الاحتياجات الجسدية ولحظة انهيار العلاقة الزوجية

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/22 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/28 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية/ رويترز

فى لحظة ما يتحول كل شيء، يصير الشريك شريكاً بالتواجد الجسدي فقط وتنزوي الروح ومعها القلب والعقل في مكان آخر بعيداً عن عين وقلب شريكه. 

هذه اللحظة لا تأتي بين ليلة وضحاها، فالشريك هنا لا يستيقظ ليجد نفسه منفصلاً عن الآخر، لكن هناك ممهدات ومسببات للموقف حتى إن البعض قد يتعجب فيسأل ماذا حدث فجأة هكذا وهما اللذان استمر زواجهما قرابة العشرة أعوام؟!

نعم إن ما حدث قد أتى من خلال تراكمات، واحتياجات لم تلبَّ.

احتياجات جسدية ونفسية، جسدية مثل اللمس والعلاقة الخاصة، ونفسية مثل الاحترام والتقدير وتحمل المسؤولية والاهتمام وغيرها.

يمل الشريك من الطلب ويمل من كثرة الصراخ لنيل احتياجه، فيطلبه تارة برفق وتارة بدلال وتارة تهوج مشاعره وتموج في بحر لجي، حتى تكاد أن تغرقه، وشريكه يراه ولا يحرك ساكناً، وإن تحرك فإن عذره الدائم يكون بعلة الانشغال في أمور الحياة والضغوط اليومية التي يتعرض لها في عمله ومسؤولية تربية الأبناء وصراخهم وعنادهم ودراستهم وهو غير عابئ بمشاعر شريكه وكأنه يعلم يقيناً أنه سيتحمله إلى المنتهى وأنه ما دام هناك ورقة تربطهما فإنه قد أصبح يمتلكه وكأنه ورقة نقدية امتلكها في جيبه، ولا يعلم إطلاقاً ولا يتنامى إلى ذهنه أنه سوف يفجر الوضع بأكمله عليهما حتى لو انفجر معه رأسه.

نعم هو لا يعلم يقيناً فيما يفكر شريكه وبما يشعر، لا يعلم ما يدور في رأسه، ولا يرى معه مناماته أو كوابيسه، ولا يستشعر الاحتياج الجسدي الملحّ الذي وصل إليه، لا يقدر مفهوم المسؤولية ومفهوم الواجبات.
 

كل ذلك يجتمع على طرف من الأطراف ليقرر فجأة بينه وبين نفسه أنه سيعيش وحيداً رغم أنهما تحت سقف واحد فينفصل عن شريكه إلا فيما يخص تواجده الجسدي، أي تواجد مكاني فقط لملء فراغات الحياة الاجتماعية الزائفة، حتى لا يقال عنه كذا أو كذا، وحتى لا يقال إن تلك المرأة طلبت الانفصال لأنها لا تشبع جسدياً كما تتمنى.

حتى لا تجلدها كلماتهم ولا يتم رجمها حية بعباراتهم وهمزاتهم ولمزاتهم التي توحي بأنها امرأة لعوب وكأنها قد خرجت من الدين لأنها تطلب ما أحله الله لها بالزواج، ونسوا أو تناسوا أنها قد تزوجت حتى تعف نفسها ولم يعلموا يوماً أن ذلك الزوج قد يعرِّضها للفتنة في دينها.

وهنا يقرر الشريك أن حياته بمفرده أفضل ألف مرة من ميتة بجوار شريكه.

 ذلك الرجل الذي مل من زوجته ذات العبوس الدائم وذات الطلبات التي لا تنتهي، وتلك الزوجة التي تتعلل دوماً بالتعب وأنها مع نهاية اليوم تصير جثة هامدة، وأنه إذا اقترب منها فإن قلبه لا يعرف للرحمة طريقاً.

هذا الرجل كيف سيكمل حياته هكذا مع زوجة تصده دوماً بحجة تنظيف المنزل والطبخ والمذاكرة وغيرها من المسؤوليات التي لا ننكر أنها تثقل المرأة لكنها أصبحت تحتل المكانة الأكبر من وقتها وكأنه تزوجها لمعرفته ببراعتها في تلميع الزجاج ومسح الأرضيات.

هنا في هاتين الحالتين قد يسأل سائل:

هل رغبة المرأة الجسدية تعادل رغبة الرجل أم ماذا؟ والإجابة هنا ليس لها سوى جواب واحد: 

نعم الإجابة الوحيدة هنا هي أنه احتياج لدى الطرفين قل أو كثر هو احتياج وفقط، لأن البعض يتجاهل عن عمد أو جهل المقصد الشرعي من الزواج وهو العفة.. العفة الجسدية والنفسية.

أسمع سؤالاً يأتي من بعيد يقول وهل تزوجني فقط لأجل ذلك؟ هل أنا سلعة؟

لا ياسيدتي.. أنت لست سلعة وهو كذلك ليس بسلعة، لأن الاحتياجات الجسدية توضع في المرتبة الأولى على هرم ماسلو من خمس مراتب جميعها مهمة لكنها تعتبر الاحتياج الأول.

صحيح أنه ليس الاحتياج الأوحد لكنه الأول.. نعم

الطعام والشراب والنوم والجماع هي من أولى الاحتياجات على هذا الهرم، لدرجة أنه يضعها قبل الحاجة للحب والأمان وقبل التقدير والاحترام، تخيل أن أحدهم يحتاج إلى لقمة تسد رمقه وأنت تحدثه عن الحب وعن العمل والطموح وإثبات الذات، كيف سيستمع إليك وجزء منه يصرخ ويئن؟!

اتفقنا مع ماسلو أو اختلفنا هناك عدة أسئلة تطرح نفسها:

لماذا يتزوج الرجال؟

لماذا تتزوج الإناث؟

هل من أجل الحب فقط أم من أجل إشباع احتياجاتهم النفسية والجسدية معاً؟

لماذا ترتفع نسب مشاهدة المواقع الإباحية يوماً بعد يوم؟ بل لماذا يشاهد بعض المتزوجون تلك المواقع؟

ولماذا تزداد نسب الخيانة الزوجية؟ أوليس هذا كله بسبب الاحتياج الجسدي الذي لا يشبع بالحلال؟

أنا لا أبرر هنا ولا أعطي الكارت الأخضر لفعل ذلك ولا أحلل حراماً- والعياذ بالله- بل أسرد واقعاً مريراً.

 تعالوا نر هذه الصورة المتكررة في البيوت:

زوج يحاول الاقتراب من زوجته وفي كل مرة تصر هي على إشباع رغباته الأخرى دون تلك الرغبة. 

تخيل كذلك أن زوجة يصرخ قلبها من هجر زوجها لها ولا يلمسها إلا في المناسبات، كيف سيستمر زواج كهذا؟

زواج مبتور لا تسد فيه احتياجات أحد الطرفين أو كليهما؟ زواج لم يعد فيه الاهتمام إلا بالمادة فقط واللهاث وراء حياة لا ترحم.

لطفاً لا تستخدم الشماعات ولا تبرر لنفسك بأن الحالة الاقتصادية أصبحت تعيق تفكيرك وأنك لم تعُد كما كنت من قبل 

ولا تبرري لنفسك أن مسؤوليات الأبناء لا ترحم والعمل داخل المنزل وخارجه لا يتوقف.

لا أنكر جميع تلك المسؤوليات وحجمها وثقلها على الطرفين، لكن هناك سؤال هام يلوح في الأفق. 

ما هو الحال إذا ما انفجر شريكك؟ بل ما هو الحال إذا انسحب في هدوء تام من حياتك غير آبه بحب كان بينكما أو أطفال صغار يحتاجون رعايتكما؟

ماذا ستفعل إذا وجدتها تطلب الطلاق بإصرار؟ هل ستتركها وتذهب إلى اجتماعك الهام؟ وماذا ستفعلين إذا ما وجدتِه يوماً متزوجاً بأخرى تلبي له ما يحتاج؟ هل ستتجاهلين الخبر وتكملين جلي الصحون؟!

تذكر جيداً لماذا تزوجت، وماذا كنت تحتاج من تلك الزيجة، وتذكر أن لشريكك احتياجات لا تقل أهمية عن احتياجاتك.
 وتذكر أن المقصد الشرعي من الزواج هو العفة، فما هو السبيل إن لم تكُن تحقق ذلك لشريكك؟!

ضع كل ذلك نصب عينيك.. الاحتياجات والواجبات والحقوق. 

واختَر لنفسك ما تشاء من حياة أو فليكن ما يكون إن لم تنتبه..

لكن تذكر دوماً أنك أنت من اخترت ولا أحد سواك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة المهدي
كاتبة ومستشارة أسرية
كاتبة ومستشارة أسرية
تحميل المزيد