بعد انتقال ميسي إلى باريس.. هل أصبح فريقاً لا يُقهر أم هو جلاكتيكوس جديد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/15 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/24 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
ميسي ونيمار من تدريبات فريق باريس سان جيرمان/ رويترز

في الأيام الماضية رحل ليونيل ميسي عن برشلونة إلى باريس، ووقع عقداً مدته عامان مع نادي العاصمة الفرنسية باريس سان جيرمان مع خيار التجديد لسنة إضافية، في حدث ليس بالهيّن أبداً. مَن تابع مسيرة ليونيل ميسي يدرك جيداً أن موطنه الفعلي هو برشلونة، المدينة التي قضى فيها أغلب سنين عمره، وقاد برشلونة إلى المجد لسنوات عديدة، قيمة الحدث تكمن أكثر في أنه جاء عكس المتوقع، ففي ليلة وضحاها، انقلبت مسيرة ليونيل ميسي رأس على عقب، بالانتقال إلى باريس سان جيرمان بدلاً من الاستمرار مع برشلونة، لأسباب اقتصادية وقوانين الليجا، لكن دعونا نسأل سؤالاً مهماً للغاية، هل بعد ما حقق ناصر الخليفي، رئيس النادي العاصمي، حلمه بالتعاقد مع ليونيل ميسي، جعل فريقه لا يقهر، أم هو جلاكتيكوس جديد؟

أحلام وردية أم عبء ثقيل؟

الأرجنتيني ماوريسو بوتيتشينو، مدرب باريس سان جيرمان، لديه مجموعة من اللاعبين يحلم بها العديد من المدربين، لكن ذلك زاد من طموح الجميع تجاه الفريق، ربما لو خسر الفريق مباراة واحدة أو قدم أداءً ليس بالجيد سينظر إليه البعض على أنه فاشل، كيف يكون لديك كل هؤلاء النجوم ولا تحقق دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات في العام الواحد؟ لكن في حقيقة الأمر أنا مشفق جداً على المدرب الأرجنتيني، لأن إدارة مجموعة كتلك ليس بالهين أبداً، لا على مستوى الشخصية فقط، بل فنياً أيضاً، لأن بكل تلك التعاقدات عزز باريس سان جيرمان نقاط القوة لديه بالفعل، لكنه لم يقلل من نقاط ضعفه.

دعونا ننسَ الرومانسية قليلاً

في الصيف الماضي، وقت ارتباط اسم ليونيل ميسي بالرحيل إلى مانشستر سيتي، كتب المحلل والكاتب الرياضي وصاحب كتاب الهرم المقلوب جوناثان ويلسون مقالاً في صحيفة الجارديان البريطانية بعنوان "دعونا ننس الرومانسية، لمّ شمل ليونيل ميسي وبيب جوارديولا لن يجعل مانشستر سيتي فريقاً أفضل"، ربما هو عنوان مثير للجدل، ولا يتفق معه مشجعو اللعبة البُسَطاء، لكن كرة القدم الحقيقية ليست كالبلايستيشن، هنا من يحقق التوازن هو من يتفوق، في مضمون كلامه أكد جوناثان ويلسون أن كرة القدم اليوم ليست مرتبطة بالاستحواذ، بل هي مرتبطة أكثر بالاستعادة، أي استعادة الكرة فور فقدانها، فكلما استرجعت الكرة بشكل أسرع، كلما برهنت على تفوقك، فكرة القدم خطيرة جداً في التحولات الهجومية، حيث إن أخطر حالات اللعب هي التحولات كما أخبرنا جوزيه مورينيو، بل عرفها لويس فان جال بأنها لعبة التحولات في الأساس، من يتقن التحولات الدفاعية والهجومية يختصر على نفسه مسافات من المشقة.

في موسم 2009/2010 كان معدل استرجاع ميسي للكرة خلال المباراة الواحدة بمقدار 2.1 مرة، تراجع ذلك الرقم في آخر مواسم بيب جوارديولا مع برشلونة إلى 1.2 مرة خلال المباراة الواحدة، وبعد رحيل بيب جوارديولا عن برشلونة معدل استرجاع ميسي للكرة لم يتخطَّ 1 مرة خلال المباراة الواحدة، في حين أن البرتغالى بيرناردو سيلفا يسترجع الكرة بمعدل 1.8 مرة خلال المباراة الواحدة.

استعان جوناثان ويلسون بتلك الإحصائيات للتأكيد على أن وجود ليونيل ميسي في مانشستر سيتي لن يساعدهم على استعادة الكرة بشكل أسرع، وهذه هي أكبر معضلات السيتي في ذلك الوقت. بالطبع ليونيل ميسي سيساعد الفريق على الاحتفاظ بالكرة أكبر وقت ممكن، وفي صناعة العديد من الأهداف وفي تسجيلها أيضاً، ذلك أمر متوقع، لكن السيتي ليس بحاجة لإضافة هنا، فالفريق جيد بما فيه الكفاية في تلك النقاط، وجود ميسي سيعزز تلك النقاط بالتأكيد، لكنه لن يحل أكبر مشاكلهم.

الوضع في باريس سان جيرمان مشابه نوعاً ما لوضع مانشستر سيتي، بل إن باريس فريق أكثر هشاشة دفاعية من السيتي، وهيكله ليس بنفس قوة هيكل السيتي، ووجود ليونيل ميسي سيضيف للفريق في النواحي الهجومية، ميسي لاعب يسجل تقريباً 40 هدفاً في الموسم الواحد، ويصنع ما بين 15 إلى 20 هدفاً آخر، بالإضافة لقدرته الرهيبة على تسجيل الأهداف من فرص صعبة، ميسي هو أكثر لاعب سجل أهدافاً أعلى من المتوقع منذ اختراع إحصائيات الأهداف المتوقعة منذ نحو 7 مواسم، بفارق كبير عن المركز الثاني بعده هاري كين في الدوريات الخمس الكبرى، لكن هل باريس سان جيرمان كان بحاجة لأهداف أكثر؟ بالطبع كانوا يمتلكون قدرات فردية تمكنهم من الوصول لمرمى المنافس بعدد لا بأس به من المحاولات، ليونيل ميسي ربما سيزيد من نقاط القوة في باريس سان جيرمان التي هي موجودة بالفعل، لكن هل سيحل مشاكل الفريق الأساسية بدون الكرة؟

"اختيار أفضل تشكيلة ليس معناه اختيار أفضل فريق"

تلك مقولة عظيمة لعراب كرة القدم الهولندي الطائر يوهان كرويف، نعم إذا جلبت أحسن ظهيرين في العالم وأحسن حارس مرمى وأحسن قلبي دفاع، وأحسن لاعبي وسط وأحسن أجنحة ومهاجمين، ربما تكون جلبت أفضل تشكيلة للفانتازي، لكن طبيعي جداً أن يكون ذلك الفريق مليئاً بالعيوب على مستوى المنظومة، فتعدد المواهب قد يضر أكثر مما يفيد، ولكم في جلاكتيكوس ريال مدريد في 2003 عبرة، كان فريقاً يضم أفضل لاعبي العالم في ذلك الوقت، لكنه كان فريقاً سيئاً جداً، لم يفز إلا بثلاث بطولات فقط خلال 4 سنوات، ولم يتمكن من الفوز بدوري الأبطال، بل خرج من أدوار متقدمة في أكثر من نسخة، في دهشة كبيرة لمشجعي الكرة حول العالم. نعم لأن ذلك الفريق افتقد للتوازن، هناك أربع حالات لعب غير الكرات الثابتة في كرة القدم عليك أن تتقنها جيداً كي تحقق التوازن، وهي (الدفاع، الهجوم، التحول من الدفاع إلى الهجوم، التحول من الهجوم إلى الدفاع)، كيف ستتقن الدفاع بفريق فيه ثلاثة إلى أربعة لاعبين على الأقل ليسوا جيدين في تلك الحالة؟ نيمار ومبابي وميسي ودي ماريا، كيف ستتحول من الهجوم إلى الدفاع بهم؟ هل ستتمكن من استعادة الكرة سريعاً بعد فقدانها في وجودهم جميعاً في آن واحد؟ كيف ستتصدى لتحولات الخصم الهجومية؟ هل ستمتلك الكرة بنسبة استحواذ 100% ولا تتعرض لتحولات هجومية إطلاقاً؟ قطعاً لا.

فينالدوم أم فيراتي؟

رأينا على مواقع التواصل تشكيلات متوقعة لفريق باريس سان جيرمان بعد قدوم ميسي، البعض منها كان مثيراً للدهشة، وكأن من يوزع اللاعبين لا يدرك ما هي أدوارهم الحقيقية، رأيت في تشكيلة sky sports المتوقعة لباريس ثنائية بين فينالدوم وفيراتي في الوسط، هذا هراء كروي، لأن وجودهما هنا ليس هو الأمثل، وربما يحدث بينهما تداخل في الأدوار، فيراتي أكثر شمولية من فينالدوم بالكرة وبدونها، ولعب في المركز رقم 10 مؤخراً، وفينالدوم هو لاعب رقم 10 بأدوار دفاعية، يتحول إلى مهاجم ثانٍ في العرضيات، ويتوقع مسار الكرة في الكرات الثانية، لا تجمعهما تشكيلة واحدة إلا في رسم 4_3_3 وربما أيضاً يحدث تداخل في الأدوار الهجومية، إنما في 3_4_3 و 4_2_3_1 في ثنائي محوري في الوسط لا يجتمعان أبداً، هناك باريديس أولاً، ثم نضع بجانبه لاعباً آخر.

باريديس، المحرك أهم من طلاء البينكلي بالذهب

قبل مجيء ديفيد بيكهام إلى ريال مدريد، طلب ماكيليلي زيادة في الراتب، إدارة الفريق لم تقدر قيمته لأنهم لم يدركوها في الأساس، وتركوه يرحل إلى تشيلسي، على أساس أنه ليس لاعباً مهماً، وطبقاً لمقال كتب في Bleacher report أن زين الدين زيدان لم يعجبه ذلك، وقال: "لا أفهم لماذا تقوم بوضع طبقة ذهب جديدة على سيارتك البينكلي وتفقد المحرك بالكامل؟"، يقصد بالمحرك ماكيليلي، وبطبقة الذهب ديفيد بيكهام، ورحيل ماكيليلي أثر بشكل كبير على توازن الفريق، الأمر في باريس مشابه، ليوناردو باريديس هو محرك الوسط بالفعل، هو ليس مجرد مخرب هجمات فقط، بل هو من يبنيها في الأساس، هو من النوادر في مركزه، من أشمل لاعبي الارتكاز على الساحة حالياً، متمكن من القيام بجميع الأدوار بدون الكرة وبها، يملك بروفيل يشابه نوعاً ما بروفيل تشابي ألونسو، حتى في  التمريرات الطولية، بارع جداً، لاعب يملك قدراً كبيراً من الشمولية، من وقت كبير لم يمر على كرة القدم لاعب ارتكاز بهذا الشكل، تشكيلة باريس سان جيرمان لابد أن يوجد بها باريديس أولاً في الوسط، ثم نرى من يوضع بجانبه، فهو من أهم العوامل اللازمة لتحقيق التوازن في الفريق.

في النهاية مهمة ماوريسو بوتيتشينو ليست سهلة كما يعتقد البعض؛ إدارة مجموعة كتلك ليست بشيء هين، فنياً قبل أي شيء، بالإضافة إلى الضغوط التي ستنهال على عاتقه بسبب ثقل الأسماء التي يمتلكها، حيث إن من يعيش تحت هذه الضغوط لا يرى الوضع بشيء من الحكمة. تحدٍ كبير للمدرب الأرجنتيني، نجاحه الحقيقي ليس في الفوز، لأنه من الممكن أن يأتي بطرق لا دخل له فيها، بل في تحقيق التوازن بتلك المجموعة، لنر ما سيحدث هذا الموسم إن شاء الله.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد رضا منصور
كاتب ومحلل رياضي
مهندس مصري، باحث رياضي، ومحلل أداء سابق بالنادي الإسماعيلي.
تحميل المزيد