“أكتب لأتنفس”.. هل إلهام الكتابة يحتاج إلى طقوس خاصة؟ (2)

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/01 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/04 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش

الحلقة الثانية من سلسلة "أكتب لأتنفس"

هل للكتابة طقوس خاصة؟ وهل ممارسة تلك الطقوس هي السبب في هبوط الإلهام على الكاتب؟ دعوني أسرد لكم ما حدث معي.
 

أنا من الشخصيات التي تحب النظام والترتيب، مكان نظيف مرتب حتى وإن كان متواضعاً، رائحة ورود أو مسك يفوح في المكان، هدوء يعمّ الأرجاء.

هكذا أحب أن أعمل في مكان خاص مغلق يساعد على الإبداع أو طبيعة خلابة، ومياه زرقاء، اللون الأخضر يثبت نفسه، ورائحة موج البحر تحيط بي من كل جانب.

في البداية كنت أتحسس طريقي أجرب هذا وذاك.. ما الذي يجعل الإلهام يسقط علي رأسي المنهك؟ ما الذي يُحيي الأفكار عندي أو يمحوها؟

كنت أتخيل في البداية أن الكتابة في مكان مفتوح والطبيعة تغرد وتعزف على قلبي لهوَ من أقدر الأشياء على ميلاد الإلهام، لكن بعد عدة تجارب اكتشفت أن ذلك كله محض هراء، بالإلهام لا يولد هكذا.

فقد تُهيّئ لك كل الظروف لكنك تمسك القلم وتحاول أن تخط شيئاً على ورقتك وبعد عدة ساعات تنظر إليها كالأبله وأنت تُسائل نفسك: ما تلك الخطوط أو ما هذا الذي كتبت؟ ثم تضطر آسفاً أن تمزق ورقتك أو أن تنحيها جانباً أملاً في إعادة النظر مرة أخرى لتقوم بالتصحيح عندما يأتيك الإلهام.

حسناً ما هو الإلهام؟

الإلهام هو حالة لا شعورية تعتريك في أي وقت وفي أي زمان أو مكان، ولا تحكمه القوانين.

هو عبارة عن فكرة لامعة قد تأتيك بسرعة البرق ثم تختفي وإن لم تمسكها الآن وتدونها تبخرت كما يتبخر بخار الماء.. نعم قد تُخزّنُ في رأسك لتستدعيها مرة أخرى، لكن بعد فترة، أو قد تختفي تماماً وكأنَّ شيئاً لم يكن.

قد تأتي تلك الفكرة وأنت في المواصلات العامة.. وأنت تقود سيارتك.. وأنت منهك بحساب مصروف الشهر وأنت تتجادل مع جارك العنيد وأنت تقوم بجلي الصحون وما أدراك ما جلي الصحون.. بل إنها قد تأتي وأنت نائم لتراها في مناماتك.. أو قد تأتيك وأنت منهك الجسد والروح وما إن تقرر وضع رأسك على وسادتك حتى تجدها فوق فراشك تناديك فما يكون منك إلا أن تقفز مسرعاً لتحتضنها قبل أن تلوذ بالفرار مرة أخرى متناسياً تعب وإرهاق ومعاناتك اليومية.

أذكر أن إحدى أفضل مقالاتي كنت أكتبها على هاتفي الجوال وأنا متكئة على الأريكه.. كنت أكتب لأنني ألزمت نفسي بالكتابة.. يجب أن أكتب.. نعم يجب حتى أتنفس قليلاً.. كنت أعاني من بوادر حالة اكتئابية وكان الحزن يسيطر على قلبي لعدة أيام ولم أرد أن أستسلم لتلك الحالة، كنت أصارع وأصارع.. صارعتها بالخروج إلى الشارع، وبالكتابة وضعت العنوان لمقالتي ثم بدأت في السرد.. جاءت الاستجابات على تلك القصة أكثر وأفضل مما توقعت، وكأن الله تعالى أراد أن يرسل لي رسالة ما في ذلك الوقت.

"ورغم الحزن الذي قد يعتريك فإن هناك دوماً ما يساعدك على التنفس".. وبالفعل تنفست من جديد.

حسناً هل هذا يعني أن الكتابة ليس لها طقوس، وأن كل كاتب لا ينتهج طقوساً معينة؟

سأجيب على هذا السؤال في الحلقة القادمة بإذن الله.

حتى ألقاكم لكم منِّي كل الحب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة المهدي
كاتبة ومستشارة أسرية
كاتبة ومستشارة أسرية
تحميل المزيد