هل التقيت أشخاصاً أسروك بمجرد أن التقيتهم، فأعجبت بهم بشدة، لم يهمك شكلهم، أو مستواهم الاقتصادي، أو مستوى تعليمهم حينها، ولفت انتباهك أيضاً أنهم إذا ما تحركوا في مكان ما أصبحوا محط أنظار الجميع واهتمامهم، بل وتجد الناس يرغبون في الاقتداء بهم، وتقليدهم؟. ما يمتلكه هؤلاء الأشخاص ربما هو نوع من المغناطيسية الخاصة التي تجذب الآخرين وتلهمهم بأن يثقوا بهم، فلا يسعهم إلا الإعجاب الشديد بهم. وربما يشبه ذلك السحر.. بل هو السحر بعينه، إنها الشخصية الساحرة، أو الجاذبية الشخصية كما يسمونها، والتي يُطلق عليها باللاتينية "الكاريزما".
الكاريزما (Charisma) هي كلمة يونانية وتعني الهدية أو التفضيل الإلهي، وهي تشير إلى الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي الذي يتمتع به بعض الأشخاص، فتثير ولاء الآخرين وإعجابهم بذلك الشخص.
والجاذبية الشخصية هي القدرة على التأثير في الناس، وإقناعهم، وتوجيههم، نتيجة وجود صفات شخصية وليس نتيجة سلطة أو مركز. تزداد الجاذبية الشخصية كلما ازدادت قدرة الفرد على التأثير في المزيد من الناس.. الجاذبية الشخصية صفة تأتي من أعماقك تجعل الناس ينجذبون إليك، ويرغبون في قربك والبقاء وقتاً أطول إلى جانبك، يستمعون لكلامك، ويتعلمون منك.
كان يُعتقد لفترات طويلة من الزمن أن الكاريزما صفة داخلية تولد مع الشخص، ولكن مع التطور العلمي والأبحاث التي طالت هذا المجال، والتي انطلقت تُدرب الناس وتكسبهم المهارات المختلفة وتزودهم بالمعرفة من خلال إطلاعهم على نتائج الأبحاث والدراسات، ظهر أن صفة الجاذبية الشخصية تنتج عن مجموعة من السلوكيات بإمكان الشخص أن يتعلمها ويمارسها، وقد استطاع الباحثون رفع الجاذبية الشخصية لدى بعض الأفراد العاديين من خلال جعلهم ينتهجون سلوكيات معينة.
عندما تلتقي مع أي شخص للمرة الأولى، فإنك تكون انطباعاً عنه، من خلال تقييمك له في اللحظات الأولى، حيث يغلب على مشاعرك تجاه هذا الشخص أنه سيصبح صديقاً محتملاً أم أنه سيصبح خصماً محتملاً بعد ذلك؟ وكم التقينا بأشخاص تمنينا أن نبقى معهم لوقت أطول، والتقينا بآخرين تمنينا أن نتخلص منهم بسرعة!. أما عندما تقابل شخصاً يمتلك كاريزما، فإنك ستشعر بأنه يمتلك الكثير من القوة والمعرفة والمهارات، وأنه قريب منك وأن لديه الكثير من المودة تجاهك.
الكاريزما تجعلك تملك قوة خفية داخلية فريدة من نوعها تعطيك القدرة على إقناع الناس، والتأثير في عقولهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، تجذبهم بطريقة عجيبة منذ اللحظات الأولى للقائك بهم، وتترك لديهم انطباعاً قوياً يصعب عليهم نسيانه، ما يميز مشاعرهم تجاهك هي أنها تقع تحت دائرة تأثيرك.
الكاريزما تجعل الناس يحبونك ويثقون بك وينسابون معك وينقادون تحت إمرتك من دون مقاومة بل بكامل رغبتهم لتنفيذ أوامرك، ويتمنون القرب منك والتعرف إليك، ويودون لو يصبحون مثلك، أو يمتلكون بعضاً من قدراتك. الكاريزما هي الشيء الذي يحدد كونك قائداً أم تابعاً، وهي أيضاً التي تحدد ما إذا كان أتباعك على استعداد لتبني أفكارك وأهدافك، أم لا.
جاذبيتك الشخصية تعطيك قدرات عظيمة إن استثمرتها بشكل صحيح، فهي تجعل قراراتك مسموعة، وأوامرك مطاعة، وآراءك يؤيدها الجميع ويقتنع بها، وهي أحد الأسرار التي تضمن لك النجاح في جميع مجالات حياتك.
هل يمكنني اكتساب صفة الجاذبية الشخصية؟
نعم يمكن ذلك، ولكن اكتساب الجاذبية الشخصية يتطلب منك انتباهاً شديداً للطريقة التي تتواصل فيها مع الناس وتتفاعل معهم، فالأشخاص الذين يتمتعون بجاذبية شخصية يتقنون مهارات تكسبهم ود الناس ووقوفهم إلى جانبهم.
يربط الناس عادة الكاريزما بالقادة، والسياسيين، والمشاهير، على الرغم من وجود الكثير من الناس العاديين الذين يمتلكون جاذبية شخصية تجعل جميع من حولهم يعرفونهم ويحبونهم ويفضلون التعامل معهم.
أنك شخص لديك جاذبية شخصية يعني:
· أنك مثقفٌ، وسريع البديهة، ومتحمسٌ دائماً لما تقوم به.
· أنك صاحب مبدأ واعتقاد وفكرة تتفانى لأجلها.
· أنك لا تقدم ردوداً نهائية في المواقف السلبية، فلا تقول لا قطعياً وإنما تستبدلها بـ"ربما، أو من الممكن"، والتي تعطيك فرصة لتقييم أفضل للمواقف وتظهرك مرناً أمام من حولك.
· أنك تثبت نفسك أمام الآخرين في التحديات المختلفة.
· أنك تستخدم لغة جسدك بطريقة تنقل للآخرين رسائل القوة والثقة وتقنع الآخرين بما تريد قوله (والتي سنتحدث عنها لاحقاً في مقالات "جسدك يتكلم.. فماذا يقول؟).
· أنك تنظر في عيون الناس عندما تحدثهم وتوزع نظراتك بينهم دون أن تهمل أحداً.
· أنك تسبغ سحر شخصيتك على من تتعامل معه من الناس وتحدثه، فتجعله يشعر بأنه الشخص الوحيد في العالم، وأنك تصب اهتمامك عليه هو بشكل خاص.
· أنك تتقن فن الحديث إلى الناس.
ولتصبح شخصاً ذا جاذبية شخصية لا تنسَ أن:
1. تظهر ثقتك بنفسك خلال سيرك ووقوفك وحديثك مع الناس.
2. تكون إيجابياً ومتفائلاً ومرحاً دائماً، وتشجع الآخرين على إظهار حماسهم وتفاؤلهم أيضاً، وتجعلهم يبتسمون ويضحكون، ويتجاوزون همومهم.
3. تتقن فن التحكم في مشاعرك وغضبك بما يتناسب مع الموقف.
4. تكون اجتماعياً وتنشئ علاقات مع جميع من تلتقيهم، وتستمع لأحاديثهم عن أنفسهم، وإن تحدثت عن نفسك فافعل ذلك باعتدال، وانتبه أن فعلك لذلك لا يعني أنك تسعى لإرضاء الجميع.
5. تظهر مودتك للآخرين وتوزع اهتمامك بينهم جميعاً بالتساوي من دون أن تهمل أحداً.
6. لا تتبرع بتقديم النصائح للآخرين إلا إذا طلبوا هم ذلك وكنت ترجح أخذهم برأيك، أصغِ إليهم فإن ذلك يظهر اهتمامك بهم أكثر.
7. تظهر الاهتمام بمحدثك من خلال إيماءات جسدك: التواصل البصري، إيماءات الوجه، والابتسامات، هز الرأس خلال حديثه لتشعره بأنك ما زلت تصغي لما يقول.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.