لماذا قد يصبح المغرب منقذ البشرية من مجاعة عالمية؟ السر في الفوسفات

عدد القراءات
2,863
عربي بوست
تم النشر: 2022/01/16 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/16 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي تشهد فيه الحضارة الإنسانية أزهى عصورها بمجال التواصل والطب والتكنولوجيا، تشهد أحلك عصورها بمجالات أخرى، على رأسها الأمن باختلافه (الجسدي والنفسي والغذائي…).

في أثناء مشاهدتي لفيلم "Interstellar"، أثار انتباهي تركيز المخرج على قضية المناخ، فمن الزوابع إلى المحصول غير الكافي؛ إلى نقطة مهمة للغاية تبنى عليها الحكاية، وهي عدم أهلية كوكب الأرض مستقبلاً.

لهذا سيذهب البطل في رحلة فضائية بحثاً عن كوكب قابل للعيش، مستنداً إلى رحلات أخرى سبقته، لكنها لم تترك سوى رسائل غامضة، وقبل ذهابه في هذه الرحلة ولكي يقنعنا المخرج الرائع "كريستوفر نولان" المهوس بالزمن، يقنعنا بأهمية الزراعة مستقبلاً، ففي الوقت الذي يذهب فيه الأب ليشتكي تحويل ابنه لتخصص الزراعة، يواجهه المسؤول في المدرسة بكلام واضح:"لسنا في حاجة للمتخصصين في التكنولوجيات بل للمزارعين".

المجاعة على الأبواب

منذ فجر البشرية، وليس هناك من كابوس واجهها فأخذ منها ملايين من أبنائها بقدر ما فعلت "المجاعة".

فلا يكاد يخلو تاريخ شعب من مجاعة أتت عليه في زمن ما، ونحن مازلنا نذكر المجاعة التي ضربت الصومال، ونحن اليوم أمام مأساة اليمن، وهكذا نجد أن المجاعة تطارد الإنسان حتى في أزهى عصور (التقدم).

في الآونة الأخيرة لم تعد المجاعة مسألة بلد معين، أو منطقة تشهد حروباً أهلية، فمع التغيرات المناخية بتنا نسمع بين الفينة والأخرى عن تقارير تحذّر من أزمة غذاء عالمية، ولعل أشهر تقارير العالم "تقرير نادي روما  1972″، الذي يمكن أن نلخصه فيما يلي:

"ستبدأ أعراض الأزمة بالظهور قبل وقت طويل من بلوغ نقطة الأزمة؛ سوف ترتفع أسعار المواد الغذائية إلى درجة عالية لدرجة أن بعض الناس سوف يموتون جوعاً. وسيضطر آخرون إلى تقليل المساحة الفعلية للأرض التي يستخدمونها والانتقال إلى نظام غذائي أقل كمية، وبالتالي يتم ضبطهم في فخ الموت بسبب سوء التغذية".

نحن الآن في سنة 2022، أسعار الغذاء وصلت لمستويات عالية، القمح تضاعف سعره ثلاث مرات، والأرز كذلك، وليس هناك استثناء، فكل المواد تشهد ارتفاعاً لم يعرفه التاريخ.

وها هنا السؤال الذي يطرح نفسه: "هل نحن على أعتاب مجاعة عالمية؟".

يصعب الجزم بالأمر، لكن تبقى مؤشرات على أننا ندخل عصراً من النقص والشح الغذائي، قوية للغاية ولا يمكن تجاهلها، خاصة من المتخصصين والمنظمات الدولية.

يزداد اقتراب شبح مجاعة عالمية مع ارتفاع أسعار الأسمدة، التي هي  أصل الداء، ففي الوقت الذي يجب أن تخطو فيه هذه الصناعة خطوة إلى الأمام، نجد أن مصانع الأسمدة في أنحاء العالم تعلن إغلاق أبوابها نهائيا!

في أستراليا كما في الصين والولايات المتحدة، مصانع الأسمدة تغلق وتترك الفلاحين حول العالم في مأزق لا يحسدون عليه، وتضطرهم إما إلى تغيير المزروعات وهذا ما يحدث غالباً، وإما إلى الاعتماد على الأسمدة العضوية، وهي التي لا يمكن أن تلبي احتياجات ملايين البشر.

بالتالي ندرك أن المجاعة التي يُتوقع أن تضرب العالم، ليس مردها إلى التغيرات المناخية فحسب، بل إلى انهيار قطاع الأسمدة.

كيف سيحكم المغرب العالم؟

في الوقت الذي تدق نواقيس الخطر في أنحاء العالم، وفي الوقت الذي تسعى فيه كل البلدان لإبقاء محاصيلها داخل حدودها كما فعلت الدول الكبرى كالصين وروسيا اللتين فرضتا حظراً على تصدير بعض المواد؛ من أجل تلبية حاجة السوق الداخلية، وفي الوقت الذي تفلس فيه الشركات ومصانع الأسمدة، تتجه أنظار العالم بأسره إلى المغرب.

فما السبب يا ترى؟

كما أشرنا سابقاً، فإن الأزمة الحالية مرتبطة بالأساس بصناعة الأسمدة، وعندما نتحدث عن الأسمدة فلابد لنا أن ندرك أن الفوسفات عنصر أساس في صناعتها، وعندما نقول فوسفات فإننا نشير حتماً إلى الفوسفور، والفوسفور من العناصر الغذائية الأساسية لجميع أشكال الحياة. هو عنصر أساسي في الحمض النووي لدينا، وجميع الكائنات الحية تتطلب كمية يومية من الفوسفور لإنتاج الطاقة. لا يمكن استبداله وليس هناك بديل صناعي: فمن دون الفوسفور، لا توجد حياة!

نعم، وباختصار شديد، لا حياة دون فوسفور، ولأن المغرب يمتلك 75% من احتياطي الفوسفات؛ فهو يمتلك القرار العالمي والمصير البشري بين يديه.

لهذا ستشكل هذه المدة مستقبلاً العالم الجديد، والمغرب يمكنه أن يلعب دور المحرك الأول لقواعد اللعبة السياسية، فكما تعتبر الولايات المتحدة نفسها اليوم منقذاً للعالم أو شرطي العالم، سيكون المغرب  "منقذاً للعالم" وإن كانت الولايات المتحدة تبني موقفها على امتلاك القوة العسكرية التي لا يمكن مقارعتها، فإن المغرب سيبني سيطرته على ما لا يمكن منافسته، إلا في حالة التوصل إلى طريقة لإنتاج الفسفور مخبرياً، وهو ما يبدو مستحيلاً اليوم.

نحن نلاحظ أن كثيراً من القوى تسعى إلى حجز مقعد لها في قطار السياسة المغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا؛ وذاك إدراكاً منها للقوة التي يمتلكها المغرب، والتي -كما قلنا- تعتبر حجر الأساس في عالم الغد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد