كيف تعلمت تربية زهور الأوركيد والعناية بها في المنزل بعد 3 سنوات من التجربة والفشل؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/11 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/11 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش

زهرة الأوركيد غالباً ما يتم إهداؤها في المناسبات، تزين مكاتب العمل، وتظهر كثيراً في صور الديكورات الراقية.

وقعت في عشق هذه الزهرة عندما رأيتها لأول مرة في منزل والدة صديقة تركية، كان لديها ما يزيد عن العشرة منها، كلها زاهية، وألوانها تخلب الألباب، وقعتُ في حبها ولكني لم أجرؤ على شرائها يوماً، ولم أدري لماذا!

ثم جاءتني الزهرة هدية من زوجي في يوم ميلادي، كانت بيضاء، جميلة، تقف بشموخ، يلفها وشاح من الساتان والشيفون الأبيض وعقد من اللؤلؤ الصناعي، وصلتني مع بطاقة إهداء إلى مكتب عملي، وتلألأت مقلتاي من شدة الفرح، وأخذتها للبيت، وضعتها في زاوية خاصة، أسلم عليها في الطالعة والنازلة، أذابتني بابتسامتها المشرقة لشهور.

في ذلك الوقت، ولكي لا تموت زهرتي، بحثت في الإنترنت عن كل ما يخص زهرة الأوركيد، قرأت في المواقع الأجنبية عن كيفية الاعتناء بها، وسقيها، ورعايتها.. إلخ.

فاكتشفت أنها زهرة تنمو في الأماكن الرطبة، في غابات الأمازون مثلاً، ولا تنبت من الأرض، إنما تتشبث جذورها حول جذوع الأشجار، تزهر عدة مرات في العام، وتدوم أزهارها مدة الشهر والشهرين.

زهرة الأوركيد ونموها على الشجرة

قرأت الكثير، وحاولت التطبيق، لكن وردتي ماتت لأسباب لم أفهمها، وشعرت وقتها بالإحباط الشديد لكني قررت شراء زهرة أوركيد أخرى، وحرصت على أخذ التعليمات من بائعها، كيف أعتني بها وأسقيها، وهنا تعلمت معلومة جديدة، وهي أنها يجب أن تكون في مكان مُشمس، ولكن ليس تحت أشعة الشمس المباشرة، كما أن جذورها يجب أن تُسقى مرة كل أسبوع أو أسبوعين، لمدة عشر دقائق أو نصف ساعة،  ثم تتم تصفيتها، وقال لي إنه بعد سقوط جميع الأزهار فعليّ قص الساق مباشرة فوق العقدة الثالثة من أسفل النبتة، لكي ينبت برعم الساق الجديدة من هناك، فطبقت كل ما قاله لي بالحرف الواحد، لكن فشلت مرة أخرى!

سألت كل جاراتي وصديقاتي اللاتي يربين في بيوتهن زهرة الأوركيد، وكلهن أجمعن على أن الأمر أسهل من شربة المية، وأنه بديهي مثل دوران الكرة الأرضية، وأنني حقاً الحالة النادرة التي لا تفهم في الأوركيد والنباتات بصفة عامة!!

وفي أحد الأسواق مررت على بائعة كازاخستانية كانت تبيع أنواعاً من الأوركيدات النادرة، كنتُ أحوم حول أوركيداتها، وقلبي يناديني لأشتري واحدة، بينما عقلي يرفض بإحباط، شجعتني البائعة على الشراء، فشرحت لها قصتي وتاريخي العريق في قتل الأوركيدات، وعدم قدرتي على العناية بها مهما حاولت، لكنها أوضحت لي طرق العناية بالتفصيل الملل، وأخبرتني أن التربة (وهي ليست تربة إنما أخشاب صغيرة تمتص الرطوبة) تحتاج لغمسها في الماء المغلي لقتل الميكروبات فيها أولاً، ثم وضعها للنبتة بعد التخلص من الجذور الميتة.

طبقت كلامها، وقصصت الساق بعد سقوط جميع الأزهار، وظللت أداوم على السقاء، وانتظرت، وانتظرت.. حتى خرج البرعم الصغير أخيرأً.

كانت فرحتي مذهلة، وكأنني انجبتُ للتو طفلي الأول، صرختُ وناديتُ كل من في البيت، صرتُ أراقبه يوماً بعد يوم، وأتابع نموه بذهول وشغف.

ثم بحركة بسيطة حاولتُ فيها بتعجل وغباء منقطعي النظير تعديل وضع البرعم الطري، فانكسر!

انفطر قلبي وبكيت بحرقة على هذا الغباء بعد كل هذا الانتظار وقررت اعتزال الأوركيد تماماً.
وبقيت عاماً كاملاً أتجنب كل محلات الأوركيد وأماكن وجودها لكنني في يوم من أيام الاكتئاب إياها (وما أكثرها) كعادتي أتسوق بجنون، واجهتني واجهة محل كاملة من الأوركيدات، طازجة للموسم الجديد، هنا ألغيت العقل والقلب تماماً، واشتريت 3 أوركيدات دفعة واحدة وكأنني مقبلة على علبة كاملة من جواهر جالاكسي.

ولحقت البقية الباقية من عقلي، فسألتُ صاحب المحل على سبيل المجاملة: هل من نصيحة؟

اعطاني نصيحة ثمينة إضافية بالإضافة لما أعرفه من معلومات، وهو أن قص الساق يتم مباشرة فوق أول عقدة تقع أسفل آخر منبت زهرة في الساق، لأن جميع العقد التي أسفلها حية، ولا داعي لأقصها كلها لأصل للعقدة الثالثة من الأسفل! والمعلومة المفصلية التي ذكرها لي أيضاً، أن أصيص الأوركيد يجب أن يكون شفافاً لأن جذور الأوركيد تحتاج للإضاءة غير المباشرة لتعيش!

هنا فقط، بدأت تتجمع خيوط جميع أخطائي وفداحاتي بحق الأوركيد، وبدأت أفهم أليست تنمو في غابات الأمازون على جذوع الأشجار؟ إذن فعلاً لا يمكن دفن الجذور، ولا وضعها في أصيص من الفخار!

كما أنها تحتاج إلى رش الماء فقط لريها، لأن الجذور تتغذى بامتصاص الرطوبة من الهواء وليس ملء الأصيص بالماء فتغرق!!

أخذت أوركيداتي الثلاث هذه المرة بكل ثقة وأمل، استمتعت بأزهارها لشهرين أو ثلاثة، ثم بدأ الاختبار الحقيقي، فسقطت الزهور كلها، وقصصتها بدقة أسفل آخر زهرة في الساق، وواظبت على رعايتها باهتمام وترقب.

وأخيراً وبعد 3 سنوات سابقة من التجربة والمحاولة والفشل وشيء من الإحباط وخيبة الأمل، والكثير من الصبر والإصرار، نبت أول برعم، حتى أخرج أول زهرة أوركيد من رعايتي أنا ثم نبت ثاني برعم من الأوركيدة الثانية، ليكون في طريقه لجيل آخر من أزهار الأوركيد

وأخيراً بعد كل هذه المعاناة كانت جارتي محقة وكانت صديقة لا تتفلسف الأمر أبسط مما أتصور!

حتى يمكنني أن أقول إنه كان واضحاً بديهياً منذ البداية، وأتعجب جداً لماذا عانيتُ كل ما عانيته لكي أجعل زهرة أوركيد تبرعم من جديد!

الحقيقة أن كل ما مررت به مع زهرات الأوركيد يمثل كل التجارب التي نمر بها في حياتنا.

كل التجارب الفاشلة تصل بنا حتماً إلى مستوى معين من الفهم والإدراك، بحيث يصعب بنا العودة إلى الوراء، ونعتقد أننا لو عدنا إلى الوراء لَتصرفنا بطريقة أفضل، أو اخترنا خيارات أكثر حكمة، في حين أنه لم يكن بالإمكان التصرف بشكل أفضل ولا أكثر حكمة إلا بسبب ما تعلمناه من التجربة السابقة!

الفشل ليس فشلاً في حد ذاته، حتى وإن بدا كذلك، ولكنه طريق ما ليفسح المجال أمام ما قد لا يفشل، تماماً كتجارب أديسون في اختراع المصباح الكهربائي والتي تجاوزت الألف تجربة، فكان يقول: أنا اكتشفت ألف طريقة لا يضيء بها المصباح!
أما نحن فبعد محاولة أو اثنين أو ثلاث تجلدنا نظرات الناس وابتساماتهم المشفقة أو المتشفية قبل أن تجلدنا أفكارنا المتقهقرة.

تجاربي مع الأوركيد لم تستمر بهذا الإصرار على مدى 3 سنوات إلا لثلاثة أسباب:

1- أنني لم أستمع للتعليقات السلبية، لأنه لم يكن هناك أصلاً تعليق، فلم يعلم أحد من حولي أنني أجرب وأكافح طوال ذلك الوقت، كنت لأشتري الأوركيدة وأدير عليها تجاربي المهووسة في صمت، فتموت وتنتهي دون أي تعليق، وأحضر غيرها دون أي ملاحظة. 

2- أنني بحثتُ في كل مرة عن معلومة جديدة، فكرة إضافية، فلم أكتفِ بمصدر واحد فقط، ولا بشخص واحد. المعلومات الأولية من الإنترنت طبقتها كما هي من دون فهم، لكن كثرة سؤالي واستفهامي وربطي للمعلومات جعلني أصل لمرحلة التطبيق مع الفهم، وهذا شكَّل فارقاً كبيراً في العناية بالأوركيد، مع الكثير من المتعة أيضاً.

ولهذا السبب أوضح في بداية دوراتي لمتدرباتي أنني لستُ المصدر الوحيد للمعلومة، ولن أعطيهن كل ما يشتهين من المعلومات بالملعقة.

ما تريدينه بشدة عليكِ أن تبحثي عنه بشدة، وما ترغبين في فهمه حقاً عليكِ أن تبحثي عنه من أكثر من مصدر! نقطة.

3- السبب الثالث وربما أقوى الأسباب جميعها:

أنني أحبها، نعم أحببتها من كل قلبي، فلم يكن من السهل عليّ أبداً أن أتخلى عنها، ولم أتنازل عن ذلك الشعور بالانبهار لمجرد رؤيتها أو المرور بجوارها.

كانت بالنسبة لي حسناء لا ينزوي جمالها، رمزاً للشموخ وعزة النفس، كان من السهل قول "لا" للفشل والهزيمة من أجل "نعم" كبيرة من الإصرار وإعادة المحاولة! فكان من السهل عليّ إعادة الكرة.

You will easily say No, if you have a BIGGER YES.

كثيراً ما تصلني استشارات: "فشلت.. مللت.. زهقت.. حاولت.. تغير هو.. تغيرت هي.. اختلفنا.. انفصلنا.." إلخ

وتمضي الحياة بصعوبة وأنفاس إعادة المحاولة تتردد بالكاد، وللأسف أغلب أسباب الفشل لدينا أنه لا توجد لدينا "نعم" كافية، لا توجد "نعم" كبيرة صارخة حارقة تذبحنا كل يوم من أجل عيونها وعيون المتع التي ستأتي خلفها.

فتأتي كلمة "نعم" الصغيرة لحساب الآخرين ورغباتهم وطلباتهم وأحلامهم.

على حساب كلمة "لا" نقولها لهم لأجل رغباتنا وطلباتنا وأحلامنا نحن!

أحبِّي شيئاً من كل قلبك، من أعماق أعماقك، وأراهنك ألا تستيقظي كل صباح ليكون أول ما تفكرين فيه وأكثر ما تستمتعين بصحبته، وأتحداكِ ألا تذللي كل شيء، كل عقبة، كل إحباط، كل هزيمة، لأجل انتصارات وجوده ودفء القرب من تحقيقه.

هواياتك.. طموحاتك.. أحلامك.. أهدافك.. كلها تستحق منكِ أكبر عشق يمكن أن تحمليه في قلبك.

فمن السهل أن تكافحي بجنون لأجل عشق تتخضب به مشاعرك، حتى ولو كان عشقاً لزهرة أوركيد!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خلود الغفري
مدربة الأنوثة القيادية ومستشارة علاقات زوجية وتطوير الذات
خلود الغفوري، حاصلة على دبلومات معتمدة في علم النفس والإرشاد الزواجي والأسري، وهي المدربة الأولى في الأنوثة القيادية، معدّة ومقدمة دورات تدريبية تفاعلية مباشرة وأونلاين منذ عام ٢٠٠٨. كاتبة لمئات المقالات والاستشارات التي غيّرت حياة الآلاف من النساء، ومؤسِّسة موقع "إستروجينات"، المرجع الأول لكل زوجة وأم وفتاة لأسرار وفنون الأنوثة القيادية، بباقة فريدة من المقالات والدورات، تأخذها خطوة خطوة نحو التفاؤل والإيجابية والتغيير 180 درجة، بأسلوب مرح لا يخلو من البساطة والعفوية. متزوجة وأم لأربعة أبناء، ومقيمة في أنقرة بتركيا. تواصلوا معي وتابعوني على موقع إستروجينات https://www.estrogenat.com/
تحميل المزيد