سمعت نعمان لحلو يغني: أمانة عليك يا مركب وصلني لبلاد المغرب.
تأملت جيداً فوجدت أن نفس المركب الذي يتمنى منه المغترب نقله لأحضان الوطن هو نفسه الذي ينقل شباب الوطن ويرميهم جثثاً هامدة على الشط بعد أن علقوا عليه أمانيهم بنقلهم لرغد الحياة.
الأم تسخط وتغضب وتتدمر من شغب ومتاعب أطفالها وتتمنى أن يرجع بها الزمان سنين إلى الخلف حتى تعدل عن الإنجاب وتتألق في عملها الذي تركته للاهتمام بأبنائها، بينما الجارة التي تحاول أن تنجب منذ سنوات تدخل شقتها تضع حقيبة يدها على الكنبة المقابلة لها وتبكي وهي تسمع صراخ جارتها متمنية لو أنها مكانها كارهة ذلك السكون الذي يعم حولها، متمنية لو أن الله رزقها طفلاً واحداً تترك العمل والعالم من أجله.
الزوجة تجول بين صور صديقاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تتنهد وتتمنى لو أنها بينهن في أسفارهن طليقات يكتشفن العالم ويستمتعن، إحداهن تطل على حساب الصديقة المتزوجة تنظر إلى صورها مع زوجها في لقاء عائلي فتختفي ابتسامتها وتتنهد متمنية لو أنها مستقرة مع زوج تضع صور جلساتهما العائلية ثم تعود بعد نهاية الجلسة إلى بيتهما الدافئ بدل غرف الفنادق التي لا تبقى فيها أكثر من يومين.
هي لعنة أصابتنا تجعل كلاً منا غير راض عما لديه، تجعلنا في نعمة لا نستمتع بها لأننا نعتقد أنها نقمة.
لو أننا نتعلم أن نحب الحياة كما هي عليه دون أن نتمنى لرأيتم أغلبنا سعيداً لا تفارقه الابتسامة.
لو أن المغترب يسعد بما تمنحه إياه الغربة من رفاهية وديمقراطية، لو أنه لا يحزن يومه من أجل أمنية الاستقرار بالوطن.
لو أن الشاب يسعد بنعمة الحياة بين أحضان الوطن رغم ضيق العيش، لو أنه لا يخاطر بحياته من أجل أمنية الاغتراب عن الوطن.
لو أن الأم تسعد بضجيج أطفالها وبالحياة التي يبثونها حولها بالبيت، لو أنها لا تغضب بسبب أمنية الهدوء والنجاح في مجال العمل الذي تركته.
لو أن الجارة تسعد بالهدوء الذي تستمتع به كلما عادت إلى بيتها منهكة، لو أن عينيها لا تدمعان بسبب أمنية إنجاب أطفال مشاغبين.
لو أن الزوجة تسعد بما يقدمه لها الزوج من حب وأمان واستقرار، لو أنها لا تحزن من أجل أمنية السفر مع صديقاتها لتجوب أنحاء العالم.
لو أن الصديقة تسعد بمساحة الحرية الشاسعة التي تتمتع بها، لو أنها تستمتع بما تراه حولها لو أنها لا تحزن من أجل أمنية الاستقرار.
برأيي: علينا أن نترك التمني ونسعد بما نملكه، أن نرى ما لدينا نعمة حتى لو كان نقمة، ولا نحول ما لدينا من نعم إلى نقم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.