ليس الشوكة والسكين فقط .. أمور لا نعرفها كعرب عن فن الإتيكيت

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/03 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/03 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش

 يعتقد البعض أن الإتيكيت هو كيفية استخدام الشوكة والسكين، أو كيفية ترتيب وتزيين الموائد، فهو بالنسبة للكثير فن الرفاهية الخاصة بالطبقات المخملية أو كبار الشخصيات، وأنه نوع من الكماليات نستطيع الاستغناء عنه، الإتيكيت هو نمط عيش يهدف لوضع أسسٍ للعلاقات المبنية على الاحترام والرقي وهو حتماً ليس برفاهية، ولا هو فن يختص بالأمراء والملوك والميسورين، فقد ولَّى الزمان الذي كان فيه الإتيكيت فقط للقصور، وأصبحنا في زمنٍ يدخل فيه الإتيكيت في كافة تفاصيل حياتنا المهنية والاجتماعية، الإتيكيت هو الأخلاق والصفات الحسنة واللطف وحسن التصرف عند التعامل مع الآخرين، والتي تساعد الناس على الانسجام مع بعضها لبناء العلاقات الاجتماعية أو المهنية، هو مجموعة قواعد ومبادئ تجمع بين الرقي والكياسة والسلوك المهذب واحترام الذات وتقدير واحترام الآخرين.

الإتيكيت مبني على ثلاث ركائز أساسية؛ الركيزة الأولى والأهم "الأخلاق الحميدة"، فهي المبادئ والقواعد المنظمة لسلوك الإنسان، ويمكن ملاحظة الأخلاق الحميدة من خلال التعامل مع الآخرين، فأخلاق الإنسان ما هي إلا ترجمة لسلوكه بتعاملاته مع الغير، والأكيد أن المستوى الأخلاقي للأفراد والمجتمعات هو معيار لتطورها وتمدنها ودليل على ثقافتها ورفعة بيئتها.

الركيزة الثانية "تقنيات التصرف"، وهي القواعد والتقنيات المتبعة عالمياً والتي تحدد كيفية التصرف وفق معايير متبعة، مثل تقنية المصافحة اليدوية، أو استخدام أدوات الطعام، أو ترتيب جلوس الضيوف وغيرها من التقنيات، هي موحدة ولذلك الجميع ملزم بمعرفتها.

الركيزة الثالثة لتشكل الإتيكيت هي العادات والتقاليد، وهي العادات التي تسود المجتمعات، تبعاً للموروثات الاجتماعية والثقافية والأعراف المتناقلة، مثل طريقة الأكل والشرب والأزياء، ومن المهم أن نؤكد أن الإتيكيت يحترم تقاليد كل مجتمع ولا يتخطاها، مثلاً لو دعي شخص لحفلة غداء مقامة في بلدٍ ما، وتم تقديم طعام شعبي يتم تناوله تقليدياً باليد، من المعيب أن يطلب من مضيفه شوكة وسكيناً، مع أن الإتيكيت يعلمنا كيف نستخدم الشوكة والسكين، فالإتيكيت ينص على أنه يجب علينا تناول الطعام وفق عادات وتقاليد المضيف، ويعتقد البعض أن قواعد الإتيكيت متصلبة، وأن اتباعها يحد من حرية الفرد، وهذا الاعتقاد خاطئ جملةً وتفصيلاً، فالإتيكيت لا يدعو إلى قولبة البشر بل العكس، هو يترك حرية التصرف للجميع شرط عدم تخطي حرية الآخرين.

فن الإتيكيت والبروتوكول من الفنون القديمة قدم الإنسان، والجميل أنه رغم قدم هذا العلم ولكنه في حالة تجددٍ مستمر، ومواكب لتطورات الأزمنة والأمكنة، ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن ولادة الإتيكيت كانت مع اكتشاف الإنسان البدائي للنار منذ ملايين السنين، هذا الاكتشاف أدى إلى حدوث تغيراتٍ جذرية في حياة البشرية وساهم في تطور الإنسان وحضارته، وإحداث العديد من التغييرات أمام البشر بشتى المجالات المختلفة، ومنها اكتشاف الإنسان لإمكانية طهي طعامه، فبعد ما كان يتناول طعامه فور اصطياده أو قطفه، اكتشف أن بإمكانه أن يطهي طعامه باستخدام النار، وأدرك أن طهي الطعام بحاجة لوقتٍ لكي يجهز، وعندها أخذ ساعاتٍ محددةً حتى يطهي طعامه ووقتاً لتناوله، وانتقل من تناول الطعام بشكلٍ فردي إلى تناوله مع الجماعة، ومن هنا بدأت رحلة الإتيكيت، وهي القواعد الأولية التي حددها الإنسان الأول القديم لمن يطهي الطعام ومن يقدمه ومن يتناوله أولاً قبل الآخرين، وبذلك بدأنا نعطي التقسيمات الاجتماعية وتقسيمات الإتيكيت.

وفي البلاد العربية كان لحسن التعامل والسلوك حصة كبيرة من ميراثنا الشعبي، فكان العرب القدماء سباقين بهذا العلم، غير أن التبلور الرسمي لعلم الإتيكيت والمراسم في بلادنا العربية، بدأ مع الدولة الأموية، ومن المؤلفات التي وصلت لعصرنا من العصر العباسي كتاب الجاحظ الشهير بعنوان "التاج في أخلاق الملوك"، يتضمن هذا الكتاب عدة فصول تتناول بإسهاب الحديث عن الملوك من خلفاء أمويين وعباسيين وبماذا تميز كل شخصٍ منهم من أخلاق وصفات، ويعلمنا كيفية التصرف، وكيفية أداء التحية للملوك وكيفية الجلوس والحديث معهم وفي حضرتهم، وكيفية تناول الطعام معهم، وأيضاً آداب استقبال المبعوثين والرسل واستقبال الخلفاء لعامة الناس في الأعياد، ويعد هذا الكتاب تاريخاً دقيقاً لأخبار الدولتين الأموية والعباسية والإتيكيت.

الإتيكيت مبنيّ على التواضع والاحترام بعكس ما يعتقد البعض، هو أساس فطري نقلنا إياه الأجداد، حيث إن أغلب الذي كانوا يفعلونه يندرج ضمن الإتيكيت أو حسن التصرف، ولكن البعض لديه فكرة خاطئة عن هذا الأساس، فالبعض يعتقد أن التكبر والتعالي إلزاميان لما يسمى "البريستيج"، لذلك أصبح البعض يعتبر أن كل متعالٍ هو شخص يتبع الإتيكيت مع أن العكس هو الصحيح، فالبساطة والتواضع شرطان أساسيان من شروط الإتيكيت، والتمسك ببساطتنا سبيل للنجاح وسطوع شخصيتنا وهذا بالأساس تخصص الإتيكيت، وهذا ما ورد في كتاب الله، فيقول الله جل شأنه: ﴿ولا تصعِّر خدكَ للناسِ ولا تمش في الأرضِ مرحاً إنَّ الله لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فخورٍ * واقصدْ في مَشيكَ واغضُضْ من صوتِكَ إنَّ أنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحمير﴾  [ 18 – 19 سورة لقمان].

كانت هذه بعض نصائح لقمان لابنه، فإذا قام كل أب بتعليم أبنائه ذلك، أليس هذا هو أصول الإتيكيت؟ وأليس هذا هو ما يدعونا إليه الإسلام من تواضع في السلوك وخفض في الصوت؟ بما يحافظ على مظهرنا وعلى علاقتنا بغيرنا، فالإسلام دين الوسطية بلا تعالٍ وبلا خضوع. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنوار موقدي
طالبة ماجستير ومتخصصة في التسويق الرقمي
طالبة ماجستير إدارة أعمال، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، خبيرة في مجال التسويق الرقمي وتحسين محركات البحث، وعضو مجموعة التبادل اللغوي والثقافي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومهتمة بمجال علم الطاقة
تحميل المزيد