هذا ما علمتني إياه كرة القدم!

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/24 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/24 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
مشجعو كرة قدم يشعلون الألعاب النارية بمدرجات أحد الملاعب/ Istock

"لا يكون الإنسان صادقاً إلا إذا كان متناقضاً"، أؤمن كثيراً بهذه المقولة، فالحياة عبارة عن جملة من المتناقضات، وكرة القدم هي مثال واقعي على تناقضات الحياة بين اليأس والأمل، الحياة والموت، الأبيض والأسود.

في لحظة واحدة لا تكاد تُقاس بالزمن حتى تتحول الحياة لموت أو يتحول الموت لحياة، الأسود الذي كان يعبر عن الموت يتحول فجأة لأبيض جميل، يعبر عن تجمع كل الألوان التي تدل على رونق الحياة وبهجتها إنها حقاً تناقضات الحياة، وتجسدها كرة القدم بكل براعة.

في الدقائق الأخيرة من كل مباراة تتكرر تقريباً نفس المشاهد، جماهير خائفة تعد الدقائق والثواني وتترقب عقارب الساعة في تناقض صارخ، دقائق تكاد تكون سنوات ونفس الدقائق تكاد تكون سراباً.

الدقائق القاتلة

كم أبغض وأكره هذه الدقائق اللعينة التي أشعر وكأنها بمثابة عذاب نفسي، فما إن يرفع الحكم الرابع لوحة الوقت بدل الضائع حتى تبدأ مباراة أخرى، مباراة بين جمهورين متناقضين متنافرين، جمهور يشعر وكأن عقارب الساعة قد توقفت ولا تكاد تتحرك أو أنها لا تريد ذلك، وكأن كل دقيقة منها تساوي سنة أو يزيد، أما الجزء الآخر من الجمهور فتكون هذه العقارب هي أول أعدائه والتي تكاد سرعتها تفوق سرعة الضوء. تناقض صارخ محير؛ نفس الملعب، نفس الزمان، نفس المكان لكن شعور متناقض، ولو استطعنا قياس هذا الفارق بين الشعورين لكان يساوي المسافة بين السماء والأرض.

أعين تترقب، قلوب تنبض بسرعة من أجل لحظة واحدة، لحظة عبور الكرة خط المرمى، هي اللحظة المقدسة، هي اللحظة المنتظرة، هي بمثابة كل شيء، الهدف المنتظر والنشوة التي ينتظرها المشجع، رغم أنه في كثير من الأحيان لا تلبي الكرة رغبته وتكون عاقة وناشزة فتأبى أن تعبر ذلك الخط الفاصل.

الخط الذي يفصل بين الحياة والموت، الأمل واليأس عند عبور الكرة، ولو استطعنا تصوير تعبيرات وجه كل مشجع لكانت أقرب للحظات الجنون، صراخ بأعلى الصوت، قفز، هتاف، تصفيق، رقص، وحتى بكاء وعناق، ولا أكاد أرى في الحياة ما يجمع بين كل هذه المشاعر المتضاربة إلا كرة القدم.

نهائي 1999.. النهائي الحزين

نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1999، في ملعب نيو كامب في برشلونة، واحد من أكثر النهائيات دراماتيكية، وواحد من النهائيات التي بقيت راسخة في ذهني ولن أنساها ما حييت.

قدم نادي بايرن ميونخ واحدة من أفضل مبارياته على الإطلاق، وسيطر سيطرة كاملة على المباراة وكان هو الفريق الذي يستحق الفوز لكن الكرة عاندته ورفضته.

 تقدم في النتيجة وخلق أكثر من فرصة سانحة للتسجيل وأصاب كرتين؛ واحدة في القائم والأخرى على العارضة الأفقية، لكن رغم كل هذا خسر المباراة بطريقة أكثر من قاسية، خسر المباراة في دقيقة واحدة تقريباً وتلقى هدفين متتالين وكأنهما بمثابة رصاصتين قاتلين في القلب.

تناقض هذه المباراة عجيب غريب، في دقيقة واحدة انقلب كل شيء من النقيض إلى النقيض، ففريق بايرن ميونخ الذي كان لاعبوه يتأهبون لرفع الكأس والتتويج بها يصبحون هم الفريق الخاسر.

ولاعبو مانشستر يونايتد يصبحون هم الأبطال! في دقيقة واحدة انقلب كل شيء؛ أصبح الأول ثانياً والثاني أولاً، وأصبح الوصيف هو البطل، وتحول الذهب إلى فضة والفضة أصبحت ذهباً.

وقال الحكم الإيطالي الشهير كولينا الذي أدار هذا النهائي، عندما تم سؤاله عن أعظم لحظة في مشواره التحكيمي: "كانت آخر دقيقتين، رأيت لاعبي البايرن في مقاعد البدلاء يستعدون للاحتفال باللقب، الجماهير سعيدة في الملعب بتتويج فريقهم بلقب رابطة الأبطال، فجأةً سجل مانشستر هدفين في دقيقتين وقلبوا النتيجة، لن أنسى أبداً كيف كانت مدرجات الإنجليز تعج بضجيج عظيم كأنها أسود تزأر، بينما كان هناك صمت جنائزي في مدرجات البايرن، كان لاعبو المان يونايتد يحتفلون بهدفهم الثاني بشكل هيستيري حين رأيت أحد لاعبي البايرن ساقطاً على الأرض، يائساً تماماً وهو يشعر بخيبة عظيمة، اقتربت منه ولم أجد ما أقوله له سوى "انهضوا وقاتلوا! مازال لديكم عشرون ثانية"!

 في تلك اللحظة رأيت الوجه الحقيقي لكرة القدم: الموت والحياة في ملعب واحد، أناس يحتفلون بجنون، وأناس يائسون حتى الموت!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سالمي
مهتم بكرة القدم وريادة الأعمال
تحميل المزيد