تركتها رضيعة في حواري كندا ثم التقتها قبل وفاتها بشهور.. قصة كاترين العجيبة مع أمها

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/30 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/30 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
iStock

كاترين سيدة جميلة، ذكية، ناجحة ومحبوبة، تعيش حياةً أشبه بتلك المثالية بكل المقاييس؛ إذ هي هنا في أوروبا تعيش وتعمل في وظيفة مرموقة، حيث ترأس أكثر من 250 موظفاً، ويصل راتبها إلى أكثر من 150 ألف يورو سنوياً.
على الصعيد الشخصي كاترين متزوجة، وتعيش حياةً سعيدةً مع زوجٍ يحبها، وأبناء تخرجوا في جامعات أوروبية مرموقة، ويعملون في وظائف واعدة وينتظرهم مستقبل باهر، وهي في بذلك تعيش ما بين العمل والبيت والسفر حول العالم، إما في رحلات عمل أو رحلات استجمام فاخرة مع العائلة.

قد تنظر إليها من بعيد وتُحدثك نفسك قائلة: ما أظن أن الحياة ونعيمها وسعادتها قد اكتملت مثل ذلك لأحد من قبل.

ولكن هي وحدها تعلم الحقيقة، تحسّ في صدرها بذلك الشيء الذي يُنغّص عليها حياتَها وسعادتها، ولا يلحظه مَن حولها لأنه لا يعلمه إلا هي.

تستلقي كاترين على الأريكة الوثيرة، تعود بذاكرتها إلى سن الطفولة عندما كانت في عمر التسع سنوات، عندما كانت تعيش في إيطاليا كطفلة عادية فرحة بين أبوين طيبي القلب، إلا أن شيئاً ما دائماً ما كان يلفت نظر أقرانها في المدرسة. كان عمر والديها كبيراً جداً عن باقي الآباء والأمهات لمن هم في عمرها. فقد كانا كهلين، وفي لحظة فارقة صارحتهما بتلك الملاحظة، بعدما شغلتها وتحمّلت تعليقات أقرانها كثيراً، فكان جواب الأبوين بعد تردد هو الحقيقة الصادمة لها: وأنها طفلة لهما بالتبني بعدما يئسا من الإنجاب، وأنهما تبنياها وهي رضيعة من إحدى دور الرعاية، بعدما وُجدت ملقاةً في إحدى الحواري الكندية. 

تصف كاترين إحساسها وقت معرفتها بالحقيقة فتقول: كان أكثر ما آلمني ليس معرفة أن لي أماً بيولوجية غير أمي التي ربتني في بيتها، ولكن كان أكثر ما آلمني هو شعوري بالرفض والتخلي من أمي وأنا مازلت رضيعة.

وكان أكثر ما يشغلني ومازال: لماذا تخلت عني أمي بعد حمل دام تسعة أشهر؟

هل كنتُ طفلةً قبيحة شكلاً؟

لماذا قررت أن تتخلى عني وأنا قطعة صغيرة من اللحم، وقد كان بإمكانها أن تحتضنني وترعاني وترضعني من حنانها كأي طفلة تحتاج إلى ضمة أمها بعد ولادتها؟
كبرت كاترين وتعلمت ونافست واجتهدت ووصلت إلى أعلى المناصب المتاحة أمامها، وتزوجت وأنجبت وأصبحت في الأربعين من عمرها، ولكن كبرت معها أسئلتها المنطقية البسيطة، وكبر معها ذلك المفقود الذي تعيشه.

عندها كل شيء تحلم به، وعندها كل ما يفتقده الناس من حولها، ولكنها تفتقد شيئاً آخر، تفتقد الأم الحقيقية، وتفقد إجابات الأسئلة التي تتردد دائماً في جنباتها ولا تفارقها؟

وتفتقد إحساس القبول من أمها الحقيقية، وهي التي يقبلها ويتودد إليها كل من حولها، إلا أنها لا تزال تشعر بالرفض الذي رفضته لها أمها ساعة ولادتها!

لماذا تخلت عني أمي الحقيقية؟

تمر الأيام بحلوها ومرها، حتى تصل في يوم إلى العمل منهكة ومرهقة، ويبدو عليها السهر والتعب، فيسألها مديرها فتبوح له ولأول مرة بذلك السر في حياتها. وتخبره بأنه يؤرّق عليها سعادتها، ويؤثر علي تركيزها التام في العمل، وهو أنها تتمنى لو تسافر إلى كندا لتبحث عن أمها لتسألها ذلك السؤال: لماذا تخليتِ عني بعدما حملتِني 9 أشهر؟ هل وجدتِني طفلة قبيحة؟

ولأن الشركة المرموقة التي تعمل بها تهتم بصحة الموظفين النفسية تماماً كما تهتم بصحتهم الجسدية، فتُقرر الشركة رفع روحها المعنوية، وتقوم بتخصيص مبلغ 100 ألف دولار لتعهد إلى محقق استخبارات كندي خاص بالبحث عن أمها التي تركتها منذ 40 سنة. فيحاول أن يجد الأم المفقودة باستخدام القليل فقط من المعلومات، مثل اسم الشارع الذي وجدت فيه، واسم دار الرعاية وعنوانها!

وتحدُث المعجزة، ويتم التوصل إلى الأم بعد ثلاثة أشهر فقط من البحث.

وتتمكن من مكالمة أمها تليفونياً لأول مرة في حياتها، وتتلعثم الكلمات، ويتبخّر ذلك السؤال الذي لطالما حلمت بأن تجد إجابة عنه، ترسل في طلب أمها، وترسل لها تذاكر السفر من كندا إلى أوروبا.

وتأتي الأم، ويتعانقان طويلاً، ويبكيان طويلاً طويلاً، وتسألها أخيراً ذلك السؤال اليتيم، سؤال الطفلة ذات السنوات التسع، لما تركتِني في العراء بعدما تحملتني 9 أشهر؟!

قد أستطيع تفهم أن أبي الحقيقي كانت المسألة بالنسبة له نزوة ولم يرغب في تحمل مسؤوليات طفل، ولكن لماذا فعلتِها يا أمي؟

وتأتي الإجابة التي تأخرت عشرات السنين، تأتي عفويةً تماماً مثل السؤال العفوي: كنتُ صغيرةً جداً، فتاة في الثامنة عشرة وجدت نفسها وحيدة ومعها طفلة وليدة، لا أحد معي، كنتُ أريد أن أتابع دراستي وأكمل حياتي بلا ارتباطات ومسؤوليات. 

تركتُكِ، ولكن ليس لأنك كنتِ طفلةً قبيحةً أو لأنني لم أُحبك، لقد أحببتك جداً، فقط تركتُكِ لأنني لم أكن مستعدةً لاستقبالك.

إجابة أبسط من تلك الحياة المعقدة التي قضتها في انتظار الإجابة.

ولأول مرة تهدأ كل التساؤلات في عقل وقلب كاترين منذ سنين. ولأول مرة تحس بذلك القبول الذي لم تحس به أبداً من قبل، رغم كل ما ملكته في حياتها. ولأول مرة يهدأ أنين ذلك المفقود بداخلها، ولأول مرة تحس بالحب الذي لم تشعر به أبداً، رغم أنها محاطة بالزوج المحب والأبناء المحبين، ليس لأنها لم تجد منهم الحب، ولكنها انتظرت ذلك الحب المفقود من شخص بعينه طوال عمرها. 

آخر الكلمات

تسارعت الأحداث جداً بعد ذلك، وشاء الله أن تكتشف كاترين إصابتها بمرض خبيث في المخ، فقط بعد ستة أشهر من تعرفها على والدتها.

وتتدهور حالتها سريعاً جداً، وتصاب بالعمى بعد ذلك، ولكنها لا تجد حرجاً من أن تحكي لنا ولكل من زارها في المستشفى قصتها.

قصة الشيء القليل المفقود في حياتنا، والذي يعكّر صفو استمتاعنا بالكثير الموجود الذي نملكه في هذه الدنيا.

وتدخل كاترين في غيبوبة طويلة بعدها، ويكون آخر وجه رأته قبل وفاتها هو وجه أمها، الذي عاشت عمرها تبحث عنه وسط زحام المدينة. وتكون آخر كلمة تسمعها من أمها هي كلمة (أحبك)، التي لم ترغب في سماعها من أي أحد آخر سواها. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريهام محفوظ
كاتبة ومدوّنة
أخصائية علم النفس السريري وكاتبة مقيمة بسويسرا
تحميل المزيد