وعادت المرأة الحديدية لتضرب من جديد، في الفيلم المتربع حالياً على قائمة الأفلام الأكثر تداولاً، في العديد من الدول على شبكة نتفلكس، I Care Alot.
لا تغرّنك هذه الابتسامة الهادئة لهذا الوجه الرقيق الملامح، مثلما غرتني أنا وكثيرين غيري من قبل، فوراءها يكمن وحشٌ شديد الشراسة، لا يرقّ له قلب.
عادت الممثلة الإنجليزية روزاموند بايك مجدداً للظهور على الساحة، والتي لم أنسَ وجهها، منذ آخر مرة رأيته فيها، منذ 7 سنواتٍ مضت، كمعظم من شاهدوا فيلم Gone girl، الذي شاركت بالبطولة فيه مع النجم بن أفليك، لمخرج أفلام الإثارة الشهير ديفيد فينشر.
ويُمكنني القول إن روزاموند قد نجحت هذه المرة أيضاً في تجسيد صورة المرأة التي لا تُقهر، من خلال فيلم تجتمع فيه الإثارة والجريمة مع الكوميديا السوداء، لذا فهي تستحق تماماً ترشيحها لجائزة الغولدن غلوب عن دور مارلا في الفيلم.
فيلم I Care Alot لا يُقدم صراع الخير مع الشر كأغلب الأفلام، وإنما نُشاهد فيه صراع الشر مع شر آخر، لنرى أيهما سيغلب الآخر. أما الضعفاء الذين لا حيلة لهم فهم المنهزمون دائماً وأبداً.
فيما يلي نبذة عن قصة الفيلم من دون حرقٍ لمن لم يُشاهد الفيلم بعد.
قصة فيلم I Care Alot
يحكي الفيلم عن مارلا غرايسون، التي تعمل كوصية من قبل الحكومة على كبار السن، الذين ساءت حالتهم الصحية، ولم يعد بإمكانهم تولي مسؤولية أنفسهم، ووظيفة مارلا هي أن تعتني بهم، بإدخالهم دور الرعاية اللازمة، كما يكون لها حق التصرف في ممتلكاتهم الخاصة، كي تدفع لدور الرعاية تلك، وكي تقوم بدفع راتبها الخاص من هذه الأموال أيضاً.
ونُشاهد في بداية الفيلم مارلا التي تستغل وظيفتها هذه في الاستحواذ على أموال كبار السن بالتواطؤ مع طبيبة، تُزوّر تقارير الحالة الصحية الخاصة بهم، ما يجعلهم لقمة سائغة في فم مارلا وشركائها في هذه الجرائم غير الإنسانية.
إلى أن تورطت مارلا مع سيدة عجوز، على علاقة بالمافيا الروسية ذاتها، والذي رفض عملاؤها التخلي عن هذه السيدة لسببٍ وجيه حقاً.
فمن سيكسب المعركة؟
مارلا غرايسون وصِيّة الحكومة لحماية كبار السن، أم رومان لونيوف زعيم التنظيم السري؟
فيما يلي حرق لأحداث الفيلم، فلا تُتابع القراءة إن كنت تنوي مُشاهدة الفيلم.
مارلا غرايسون التي اهتمت أكثر من اللازم
يبدأ الفيلم بصوت روزاموند بايك، وهي تُخبرنا عن فلسفتها في الحياة، كمارلا غرايسون، مارلا التي كانت ذات يومٍ امرأةً فقيرة، ولكنها تمردت على فقرها ذلك، فحسبما ترى مارلا فإن الفقر لا يُناسبها أبداً.
"تظنون أنفسَكم أُناساً صالحين؟ هذا غير صحيح، لا يوجد ما يُسمى بذلك أصلاً".
مارلا تظن أن الناس في الحياة نوعان، إما أسود أو حملان، إما وحوش أو ضحايا، وهي بالطبع لا ترتضي لنفسها بديلاً سوى أن تكون لبؤة شرسة.
مارلا لا تؤمن باللعب النظيف، وهو ما يعني القيم والمبادئ التي يعتنقها الواحد منا بينما هو يُجاهد في الحياة، بل وترى أن هذه المعتقدات هي من صنع الأغنياء، اخترعوها كي يزداد الفقراء فقراً ويزداد الأغنياء غنىً فوق غناهم.
وعندما مات أحد الرجال، الذي كان تحت وصاية مارلا في دار الرعاية، شعرت بالأسف، لا لشيءٍ سوى أنها ستضطر إلى ترك أمواله التي تحت تصرفها، وتسليم كل شيءٍ يخصه إلى الورثة.
هذه هي مارلا غرايسون، ذات القلب الثلجي الذي لا يضعف أمام العجز البادي في عيون من تستولي على أرواحهم بالكامل، والذين صاروا إلى الأطفال أقرب، لتُلقي بهم وسط المُهدئات والأدوية التي تَذهب بالعقل بعيداً عن أحبائهم، في مكانٍ أقرب إلى السجن.
أمام قسوة مارلا هذه أعترف بأني لم أحبها، ولم أتماهَ معها كما يحدث مع بطل الفيلم كالعادة، حتى ولو كان شريراً، وأعتقد أن من تعاطف معها شخص يحمل الكثير من الجمود بقلبه.
رومان لونيوف.. الشرير الذي أَحبَّ بصدق
أما شرير الفيلم الآخر فهو شريري المُفضل بحق، فهو الشرير المُعترِف بكونه كذلك، لم يكذب أو يتجمل حتى، كمارلا التي تدَّعي أنها تقوم بحماية مَن يقعون تحت وصايتها، وأنها تهتم كثيراً بهم، في حين أنها لا تهتم حقيقة سوى بما يُمكنها الحصول عليه من ورائهم.
قام الممثل الأمريكي بيتر دينكلاج بدور رومان لونيوف، وهو ابن جينيفر بيترسون كما يَعرف من شاهد الفيلم، الضحية الجديدة لمارلا، وهو في الحقيقة زعيم للمافيا الروسية، وعمليات تهريب الألماس، لذا فهو خصم شديد القوة والدهاء، وهو الشيء الذي لم تكن مارلا تعرفه.
وحينما التقيا حدثت الكثير من الحوادث المؤسفة، التي لم تكن في صالح أي منهما في النهاية.
إذن لماذا أحببتُ رومان وكرهتُ مارلا، رغم كونهما ينتميان إلى جانب الشر نفسه؟ لأن رومان برغم كل شيءٍ يحب أُمه التي أوقعتها مارلا في مصيدتها، وسعى جاهداً كي يُخلّصها مما هي فيه. أما مارلا فالغريب أنها حينما هددها رومان بقتل أمها لم تهتم! بل أخبرته بأن يفعل ما يحلو له بها، ونعتتها بالمختلة.
لم تهتم مارلا بشيءٍ سوى اهتمامها بالمال، أما رومان فكان مشهد احتضانه لأمه في النهاية مُعبراً عن حبٍّ عظيم، لا يُمكن استبداله بأموال العالم بأكمله.
النهاية.. وما قبلها بقليل
للأسف جاءت نهاية الفيلم وما قبلها بقليلٍ أيضاً مُخيّبة للآمال، فمَن كان يتصور أن ينهزم زعيم مافيا روسية على يد امرأة عادية، تحمل صاعقاً كهربائياً؟!
كان هناك الكثير من الثغرات في عملية نجاة مارلا من الموت، وهروبها، وانتقامها من لونيوف وإذلاله، لجعله يُذعن بإعطائها كلَّ ذلك القدر من المال، وحتى شراكته معها في النهاية، كل ذلك لم يبدُ منطقياً.
غمرني وقتَها الشعورُ بالأسى والعجز حيال هؤلاء المساكين الجدد، الذين سيقعون ضحايا لهذه الشراكة الظالمة، التي ستحصد المزيد من حيوات من لم تنتهِ حياتهم بعد، حتى جاءت اللحظة، والطلقة التي أثلجت صدري، واستقرت في صدر مارلا البارد الذي يحتوي قلبها الثلجي.
حسناً لم تكن هي النهاية التي تمنيتها حقاً لمارلا، فقد كنتُ أتمنى أن تُسلب حياتها منها وهي حية أولاً، كما فعلت مع ضحاياها، وأن تتذوق معاني الإذلال جميعها بلا رحمة، كما أذاقتها للمستضعفين من الناس من قبل.
هل فيلم I care a lot مأخوذ عن قصة حقيقية؟
السؤال الذي تكرر كثيراً بعدما ذاعت شهرة الفيلم: هل قصة الفيلم هذه حدثت بالفعل؟ هل تم اقتباسها من أحداثٍ حقيقية؟
"تخيل أن تفتح الباب ذات يومٍ لتجدَ شخصاً واقفاً أمامك، مُمسكاً بأوراقٍ تُعطيه صلاحية قضائية كاملة تجاهك".
كانت هذه هي الفكرة التي نبتت في رأس جيه بلاكسون، كاتب ومخرج الفيلم، والتي أشعرته بالذعر لكونها تحدث فعلاً. فمن خلال قصص الأخبار التي تعود لوقائع حقيقية تابع بلاكسون الكثيرَ من قصص الأوصياء المُكلفين من قِبل الحكومة، الذين قاموا باستغلال الموضوعين تحت وصايتهم، حتى اكتملت فكرة الفيلم في رأسه، ووضعها كاملة على الورق.
إذاً، فقصة الفيلم ليست عن واقعة حقيقية حدثت بعينها، وإنما هي مستوحاة من قصص عديدة حدثت فيما مضى، ومن وقائع من الممكن -للأسف- أن تحدث في المستقبل.
في النهاية، أرى أن فيلم I care a lot يستحق المشاهدة، وأنه لا بد أن يترك أثراً في نفس من يُشاهده، رغم نقاط الضعف التي بدت بوضوح في نصفه الثاني، وأخلت بقيمته الفنية، ولكن تبقى فكرته في النهاية مُناصرة للضعفاء، الذين خُذلوا، ممن كان مفترضاً منهم القيام بحمايتهم، والاهتمام بهم فعلياً.
فهل يهتم بهم أحد؟ هل يهتم بهم أحد حقاً؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.