بعد أن مات أبي!

تم النشر: 2021/07/15 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/15 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
Istock

اعتراف

هل لي أن أُفصح عن شيء عالق في صدري يا أبي، أظن أنك لن تمانع كما عهدتُك دوماً، أعترف لك يا أبي أن كل شيء تغيّر بعدك، كل شيء، حتى أحلامي وطموحاتي، وكأنّي في معركة ضروس دون سلاح، هل تدرك عمق هذا التشبيه يا أبي؟ أعترف لك أنني كنت مخطئاً في كثير من التقديرات، بل كلها، كنت أنت أعلم وأجل وأحكم يا أبي، اعتراف متأخر أليس كذلك؟! نعم أعلم، لكني أعلم أيضاً بأنك ستعذرني، فمنذ متى جئت في موعدي؟ يا أبي كيف لك أن تتحمل كلَّ هذا وحدَك ولا تُبالي؟ كيف لك أن تكون الشخص وضده؟ أن تبتسم لنا وفي قلبك ألف همٍّ ومعاناة.


أمعقول كل هذا الحب؟ لله دَرّك يا أبتِ.

يسألني صديقي عن أبي؟

سألني صديق مقرب عن سكوتي الدائم وانقطاعي المريب، فقلت له مقالةً عن فقدان الشغف في حياتي بعد وفاة أبي، فأجابني برتابة: وأنا أيضاً أبي مات، كلنا لها يا صديقي، فلا تغلق عليك بابك.

صديق جاهل حقاً، أليس كذلك يا أبي، لا تُجهد نفسك في الرد عليه، دعني أنا أُجيبه لعله يفقه من أمرنا شيئاً:

يا صديقي إنني لم أفقد أباً فقط، إنني فقدت صديقاً كان يؤنس وحدتي، وحبيباً يمسح أحزاني، وجليساً لا أملّ منه، يا صديقي إنني وأمّي وإخوتي الثلاثة كل منا لديه حالاته المزاجية الخاصة به، فمنا الكتوم، ومنا الجريء، ومنا المتسرع، ومنا الذي لا يستقيم على طريقة واحدة، ومع ذلك كان يجيد التعامل بدقة، والرأي برشد، والصبر في الضجر. هل وعيتَ قولي يا صديقي؟

فكيف بالله أن أكون اعتيادياً بعد ذلك؟

إنني أعذر الجميع يا أبي حين يرونني مبالغاً في الوصف أو الحزن، إنهم لا يعلمون ما أعلم، ولو عملوا قليلاً لبكوا كثيراً على فقدك مثلي تماماً.

ما أريد قوله

كل ما أردت قوله لكم أن أبي لا يزال صاحب تأثير قوي في حياتي، ما زلت أبتسم كلّما تذكرت حديثه، مزاحه، حركاته، نصائحه. ومن نصائحه العالقة بذهني أنه كان يرشدني دائماً إلى الصبر، وتجديد حبل الوصال بالله حينما كنت أشكو إليه بثي وحزني من عثرات الطريق.

أرشدني أبي إلى القويّ الذي لا يُضام عنده أحد، ولا يخذل مَن قصده، ولا يرد من جاءه… فما أجملها من وصية يا أبي، وما أحوجني إليك الآن.


غفر الله لك يا أبي، وأسكنك الفردوس الأعلى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود عبدالعزيز
محرر صحفي
حاصل على دبلوم في العلوم السياسية ودرجة باحث سياسي في مجال الإعلام، كما حصل على تمهيدي ماجستير من معهد الدراسات العربية، والآن في مرحلة التحضير للماجستير، وأعمل محرراً صحفياً في موقع إلكتروني.
تحميل المزيد