لمَ رغم تمتُّع الكثير بالمواهب الفذَّة يخاف أصحابها أن يُظهروها للعلن؟.. لمَ من يتمتعون بالمواهب لا يجعلون لتلك المواهب طريقاً للنجاح؟؟.. هل دائماً الموهبة تدل على تفاهةٍ داخلية؟!
تعريف الموهبة:
هي شيء يتمتع به الشخص، وتعطيه نوعاً من الأفضلية على غيره، وفي الغالب لا يتمتع بهذا الشيء غير عدد قليل بالنسبة لعدد البشر على كوكب الأرض، ويُصقل هذا الشيء المسمى بـ"الموهبة" ويتطور عبر الممارسة الدائمة له، وإيجاد الطريقة الصحيحة لاستخدامه، وكلما زاد شغف الشخص بتلك الموهبة زادت قدرته على العطاء والمضي قدماً ليصبح أكثر تميزاً فيها.
لكن لماذا على الرغم من تمتع البعض بمواهب فريدة لا يريدون أن يظهروها للعلن؟!
بعض أسباب خوف الموهوبين:
أولاً- ضعف الثقة في الموهبة:
اعتبار الشخص أن ما يملكه ليس موهبة من الأساس، بل يمتلكها أشخاص كثر مثله، فهو واحد من ملايين الأشخاص المشابهين له كما يعتقد!، لكن في واقع الأمر يكون هذا الشخص يمتلك موهبة بحق ولا يعطيها الثقة اللازمة، فيجعلها تندثر مع الوقت.
ثانياً- الخوف من آراء الآخرين:
ضعف الثقة في النفس والخوف من تجارب سابقة قد ثبطت من عزيمة المرء، جعلته يهتم لآراء الناس بطريقة مرضية؛ حيث إرضاء الناس هو الرغبة العارمة في حياته لا إرضاء نفسه!، فيخاف أن يظهر ما يتمتع به من موهبة، أو في بعض الأحيان يقتنع أنه بلا فائدة في تلك الحياة، فيظل يائساً منهمكاً فيما لا يعود عليه بالنفع المادي أو المعنوي.
ثالثاً- انتشار المُحبِطات:
في هذا الزمن انتشار ما يجعل الشخص يائساً محبطاً كثير، فمن حوله ينظر فيجد من يحاول أن يظهر موهبة ما فتضيع في وسط أمواج الحياة فتندثر، فيرى ما يحدث لمن قبله فيقول لنفسه: " لمَ أحاول أن أظهر موهبتي وأرهق، وفي آخر المطاف أشعر بما لا يرضيني وأحبط!"، فيرجع خائباً ويفضل عدم المغامرة والبقاء على حاله خوفاً من التغير الذي يمكن أن يطرأ على حياته فيعود حزيناً تعيساً بلا مأوى لموهبته، فتتشرد نفسه وينكسر قلبه.
رابعاً- الروتين:
التعوُّد على روتين الحياة المعتاد، من شهادة يجب أن تؤخذ من الجامعات العليا مثل الطب والهندسة وغيرهما، فهي المستقبل كما يقول معظم الناس، وأي موهبة حتى ولو كانت من الممكن أن تفيد الناس وترتقي بهم فهي تُرَّهات في عيونهم!، فالروتين يقضي على أي شيء جيد مهما كان في طياته من نور فيحوله إلى ظلام دامس.
كما رأينا فيما سبق بعض أسباب خوف الموهوبين، هل يوجد حل لتلك المعضلة والقضاء عليها؟؟
بعض الحلول للقضاء على الخوف من إظهار الموهبة:
أولاً- عدم الاهتمام لآراء من خارج دائرتك الإجتماعية:
عدم الاهتمام لنقد الناس الهدام الذي لا يفيد بل يحبط فقط، فعندما تفعل شيئاً تحبه وتشعر أن به شغفك فلا تهتم إلا به، فكل ما يقال من حولك من كلام سيئ يجب أن تقضي عليه بالعمل، وتُري من نقدك بالسلب أن كل ما قاله ما هو إلا وهم، وأنك ستنجح بلا منازع.
ثانياً- المحاولة نجاح:
مجرد أنك بدأت وتحركت لتظهر موهبتك فهو نجاح في حد ذاته حتى لو سقطت عدة مرات؛ لأن المحاولة شجاعة وقوة ضد أهواء النفس الضعيفة وهي جرأة ما بعدها جرأة، فلا تخف أن تمضي في إظهار موهبتك ولا تخشى من الفشل، فكل محاولة فاشلة تقربك خطوة للقمة والنجاح.
ثالثاً- تحديد هدف سامي:
عندما تضع هدفاً ورؤية واضحة أمامك وسبباً محدداً لموهبتك، مثل إفادة البشرية أو أي هدف سامٍ آخر، فهذا سيشعل في قلبك وجسدك روح المثابرة، ولن تهتم لأي شيء غير تحقيق النجاح لموهبتك مهما ثبطتك الأيام.
رابعاً- اختيار الصحيح:
ممارسة الموهبة التي تشعر أنها ستفيدك نفسياً وتقلل من كاهل الحياة، وحبذا لو كانت تلك الموهبة تعطي للآخرين الثقة والإفادة والشعور الجيد في الحياة، وتُنسيهم غمرات الحياة وتعبها.
خامساً- معرفة حقيقة الحياة:
لمْ نخلق في الحياة للراحة أو الاسترخاء، فالحياة دار تعب ومشقة وفشل ومحاولة، وتساقط العرق يؤدي لتساقط البهجة والسعادة على القلوب، فموهبتك كي تظهر للنور عليك بالتعب ليلاً ونهاراً، كما قال ابن القيم رحمه الله: "قد أجمع عقلاء كل أمة على أنّ النعيم لا يُدرك بالنعيم وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بقدر الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له"، فلذة التعب هي ظهور نتائج النجاح حتى ولو طال الأمد، فالصبر هو مفتاح الفرج.
فالموهبة تحتاج للممارسة الدائمة والتطوير لتظهر وتخترق الآفاق، لا توجد موهبة تبدأ قوية من المرة الأولى، بل تتطور وتعلو، فالإنسان ما عليه إلا السعي في كل شيء، وبالتعب تأتي الراحة كما قلنا سابقاً، ما علينا هو ألا نيأس أبداً!، فاليأس هو الفشل الحقيقي الذي ينهي البشرية على وجه الأرض، ويجعلها كسولة لا تقدر على فعل شيء، وتريد أن يأتي النجاح والأموال والسعادة في لحظة من الزمن، لا تقدر على التعب، لا تريد أن تقاتل لتشعر بالسعادة المادية والمعنوية، تريد فقط أن تتبع أهواءها بلا فائدة غير لهدف المتعة دون تعب، وبعد كل هذا ينظر الإنسان للمرآة.. ويجد نفسه في نهاية دربه أنه أضاع كل شيء، أضاع الفرص والأحلام والآمال، ويصل لنقطة مسدودة لا يقدر الرجوع عنها، هذا هو الخسران المبين، لكن من حاول رغم كل التحديات والصعوبات في الحياة، وقال لا للصعوبات، فهذا والله هو النجاح في حق ذاته، ففي حالته تلك السقوط والفشل في أعين الناس ليس فشلاً بالنسبة له بل سيكون نجاحاً، لأن المحاولة أعطته الكثير من إرضاء النفس، فالمحاولة هي المثابرة التي تؤدي للنجاح دوماً!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.