة في سلم الترتيب خلال الخمس سنوات الأخيرة، الأمر الذي قد يفخر به تركي آل الشيخ وهيئة الترفيه، في حين أتى شعب مصر "ابن النكتة" في المركز الـ132 عالمياً بتراجع يصل لـ28 مركزاً من المركز الـ104 في عام 2017، ولا تلي مصر في ترتيب الدول العربية سوى موريتانيا (134) واليمن السعيد الذي غدا أتعس دولنا العربية.

أما إذا كنت عزيزي القارئ من سوريا أو السودان أو الصومال أو جيبوتي وتسأل عن مركزك، فأنت لست في القائمة من الأساس، وصدقني أن لديهم كل الحق فكيف يعقل أن تدخل السعادة بلد فيه أسد طليق وذئاب تنهش الجميع، فأنصحك عزيزي السوري بالاستعانة بالسيدة الكويتية التي احتضنت الأسد في الشارع وقامت بحمله بعيداً، لتدخل إليكم السعادة، وإذا كنت سودانياً فلم يذكر البشير في خطاباته عن إنجازاته أي شيءٍ عن السعادة وكان محور حديثه يتمركز عن "كهربا ومي"، وكذلك لا تنتظروهما من التطبيع وقادته.

السؤال الذي يبدو مهماً: كيف انتقل اليمن الذي طالما وُصف بالسعيد للدولة الأتعس عربياً؟ وما الأسباب الحقيقية وراء تراجع المصريين المشهورين بخفة الظل في مؤشر السعادة؟ والأهم: كيف نعيد اليمن ومصر ودولنا العربية للسعادة؟

بالنسبة لليمن يبدو وبلغة الأرقام في تحسّن في عام 2021 عن الأعوام السابقة، حيث حل في المركز الـ152 في عام 2018، وأتى في المركز الـ151 في 2019، ولكن هذا التحسن الطفيف يمكن إرجاعه لتعود الشعب اليمني على الحرب المستمرة منذ سبتمبر 2014، وفرحتهم الهستيرية بفوز منتخبهم للناشئين ببطولة غرب آسيا، لكن في العموم يبقى اليمن تعيساً للغاية، مع ظهور شبح تقسيمه لدولتين، خاصة أنه يمتلك اليوم عملتين وحكومتين على الأقل.

يعاني المواطن اليمني في الجنوب من انهيار اقتصادي بلغ ذروته مع بداية عام 2021، بانهيار تاريخي للريال اليمني الذي فقد أكثر من 90% من قيمته أمام العملات الأجنبية، حيث سجل الدولار 1700 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية بعد أن كان الدولار يساوي 215 ريالاً في 2015، ما يزيد من الأعباء على المواطن اليمني الذي لجأ لأكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة -حسب برنامج الأغذية العالمي في أكتوبر/تشرين 2021- أو تقليص نصف الأسر في جنوب اليمن عدد وجباتها اليومية جراء ارتفاع التضخم، الأمر الذى أدى لاندلاع مظاهرات واسعة في المحافظات الجنوبية ديسمبر الماضي، احتجاجاً على تردي الأوضاع وارتفاع الأسعار، حاملين كيس القمح على نعش للموتى في رمزية واضحة لموت محدق.

ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة للمواطن في شمال اليمن، حيث يعاني كذلك من ويلات الحرب والقصف الجوي من قبل قوات التحالف، ما جعله يفقد كثير من الخدمات الأساسية للمعيشة، وهو ما تجلى بانقطاع خدمات الإنترنت خلال الفترة الماضية، حتى أن الموت لم يتركه حين احتفاله بفوز المنتخب، حيث لقيت طفلة وأصيب 36 آخرين جراء إطلاق نار عشوائي في صنعاء، وفي العموم يقع 80% من اليمنيين تحت خط الفقر وفي احتياج ملح للمساعدات الإنسانية، ويعاني ما يزيد على الـ400 طفل من سوء تغذية شديد يهدد حياتهم، مع عدم ظهور أية بوادر لأزمة اليمن المتمثلة بالصراع الذي يدخل اليوم مرحلة جديدة تزيد من تعاسة اليمنيين أكثر، وانتشار للفساد والأسلحة وحكم الأفراد وانهيار كامل للدولة.

أما بالنسبة لمصر التي قال عنها رفاعة الطهطاوي إنها "دائماً مهيأة للسعادة بحكمة حاكمها وجهد أهلها" فأسباب تراجعها المستمر في مؤشر السعادة يبدو واضحاً دون الحاجة للتعريج على المؤشر حينما تسير في شوارع المحروسة، حيث يملأ وجوه الناس العبوس ويختفي الأمل من عيونهم، وهذا يعود لاعتقاد مبالغ فيه بعد ثورة يناير 2011 لدى الناس بأنهم سيحظون بالأفضل، ومع تبدد آمالهم وتحطم أحلامهم يوماً بعد آخر تأثرت سعادتهم، فلدينا في مصر مُناخ سياسي غير آمن، وفقدان للأمل، وتوتر شديد لدى كثير من الشباب، وإفقار يبدو ممنهجاً، وتوزيع غير عادل للثروات، أدى إلى فجوة اقتصادية هائلة، أوجدت حالة من عدم الرضا لدى غالبية المواطنين، بخلاف قمع المعارضة وعدم فتح القنوات الديمقراطية التي تتيح للناس التعبير عن مشكلاتهم.

مصر الأولى عربياً في معدلات الانتحار كذلك -حسب منظمة الصحة العالمية- والتي تحصي 3022 منتحراً في مصر خلال 2019 وحدها، ورغم تشكيك المؤسسات الرسمية في مصر في أرقام منظمة الصحة فإنها لا تنفي الظاهرة، مشيرة إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخص لكل 100 ألف نسمة حسب تقرير مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في 2020، وبدلاً من البحث وراء الأسباب الدافعة وراء انتحار المصريين والسبيل لاستعادة سعادتهم، قدّم النائب أحمد مهني، عضو مجلس النواب، مشروع قانون يجرّم الشروع في الانتحار، حيث يوضع محاول الانتحار في مصحة ويغرّم مالياً عند تكرار المحاولة، ويكأن المصري يهرب من تراكم أمواله بالانتحار!

إذا كنا راغبين في استعادة سعادتنا في اليمن أو في مصر أو في أي من دولنا العربية البائسة فلابد من إحداث تغييرات جوهرية من خلال إنهاء الحرب في اليمن وغيرها، ودعم الديمقراطية وإتاحة حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى وضع سياسات اقتصادية تتيح زيادة النمو وتوزيع الناتج بصورة عادلة، ما يولد شعوراً بالأمن والرضا والأمل بين الناس، كما يجب وضع خطط صحية من مختصين للتعامل مع أمراض الاكتئاب، وعلينا جميعاً أن نعي أن تلك التغييرات لن تؤتي ثمارها بين ليلة وضحاها وإنما بالاستمرار في العمل الجاد بشفافية وواقعية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح عمر
كاتب مصري
تحميل المزيد