لكي يكون الزواج سكناً لك يجب عليك أن تبذل مجهوداً في ترتيبه والعناية به لكي تتذوق ثمرة جماله، لا أدري من أين أتى تصور أن الإنسان يتزوج ليرتاح فقط؟ وما هو معنى الراحة المتوهم الذي بسببه تختل المقاييس وتنفرط به كل الثوابت.
دعنا أولاً نفند معنى الراحة، ونؤكد أن الراحة المتصورة في عقلك بعدم فعل شيء وعدم السعي والركون وتوقف الاهتمام والبذل، ليس لها مكان في الدنيا، وإنما مكانها فقط في الجنة. وإنما راحة الدنيا كلها في السعي والبذل والاهتمام، إذ تأتي الراحة كثمرة للفعل، ولن تجدها تقع عليك من السماء وحدها.
كل معنى في هذا الدنيا موكل بسعيك، فعندما تريد الطعام هل تجلس منتظراً وقوعه من السماء عليك؟ فعندما تريد أن يكون بيتك نظيفاً لترتاح فيه ألَا تقوم بتهيئته وتبذل فيه نظافته لتتمتع به؟
تعطيل البذل في بناء البيت نفسه، في بناء العلاقة نفسها بينك وبين شريك حياتك، هو مما عمت به البلوى ورسخت به أعشاش العنكبوت في بيوتنا، فلا يريد الرجل البذل في حب زوجته وتفهمها، ولا يريد أن يتفكر في احتياجاتها فيسددها لها حسب قدراته واستطاعته لكي يتذوق جمال سكنها ودفئها، كما لا تريد المرأة أن تبذل في حسن ظنها بزوجها، ولا تريد أن تتعب في تفهم طبيعته لتعطي له مليون عذر حين تستشعر منه تقصيراً، لا تريد أن تتعب في التودد، فمشاعرها السلبية تتراكم لعدم بذلها كما ينبغي في المكان السليم.
الاثنان يبذلان في المسؤوليات، فيشعران بضغط شديد، ويتصور كل منهما أنه دون البذل في ود الآخر سيجد راحته وسكنه؛ فيفاجأ كل منهما بتراكمات سلبية داخل شريكه تمنعه ليس فقط من العطاء، بل تمنعه حتى من استقبال الحب، وينفر عند القرب منه، لا يصدق كلمة الحب، وهذا كله لطغيان مشاعره السلبية حينها.
ولهذا فمن المطلوب أن نتفهم أننا كبشر بنا من الضعف ما يجعلنا ننظر للأمور بشكل قاصر محدود سلبي في بعض الأمور، وإزالة السلبيات تكون بالتواصل الإيجابي الرحيم، الذي فيه تجرد من الذات، وبه الكثير من الرفق والتفهم والشعور بالآخر، والرغبة الحقيقية في مساعدته وتسديد ما يحتاج دون الشعور بالدفاع عن النفس أو كسب أرض ومنفعة ذاتية.
الهروب من التواصل يزيد الفجوة بتراكم المشاعر السلبية التي تحتاج لغربلة مستمرة وتصويب، تحتاج لاستيضاح وفهم المعاني وراء تصرفات شريك الحياة. بالسؤال والمراقبة، والتودد والرحمة- يبدأ الشريكان بالتقارب النفسي حتى يصلا سوياً لمرحلة "هُن لباس لكم وأنتم لباس لهن".
هذا القرب الذي يمثله اللباس لنا، قوة التصاقه بالجسد، وقايته لنا، تحسين صورتنا الجمالية، دفء وستر وجمال وحماية. كل هذا افتقد بين الزوجين وصارا يتعاركان ليبقى كل منهما على قيد الحياة بالصورة التي يريدها، وليس بالصورة الواقعية التي تشملهما سوياً.
من يعتني بعلاقته بشريكه ويتحمل تعب ومشقة نزع الأشواك من حديقته لينعم بجمال طلة وروده فيها هو الذي تذوق لذة الزواج الحقيقية، العلاقة الزوجية قادرة على أن تكون علاقة شافية حين يقتربان هكذا ليظلل كل منهما على الآخر، فيرى كل منهما نفسه في عين شريكه بالصورة التي تعينه على تحمل الحياة.
وانظر إلى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين استشعر رهبة الوحي، فذهب إلى زوجته خديجة رضي الله عنها وعبر لها عن مخاوفه، وانظر كيف طمأنته؟ كيف ذكّرته بنقاط قوته لكي يشعر بالأمان مرة أخرى.
وأفكر لو حدث مثل هذا في زماننا هذا كيف ستتصرف بعض النساء؟ إذا ذهب الزوج لها عندما يصيبه مشاعر الوهن هل ستقويه أم ستقصم له ظهره وتعدد له كيف لا يتحمل المسؤولية… وإلى آخره؟
وانظر مجدداً إلى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وتصرفه مع السيدة عائشة حين غارت فكسرت الصحن على الأرض أمام بعض الصحابة، هل دافع عن ذاته وشعر بالرغبة في تقويم سلوكها وأخذه على محمل أنها أساءت له أمامهم؟ أم اكتفى بالتفهم وأشار بهدوء "غارت أمكم"؟
هذا هو الفرق بين الأزواج المتحابة وبين صراع الديوك الموجود في بيوتنا، نحتاج أن نتعب قليلاً في علاقتنا وإدارة معانينا فيها لكي ننعم بزواج فيه نعم السكن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.