عندما تسمع كلمة لعبة يتوارد إلى ذهنك أنها وسيلة للترفيه وقضاء الوقت اللطيف وتتخيل طفلاً ممسكاً بكرة ملونة أو مسدس خرز يلعب به مع إخوته وأصدقائه، ولكن لعبة الساق الخشبية ليست بذلك المعنى المعروف، فإن لعبة القدم الخشبية هي لعبة نفسية خطيرة من إحدى الألعاب التي يتبناها الفرد من أجل الحصول على ما يريد بطرق ملتوية والتأثير عاطفياً على الآخرين.
لعبة القدم الخشبية هي إحدى تلك الألعاب التي يمارسها الناس وهُم على غير دراية بها لأنها طرق مرسخة ومزروعة في مجتمعنا.
يُرجع "إيريك بيرن" في كتابه "ألعابٌ يلعبها الناس" مصطلح الساق الخشبية إلى الناس الذين يواجهون مشاكل معينة في حياتهم، ولكنهم لا يريدون سوى أن يتذمروا ليلاً ونهاراً حول تلك المشكلة، ومهما قدمت لهم من حلول فعالة فهم لا يقتنعون بها، فتجد محترف لعبة الساق الخشبية دائماً في حالة من الشكوى المستمرة التي لا تنقطع عن مشكلة ما يواجهها، فيقدم له المستمع حلولاً معينة فيكون رده المعتاد المزيد من التذمر.
ماذا تتوقع من شخص يمتلك ساقاً خشبية؟ والساق الخشبية هنا هي أي شيء يستطيع أن يلقي عليه اللوم وأي ظرف يهيئ له التملص من مسؤولية أن يتخذ أي خطوات إيجابية، ومحترف لعبة الساق الخشبية ماهر جداً في أن يسقط كل المصائب على الظروف الخارجية التي لا يمكن حلها أبداً، فها هو يشكو من وحدته فينصحه المستمع بأن يبدأ في الاقتراب من الناس، فيكون رده أنه يحب الاقتراب من الناس، ولكنه صار يُفضل البعد عنهم، فماذا تتوقع من شخص واجه الخذلان من جميع أصدقائه؟ وآخر يشكو من أن سنين عمره تمر دون أن يجد شريك حياة مناسباً، فإذا نصح بألا يتردد كثيراً، وأن يتوقف عن تعدد العلاقات، ويبدأ البحث بجدية، فإن رده يكون أن الزواج فكرة رائعة، ولكن ماذا تتوقع من شخص جاء من عائلة مفككة لا تقدس الحياة الزوجية؟ وشخص آخر يشكو من ضيق العيشة وقلة المال فينصحه المستمع بأن يحاول أن يجد عملاً آخر، أو أن يأخذ دورة تعليمية معينة لزيادة مهاراته وكفاءاته، ما قد يزيد دخله فيكون رده ماذا تتوقع من شخص لا يمتلك واسطة؟
إذاً كما ترى، هو شخصٌ دائماً ما يتملص من المسؤولية ويلقيها كلها على الظروف الخارجية التي يرى أنه ليس له صلة بها على الإطلاق، ولا يستطيع أن يتدخل فيها، فهو دائماً ضحية الوالدين، ضحية المدير، ضحية الروتين، أو الواسطة أو التعنت، وهكذا لن تنتهي أبداً أسبابه وظروفه وشماعاته التي يعلق عليها سلبيته وأخطاءه.
وقد يصل به الأمر أن يلبس تماماً ثوب الضحية ويبدأ في التعامل مع المحيطين به والعالم كله بعقلية الضحية، فعلى الجميع أن يتحملوه ويتحملوا ساقه الخشبية، فهو لن يتغير ولا يستطيع أن يتغير، ولن يفكر أبداً في التغيير، فهو ضحية، وعلى الجميع أن يجدوا حلولاً لإنقاذه من معاناته، وعلى العالم أجمع أن يعاني مثلما يعاني هو.
يسير في حياته رافعاً ساقه الخشبية، متناسياً أن الحياة بها اختيارات عديدة لا بد من أن يخاطر ويتخذها، وأنه مهما كان ماضيه أو مهما كانت نشأته فنعم هو غير مسؤول عن الماضي، ولكنه مسؤول مسؤولية تامة عن تحسين حاضره.
هؤلاء الشكّاؤون البكاؤون لا يجد المرء لصحبتهم متعة، وقد يستغرق وقتاً طويلاً لاكتشاف حيَلهم التي يستخدمونها للتلاعب بعواطف الآخرين، لنيل ما يريدونه منهم، سواء بالمساعدة المباشرة أو بإيجاد حلول لا يعتزم اتخاذ أي منها.
ففي المرة القادمة التي يشكو لك صاحب الساق الخشبية ظروفه القهرية ومشاكله الكارثية توقف عن إيجاد حلول له، واسأله ماذا تتوقع أنت من نفسك؟ وكيف تريد أن تحل مشكلتك؟ وما نقاط قوتك وإمكاناتك بعيداً عن الساق الخشبية؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.