في حوار لأستاذ جامعي مع أحد طلابه، قال الرجل بكل ثقة: "لا تثق أبداً في ويكيبيديا أو ما يسمونها الموسوعة الحرة؛ فهي غير دقيقة ولا أعلم لماذا يحبها الطلاب". كنت واقفاً أستمع ولا أتسمع وأردت أن أدلي بدلوي وطرح رؤية مغايرة بعض الشيء، لكني فضلت عدم الانسياق برغبتي قبل أن أتأكد من معلوماتي لمرة ثانية وثالثة قبل التفوه برأي قد يظهر خطؤه لاحقاً.
عدت للبيت وتأكدت بل وزادت معلوماتي حول ويكيبيديا، وزادت ثقتي فيها، والآن أستطيع أن أطرح رأيي بنوع من الثقة حول ويكيبيديا، تلكم الموسوعة الرائعة.
ويكيبيديا في أرقام
بدأت ويكيبيديا في 15 يناير/كانون الثاني عام 2001 باللغة الإنجليزية، ويحتفل العالم هذا الأسبوع بمرور عشرين عاماً على تأسيسها على يدي جيمي ويلز Jimmy Wales. اتسعت ويكبيديا الآن لتشمل ما يناهز 55 مليون مقالة بأكثر من 300 لغة ولهجة وبمجموع كلمات ما يقارب 3,7 مليار كلمة.
تحوي النسخة الإنجليزية ما يقارب 6 ملايين مقالة، وهي أكبر النسخ من حيث عدد المقالات بمجموع كلماتها ومن حيث عدد المصادر والمراجع والروابط الداخلية والخارجية. يتصفح ويكبيديا رواد الإنترنت على ما يقارب مليار ونصف جهاز إلكتروني كل شهر، ويقوم على تنقيحها في نسخها المتعددة ما يقارب 300 محرر يعملون بدوام كامل، وعدد ضخم من الهواة يقدر بـ200 ألف.
للمحررين بدوام كامل صلاحيات قبول ما يدخله الهواة من معلومات أو رفضه أو تعديله أو تعليق قبوله بشرط إثباته بمصدر أو مرجع أو أكثر أو قبول نشره مع الإشارة إلى المصادر الناقصة في موضعها.
أغلب المقالات في ويكيبيديا متاحة باللغة الإنجليزية، اللغة الرئيسية للموسوعة، وبعدة لغات أخرى، وخاصة اللغات المرتبطة بموضوع المقالة.
فعلى سبيل المثال: كل المقالات التي تتناول موضوعات إسلامية متاحة باللغتين العربية والإنجليزية، وقد تكون متاحة بلغات أخرى لكن هذا ليس شرطاً. ومثال آخر: من المتوقع أن توجد مقالة في النسخة اليابانية عن الساموراي الياباني لارتباط الموضوع باللغة والثقافة اليابانيتين. وأنوه، من واقع خبرتي بالموسوعة في نسختيها العربية والإنجليزية، بأن وجود مقالة ما بلغة من اللغتين لا يعني دائماً أن إحداهما ترجمة للأخرى على الرغم من التطابق بين النسختين في المقالات العلمية بصفة خاصة.
ويكيبيديا: أمر واقع
لا يمكننا أن نتغاضى عن الأرقام السابقة لأنها أمر واقع يشهد بأن ويكيبيديا هي المصدر الأول لمئات الملايين من البشر الذين يستقون منها معلومات حول شتى الموضوعات ويجدون فيها ما يروي ظمأهم للمعرفة المجانية. والآن: لماذا يعترض البعض على ويكيبيديا؟ ويقولون إن المعلومات على ويكيبيديا غير موثوق بها، وهي دائمة التغير لأنها مصدر مفتوح يمكن لأي شخص أن يغير محتواه. ويمكننا أن نفند هذه النقاط واحدة تلو الأخرى كما يلي:
1- في كل مقالات ويكيبيديا، يوضع مرجع أو أكثر عقب كل معلومة تحتاج لتوثيق. ومثالاً على هذا، في الصورة أدناه جزء من المقالة التي تحمل عنوان "عين جالوت" وتظهر بوضوح المراجع المرقمة والمفصلة في نهاية المقالة، في قائمة تشمل 102 مرجع (وقد آثرت أن أنسخ الصورة من موقعها دون تدخل)، هذا عدا الروابط التشعبية hyperlinks للكلمات باللون الأزرق وهي توفر معلومات عن الشخصيات والأحداث والأماكن الموضوع تحتها خط؛ مما يزيد من موثوقية الموسوعة وسهولة الوصول لأي معلومات ذات صلة بموضوع المقالة (مثل: سيف الدين قطز، قائد معركة عين جالوت).
وإذا ذكرت معلومة غير معلومة المصدر وضع أمامها ما يدل على ذلك كما في المثال الثاني من مقالة "محمد أنور السادات" (كما في الصورة المرفقة من موقع المقالة).
2- أما مسألة كون ويكيبيديا مصدراً مفتوحاً يمكن تغييره فهذا لا يقدح في ويكيبيديا ولا من يقومون بتنقيح المعلومات لأن ما يحدث من تغيير لا يكون إلا لزيادة وتوسيع المعلومات وزيادة عدد المراجع، أو إلغاء المعلومات غير الموثوق بها، وفي كل خير.
هل يمكن الاعتماد على ويكيبيديا؟
هذا سؤال أجابت عنه عدة دراسات من بينها دراسة نُشرت في مجلة Nature العالمية، والتي استنتجت أن مقالات العلوم في ويكيبيديا لا تقل كثيراً عن جودة المقالات ذاتها في الموسوعة البريطانية، ودراسة ثانية تؤكد على تفوق ويكيبيديا في تغطية موضوعات التاريخ على موسوعة مايكروسوفت المسماة إنكارتا Encarta، تلكم الموسوعة الكبيرة التي أصدرتها مايكروسوفت على أقراص مدمجة أو من خلال اشتراك سنوي باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية واليابانية والإيطالية والهولندية من 1993 حتى 2009، ودراسة ثالثة تشير نتائجها إلى أن مقالات ويكيبيديا تتسم بالموضوعية والوضوح والدقة إلى حد كبير رغم أن لغة بعضها سيئة.
يعني هذا أن الاعتماد على ويكيبيديا ليس جريمة، خاصة إذا اعتبرنا ويكيبيديا مجرد بوابة للمصادر التي تنقل عنها مع أخذ أي معلومة وضعت أمامها علامة "تحتاج لمصدر" بحذر.
وهذا الرأي عينه هو ما تؤكده ويكيبيديا ذاتها في إحدى مقالاتها التي تقول فيها نصاً "لا يجب الاستشهاد بويكيبيديا، ولكن بالمصدر الأصل لهذه المعلومات"، وتفسر هذه المقولة في مقالة أخرى تشير فيها لاقتصار استخدام ويكيبيديا بوصفها مصدراً ثالثاً للمعلومات وليس مصدراً أول أو ثانياً، وهو ما يعني استخدام ويكيبيديا كمرآة للمصادر والمراجع التي تدرجها وليس وحدها دون غيرها.
ومن واقع خبرتي بويكيبيديا التي أستخدمها منذ عام 2005، فإن أفضل استخدام لويكيبيديا هو الاعتماد عليها في الحصول على مراجع وصور قديمة لا تتوافر على غيرها من الموسوعات، خاصة من المراجع والصور غير المتوافرة أو تلك المتوافرة بأسعار خيالية.
في هذه الحالة، غالباً ما تشير ويكيبيديا لروابط تتوافر عليها هذه المراجع والصور مجاناً وبجودة عالية جداً.
وفصل القول في هذا الصدد: ويكيبيديا عمل جبار، أتاح وما زال مصدراً كبيراً مجانياً للمعلومات التي يمكن الوثوق بها، وألهم كثيراً من الموسوعات المتخصصة مفتوحة المصدر، غير أن استخدام ويكيبيديا يكون بربطها بالمصادر التي تدرجها للتأكد من دقتها وللاستزادة لا للتشكيك، وإن كانت هذه المقولة الأخيرة تصدق على ويكيبيديا أو أي مصدر آخر مهما عظم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.