نوقن أن الخطأ وارد في كل فكر بشري، ولكن نشر الخطأ بغزارة والتعريف به وكأنه "البلسم" الشافي والمنقذ هو ضرر وأذى يجب التحذير منه. ولذا كانت هذه الأسطر للتحذير من أخطاء شائعة "يروّجها" قطاع كبير من المحاضرين بالتنمية البشرية، وما أكثرهم بالعالم العربي، إذ يكفي لمعظمهم حضور بعض الدورات التي تتراوح مدتها من أيام لأسابيع، ويتحول الطالب لمحاضر يتحدث بثقة "غريبة"، ويمنح نفسه الحق في امتلاك الحقائق دون الوقوف على أرضية من الخبرة السليمة والتجربة الواقعية، ويعوض ذلك باستخدام بعض التعبيرات الأجنبية، والإشارة لبعض الأسماء المعروفة بالمجال، وكأنهم عُصموا من الخطأ، ولم يتعمد بعضهم الخطأ، ولا ننسى الإفراط في الدعاية والديكورات بقاعات التدريب عبر الإنترنت، والإقامة الفخمة بالدورات الواقعية؛ فالإبهار "يعطل" العقل، ويقلل من قدرته على التقاط العيوب.
استفزاز وتخدير
نبدأ بما قاله محاضر يتباهى البعض بأنهم تلاميذه، قال بفيديوهات قلت لرئيسي في العمل سأخبرك أمراً جيداً لي وسيئ لك، فسأتقدم في العمل، وسأكون يوماً بمكانك، ثم يؤكد بابتسامة أن ذلك تحقق بالفعل.
وذلك "استغفال" واضح؛ فألف باء التعامل مع الرؤساء في العمل ألا نسعى لاستفزازهم بالقول ولا بالعمل، وألا نصنع عداوات يمكن منعها، فأي رئيس في الكون لن يرحب بهذا الكلام، وسيُعاقب من يقوله، ولن يرضخ له ويتركه ليحتل مكانه.
نفس المحاضر تحدّث عن سيدة تعمل بقطاع النظافة بفندق، وخلال أعوام قليلة اشترت هذا الفندق، وهذا تخدير للناس وكذب "فاضح"، فمن أين ستأتي عاملة النظافة بثمن بيت وليس فندقاً وإن واصلت العمل ليلاً ونهاراً؟!
ونصل للأكذوبة الشائعة جداً بالتنمية البشرية، والخاصة بأنك إذا واصلت التفكير في أمر ما فسيرسل عقلك ذبذبات لهذا الأمر، وسيتحقق بعد تحديد ما تريده جيداً والثقة في إمكانية حدوثه والتركيز في التفكير به لدقائق يومياً.
وهذا هراء واضح؛ فإذا كان الأنبياء عليهم السلام لم يمنحهم الخالق عز وجل هذه القدرات، بل كافحوا وجاهدوا وتحملوا أقسى أنواع المعاناة لسنوات طوال ليبلّغوا رسالتهم، فما بالنا بالبشر العاديين!
ولو كان نيل المطالب بالتفكير دقائق يومياً لما فشل إنسان في العالم.
ونُنبه لخطأ ما يسمى بجذب شريك الحياة؛ فقد استغلّ بعضهم تأخر زواج بعض البنات ونصحوا البنت بالتفكير في شاب والتركيز عليه حتى يأتي إليها؛ فأوقعوا بنات في مشاكل كثيرة.
أوهام واستخفاف
يخدعون الناس بالإعلان عن دورات لفهم "كل" الشخصيات، ولا يوجد بشر يستطيع فهم الجميع، فهذا غير واقعي، ونستطيع بعد الاستعانة بالرحمن التريث وألا نندفع في الثقة وتأجيل ردود أفعالنا، وألا ننخدع بالانطباعات الأولى عن الناس؛ فالبعض يجيد الخداع.
ونتوقف عند ما يسمونه بخرائط البشر، فهذا خطأ، فكل إنسان له "بصماته" الخاصة، وكذلك نرفض تقسيم الناس لعاطفي وحسي وبصري. فهذا أشبه بأوهام الأبراج وحظك اليوم، فكل إنسان لديه بعض هذه التوصيفات، وبدلاً من تشتيت الانتباه لنظريات بالهواء لا تلامس الواقع فلنهتم بجمع معلومات عمن نتعامل معهم ولا نتجاهل "العلامات" التي توضح سوء نواياهم وأفعالهم الخبيثة.
ويدعون أننا بالتركيز على مزايا الناس سيكونون أفضل معنا، ويفترضون أن البعض سيئون "فقط" لأن من يتعاملون معهم لا يرون مزاياهم، وكأننا من نصنع بذور الشر بنفوس الآخرين عندما لا نمتدحهم.
ستجعلنا رؤية مزايا الناس نتعامل معهم أفضل، ولكن ذلك ليس كافياً ليقرروا "هم" حسن التعامل معنا، فهذا استخفاف وجهل بحقائق الحياة الواقعية.
وليس صحيحاً ما يروّجونه بأننا عندما نتقبل أنفسنا جيداً فسيتقبلنا الناس أجمعون؛ فلا أحد يتقبله الجميع، ولا يجب السعي لذلك، فمن يلهث لقبول الناس به يخسر نفسه ويقدم التنازلات للفوز بذلك.
والصواب رؤية عيوبنا لنسعى لتغييرها، وأن نفعل الصواب لإرضاء الله عز وجل أولاً، ثم لنفوز بالرضا الذكي عن النفس؛ وهو الذي نفرح به لأي تحسن ونرفض الاستمرار في الأخطاء بدعوى تقبلنا لأنفسنا.
ألوان وروائح
نرفض ما يكرّرونه باستماتة بأن نتقبل أخطاء الناس، فتقبلنا لها وتسامحنا معها سيجعلنا نفعلها ولو بعد حين، والصواب إنكار الخطأ دوماً والسعي لتغييره -إن استطعنا- وعدم خداع الناس بتبريره لهم. كذلك خطأ أننا عندما نغير طريقة تفكيرنا فالجميع سيعاملوننا أفضل، فالصواب أننا مع التفكير الهادئ والمنظم سنهدأ وسنفكر أفضل، وسنتمكن بمشيئة الرحمن من التواصل الأفضل، ومهما تمكنا من إجادة التفكير فلن نمسك "ريموت كنترول" لتغيير الناس كما نرغب.
ومن الأخطاء الشائعة المبالغة في تأثير الألوان والروائح والموسيقى على الإنسان وتغييرها لحياته، ولكل ذلك "بعض" التأثير المؤقت، فلا أحد سينجح في حياته ويحقق النجاح ويتحسن نفسياً وصحياً "فقط"، لأنه أحاط نفسه بألوان معينة، واختار روائح خاصة، واستمع لموسيقى بعينها، فلا قيمة لذلك ما لم يتخذ الإنسان قراراً بأن يكون أفضل، وأن يستعين بالله ولا يعجز، وأن يتخلص من "معوقات" نجاحه.
وكذلك الحديث عن طاقة المكان، ولا شك أن للمكان بعض التأثير السلبي أو الإيجابي، فعندما يكون به فوضى أو غير منظم أو غير نظيف أو ضيق جداً أو مزدحم بالناس أو بالأثاث سيتسبب في بعض الضيق والعكس صحيح، فسيمنح الراحة مع وجود بعض التأثير "اللطيف" لتناسق ألوان الأثاث والحوائط، والابتعاد عن الألوان الصارخة أو القاتمة.
أما الحديث عن أماكن وضع المرآة، وهل ندخل البيت من الباب الرئيسي أو الخلفي، وأين نضع السرير وما شابه ذلك فهذا كلام غير علمي، وإن انتشر فهذا لا يعطيه مصداقية.
خداع وادعاء
ننبه لخطأ الادعاء بأننا إذا كررنا التصرف لمدة 21 يوماً فسيبقى عادة، ولنتذكر الملايين الذين يقومون بإنقاص الوزن لأشهر ويتراجع غالبيتهم، ومنهم من يزداد وزنه بأكثر مما كان، فنحن بشر ولسنا آلات تتم برمجتها، وما نستمر به ونجعله عادة يحدث بعد توفيق الرحمن بالطبع؛ لرغبتنا في الاستمرار بالفوز بمكاسبه، وقمنا بدراسة جدوى بعقولنا، وعرفنا أن الجهد الذي نبذله للاستمرار به يستحق العائد الجيد الذي نحصل عليه، ولذا قررنا أن يصبح عادة.
ولنحذر القول الذي يرددونه كثيراً: رأي الآخرين فيك لا يهمك، فالمهم ما تقوله لنفسك، وهذا خطأ بشع، فيحرمنا من الاستفادة من ملاحظات الناس ومن الذكاء التنبه لأخطائنا التي يحدثنا بها الآخرون وعدم الضيق بمن يقولها لنا ولنتدبر قول الخليفة عمر بن الخطاب: (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي).
ونصل للقراءة التصويرية، أي أن تقرأ كتاباً في دقائق، وهدف القراءة التركيز للتعلم، فأي علم هذا الذي يمكن اكتسابه بدقائق؟!
وخطأ الزعم بالضغط على أماكن بالجسم للشفاء من الخوف أو من القلق، فالصواب أن ذلك يهدئ الجسم فقط وهو موجود بالطب الصيني، أما علاج الخوف والقلق فيكون بمواجهة أسبابه والتدرب عقلياً على التعامل معها بلا جزع.
وكذلك وهم تعلم لغة في شهر، وكيف تصبح مليونيراً في ستة أشهر، كل ذلك يؤذي من يصدقونه، فيجعلهم يُسرفون في التوقعات ثم يصدمون بالفشل ويتهمون أنفسهم ويفقدون الثقة بقدراتهم على النجاح ولا يعرفون أنهم تعرضوا للخداع.
وكذلك الادعاء بأن عدم ارتكاب الأخطاء هو أكبر خطأ، وهذا جدال مرفوض، فلا أحد لا يخطئ، فجميعنا بشر نصيب ونخطئ، ونرفض "تزيين" الخطأ، والصواب التعلم منه وعدم تكراره، أما تبريره فسيكون محرضاً على إعادته.
تنويم وجمر
يعمد بعض المحاضرين لإيهام متابعيهم بأنهم يستطيعون تغيير شخصياتهم عبر التنويم المغناطيسي، وقد شاهدت فيديو لمحاضر شهير استدعى شاباً ليتكلم وكان مرتبكاً لا يثق في نفسه، وأخضعه للتنويم المغناطيسي وإذا به يتكلم بطلاقة!
وهذا نصب واضح، فعلاج قلة الثقة بالنفس يتطلب تدريباً مكثفاً لأسابيع، ولا يتم علاجه في دقائق من خلال خدعة التنويم المغناطيسي.
وكذلك خدعة الأحجار المشتعلة، فيسير عليها المتدرب حافياً، ويفعلون ذلك لزرع القدرة على تحدي الصعاب!
ولا يحتاج الإنسان لـ"حرق" قدميه ليكون أفضل، ولن يواجه التحديات بسهولة بعدها، بل يحتاج لزرع الرغبة داخله ليكون قوياً، وأن يسعى لامتلاك أدواته.
ومن الأخطاء أيضاً أن من "سيبرمج" ذهنه على النجاح سيأتيه فالإنسان يخلق مستقبله، والمؤكد أننا مطالبون بالسعي بجدية لننجح، أما النتائج فلا يشترط أن تأتي كما نرغب، وقد تتأخر أو نفوز بغيرها، ودورنا مواصلة السعي وتغيير الخطط من وقت لآخر، ورفض استعجال النتائج أو التوقف إن لم نحصل عليها، وعندئذ نسارع بمراجعة أنفسنا، لنعرف دورنا في عدم حدوثها واستنهاض الهمم، والبدء من جديد، فالحياة "لن" تتسامح أبداً مع من يتراجعون.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.