“أكتب لأتنفس”.. طقوسي بالكتابة التي ساعدتني على الالتزام بها

عدد القراءات
617
عربي بوست
تم النشر: 2021/11/10 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/10 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش

بعد عدة محاولات منّى هنا وهناك وربطي بين طقوس الكتابة والحالة التي أعيش فيها، أو بالأحرى حالة الإلهام التي تعتريني صرت أؤمن بأنه لا ربط بينهما أو من الجيد ألا أقوم بربط هذا بذاك.

فالإلهام حالة قد تجيء وأنا أطهو الطعام أو أجلي الصحون، كما ذكرت من قبل، فكيف هي الحال إذا ما هاجمني الإلهام وفقاعات الصابون تغطي كفي والماء قد انقطع فجأة من الصنبور.. كيف أتصرف؟

هل أخبر نفسي بأن هذا ليس طقس الكتابة الذي اعتدت عليه؟

أم أنني سأقفز من فوري تاركة ما بيدي لأدون الفكرة التي هاجمتني لتوّها؟

إن ما تعلمته أخيراً هو عدم ربط طقوسي اليومية للكتابة بالإلهام..

أي أنه ليس شرطاً أن يكون هناك حالة من الإلهام حتى أؤدي طقسي اليومي والعكس هو الصحيح.

وذلك أمر غاية في الصعوبة فكيف سألزم نفسي على الجلوس يومياً وممارسة شيء لم يحضر إلى ذهني بعد؟

ولا أخفيكم سراً أنني لا أستطيع تطبيق ذلك حرفياً، بل إنني لا زال يحكمني إلى الآن عدة أشياء منها مزاجي العام والفكرة التي سأكتب عنها وإعصار الأفكار الذي قد يأتي فجأة ثم يتوقف فجأة تماماً كما أتى وغيرها من الظروف المحيطة التي قد تعترينا في دوامة الحياة.

لكن بعد عدة قراءات وتمعن في حياة بعض الكتاب الكبار وجدت التالي:

على سبيل المثال إرنست همينغوي كاتب أمريكي حصل على نوبل للأدب 1954 ومن أشهر كتاباته "وداعاً للسلاح" و"لمن تقرع الأجراس"، قال في حواره مع مجلة "باريس ريفيو" عندما سئل:

– هل تلتزم بجدول صارم؟

– حينما أعمل على كتاب أو قصة فإنني أكتب كل صباح بمجرد أن يظهر أول ضوء قدر الإمكان.

في ذلك الوقت لا يكون هناك من يزعجك ويكون الجو إما منعشاً أو بارداً فتعمل ويدفئك العمل.

تبدأ مثلاً في السادسة صباحاً وقد تستمر حتى الظهر، عندما تنتهي تكون فارغاً أو كالفارغ، إذ إنك في الوقت نفسه تكون ممتلئاً ولست فارغاً بالمرة إلى أن يأتي اليوم التالي وتفعلها من جديد. الانتظار حتى اليوم التالي هو الجزء صعب الاحتمال.

– هل يحدث في بعض الأحيان ألا يكون هناك إلهام بالمرة؟

– نعم يحدث وهذا طبيعي، ولكنك لو توقفت في موضع وأنت تعرف ما الذي سيحدث فيما بعد يمكنك أن تواصل. وما دمت قادراً على أن تبدأ فأنت بخير. العصارة سوف تأتي.

حسناً هذا هو رأي هيمنغوي.. "إذا توقفت في موضع وأنت تعرف ما الذي سيحدث فيما بعد يمكنك أن تواصل".

وسؤالي هو: ماذا لو لم أعرف ما الذي سيحدث في المرة القادمة؟

ماذا لو نسجت قصة البطل وصارت جزءاً حيّاً من حياتي اليومية وأحببتها بكل تفاصيلها، ثم توقفت فجأة لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

هل أستمر في الكتابة أيضاً أم أقوم بقتل البطل حتى لا تصيبني الحيرة في نهاية لا أعرفها؟

ما تعلمته أو ما أحاول أن أطبقه حالياً هو أن أستمر وأستمر حتى لو لم تكن هناك فكرة لديك عما سيحدث بعد ذلك لأن الأفكار حتماً ستلاحقك وأنت في خضم كتابتك، وإليك التالي حتى تصل إلى تلك النقطة الهامة:

1- ألزم نفسك بوقت كل يوم، وقت مخصص ولو قليل للكتابة، اكتب أي شيء.. مذكراتك.. موقف حدث معك.. آلامك.. أحزانك.. سعادتك الغامرة عندما ساعدت عجوزاً على عبور الشارع.. فرحتك الغامرة بقرطاس غزل البنات الذي أهداه لك ولدك.. وشعورك الذي لا تصفه الكلمات عن ذاك الطفل بهيّ الطلعة الذي قابلته في الحافلة وأعطيته ابتسامة وقبلة على جبينه بدلاً من إعطائه بعض النقود.

أكتب عن كل شيء وأي شيء يقابلك فالكتابة "موهبة" لكنها أيضاً تحتاج إلى ممارسة كي تتحول إلى "مهارة"، فما الذي سيفيد الرسّام -على سبيل المثال- إذا ما كان موهوباً لكنه لا يمارس فنه بصفة دورية؟

2- خصص مكاناً مريحاً ودافئاً للكتابة ولا تضع لنفسك قالباً معيناً فقط مكان يتوفر فيه الراحة كما تراها أنت لا كما يراها الآخرون.

3- لا تجبر الفكرة على الحضور ولا تلوِ عنقها، فقط استرسل في الكتابة ودعها تتدفق من بين جنبيك لا من عقلك فقط وحاول أن تشعر بها وتستشعرها في ضربات قلبك وفي أنفاسك المتهدجة وإذا ما حضرت فلا تكن قاسياً معها وعاملها كطفل رضيع يحتاج للاحتواء.

استقبلها استقبال الفاتحين واحتفِ بها احتفاء المنتصرين هي الآن مثل ولدك.. أمك.. أو حبيبك حتى إذا ما استقرت في كنفك فهي لك أينما ذهبت وأينما حللت.

4- وأخيراً حاول أن تضع بجوارك شيئاً لتأكله إن كنت من محبي الطعام أو انزعه تماماً إذا كان لديك نظام غذائي محدد واستبدله بقطعة كبيرة من الشيكولاتة بشرط أن تكون بالبندق أو الكراميل حتى لا تفسد نظامك الغذائي!

فقط يجب أن تعلم أنك ستحتاج إلى السكريات والعصائر والكثير من المياه لأن المجهود الذهني الذي ستبذله هو أكبر بكثير من مجهودك العضلي.

أما عن القهوة ف فأنا إلى الآن لا أعلم كيف يحتسونها وهي تحمل كل ذلك المرار، وكأن المرار الذي نتجرعه في عالمنا لا يكفي..

ولا أخفيكم سراً أني أعشق فقط رائحتها، كما أنني لا أعلم حتى الآن ما هو الرابط بينها وبين أن يكون الإنسان عميقاً..

يكفيني كوب منها ممزوجاً ببعض الحليب.. ودمتم. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة المهدي
كاتبة ومستشارة أسرية
كاتبة ومستشارة أسرية
تحميل المزيد