كتبتُ ذات يوم: "لا تختر شريكاً لا يناسبك وتحدثك نفسك أنك ستغيره بعد الزواج"
فجاءتنى بعض التعليقات التي ترفض ذلك ولها وجهة نظر أخرى تقول إن الشريك يستطيع أن يغير شريكه بعد الزواج.
إن كنت مقبلاً على الزواج وكنت تفكر بتلك الطريقة فأمامك خياران لا ثالث لهما:
إما أن تغير طريقة تفكيرك أو تتحمل تبعات قرارك بعد الزواج وإنجاب الأطفال.
صدقني.. هذه أوهام يا صديقي
لا يدفعنك الحب أو التعجل بالزواج لأنها سنة الحياة أو لأن قطار الزواج قد فاتك لأن تقلب حياتك جحيماً لا يطاق، ومن يدعي أنه يستطيع أن يغير قيد أنملة من شريكه دون رغبة حقيقية من الشريك فهو يعيش أحلام يقظة لن يفيق منها إلا على صدمة حقيقية.
بادئ ذي بدء هذا الكلام ليس للإحباط أو التثبيط وإنما هو عرض منطقي لما يحدث مع أسر قد تأذت كثيراً بسبب الاختيار السيئ لشريك الحياة.
دعونا نرَ ما يحدث على أرض الواقع:
أولاً: استناداً للشرع
قال نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". رواه الترمذي.
فلم يقُل صلوات الله وسلامه عليه إذا أتاكم سيئ الخلق أو ضعيف الدين أو من لا دين له فزوجوه فقد يتغير بعد الزواج، أو أن الزوجة تستطيع تغييره بعد الزواج.
ثانياً:
الزواج ليس لعبة أو حلبة سباق ندخل فيها كى نجرب عدة أشهر.. سنة أو اثنتين وإن لم يعجبنا الحال فإننا سنقوم بإنهاء تلك الشراكة بمنتهى البساطة وكأننا في نزهة قصيرة.
الزواج هو شراكة بين اثنين، مسؤولية وواجبات وحقوق وتواصل ومشاركة وتقدير واحترام، وفوق كل ذلك من أهم أهدافها هو إعمار الأرض بجيل صالح واع، فكيف سيتأتى ذلك وأحد الأطراف أو كلاهما متخل أو مدبر عن مهمته أو مدمر لأبنائه.
ثالثاً:
شريكك هذا الذي التقيته اليوم أو الأمس هو نتاج لتربية طويلة، تربية أنت لا تعرفها ولا تعلم عنها شيئاً.
فقد تعرض للكثير والكثير من التجارب والمواقف الحياتية في طفولته ومراهقته ولديه من الأفكار والمشاعر والمشكلات والعقد التي قد لا يطلعك عليها كما لك أنت تماماً.
ومن غير المنطقي أن تغير شخصاً بالغاً قد تخطى العشرين أو الثلاثين من العمر بين ليلة وضحاها، فهذا الشخص الذي تربى وجُبِلَ طوال عمره على أفكار معينة لن يتغير بكبسة زر مثل الآلة إلا في حالة واحدة، وهي أن يفقد الذاكرة تماماً.
رابعاً:
أي شخص يعاني من مرض ما وكانت معاناته طفيفة أو قاسية فلن يتماثل للشفاء وهو لا يعترف أصلاً بوجود مرضه ولن يشفى أيضاً وهو مستسلم تماماً لحاله، كذلك كل شخص يأتي بسلوك منف، لن يتعافى منه إلا إذا اقتنع تماماً أن ذلك السلوك يضر به وبعائلته، ومن ثم يقرر أن يتغير، وإن لم يفعل فلن يتغير بيديك وإن قلبت له الدنيا وأقعدتها.
خامساً:
تأتيني الكثير من الأسر التي تعاني في تربية ولدها البالغ من العمر سنتين أو ثلاث سنوات.
ابنى عنيد.. ابنى يصرخ كثيراً فكيف أربيه؟
وتأتيني أسر أخرى تشكو من ولدها المراهق: لا يحترمني.. يتلفظ بألفاظ بذيئة.. يتطاول علينا.. يضرب إخوته.. ماذا أفعل معه؟
إذا كنت تحار في تربية ولدك الذي لم يتخطّ بعد الثالثة أو الرابعة من العمر وتكاد تجن من تصرفات ولدك البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، فكيف بالله مع شخص تخطى العشرين أو الثلاثين من العمر؟!
سادساً:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)). [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
كل شيء يراه الأبناء في آبائهم يقلدونه لا إرادياً حتى وإن لم يكن الآن، لأنه ببساطة قد تم تخزينه في العقل الباطن ليصبح لدينا شاب أو فتاة بنفس المواصفات الرائعة التي اخترت بها شريكك، ثم يتزوج هو أيضاً حتى تغلق علينا تلك الدائرة وتحكم قبضتها التي لا فكاك منها ومن ثم نشكو المجتمع وتربيته وأننا ضحايا تربية خاطئة أو إعلام مسفّ.. عفواً يا عزيزي أنت السبب في اختيارك منذ البداية.
سابعاً:
انزع عن رأسك تلك الأفكار البالية:
"سأغيره بعد الزواج"، "الحب يصنع المعجزات"، "بحضن دافئ وكلمات معسولة كل شيء سيتغير"، "سأتزوجها صغيرة حتى أربيها على يدي"، "سأقوم بتشكيلها كيفما أشاء"، "سأحتويه حتى يتغير"، "بالمعاملة الحسنة والنصيحة سيتغير".
نعم أنا معك لكن في حالة واحدة وهي "إذا أراد هو أن يتغير.. وليس أنت"، لأنك ستنفق جميع عمرك حتى تهترئ صحتك الجسدية والنفسية كى يصبح شخصاً آخر لكن هيهات.
ثامناً:
علاقة الزواج هي علاقة اختيارية بحتة، أنت غير مجبر فيها على اختيار بعينه، ولك أن تختار منذ البداية إن شئت زوجاً صالحاً، مربياً قدوة وزوجاً يعرف معنى الحياة الزوجية، ولك أيضاً حرية أن تختار زوجاً لتربيه أو تغيره فتجد نفسك أنت من قد تشوه.
تاسعاً:
علاقة الزواج ليست كعلاقة البنوة يا عزيزي، أنت مجبر فيها على تحمل ولدك والصبر عليه وتربيته تربية صالحة واحتوائه حيناً واتخاذ الحزم أو الشدة حيناً آخر، أما زوجك فليس ولدك وزوجتك ليست ابنتك.
زوجك هو شريكك في كل شيء، مسؤول معك عن بيتكما وعن تربية أبنائكما فاحذر أن تختار شريكاً سيئاً يضر بك وبأبنائك، فأسماؤهم ستظل مرتبطة به إلى يوم الدين.
عاشراً:
علاقة الزواج ليست كعلاقة الصداقة أو الزمالة إن شئت بدأتها في أي وقت وإن شئت تركتها إذا ما تأذيت.
بالطبع لقد حلل الله الطلاق لكن فسخ علاقة الزواج لن يكون بالسهولة التي تقوم فيها بقطع علاقتك بصديق أو زميل عمل، فهناك تبعات نفسية ستتعرض أنت لها، وتبعات نفسية جسيمة قد يتعرض لها أولادك، فلمَ الاختيار السيئ منذ البداية والأمر لا يزال بين يديك!
وأخيراً..
ترَوّ يا صديقي وتوقف كثيراً قبل أن تتزوج بهذه وقبل أن تقبلي بذاك، فالزواج مسؤولية ليست بالقليلة يقع جزء منها على عاتقك، ومن تعب في الاختيار في البداية حتماً سيجد الراحة في زواجه بعد ذلك.
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه ومتعكم بالحكمة والبصيرة ورزقكم بأزواج صالحين وأبناء يُقرون أعينكم في الدنيا والآخرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.