"اليوم حلّ رمضان لكن لن نذهب إلى الخارج لأنه يوجد كورونا".. هذا الكلام صدر عن ابني محمد، البالغ من العمر 5 سنوات، في صباح اليوم الأول من الشهر المبارك. وقد فهمت منه أنني لن أخرجه للتنزه خارج البيت مثلما تعوّد في العامين الماضيين.
فقد كنت أُفضل في رمضان في السنوت الماضية الخروج رفقة أحد أبنائي الصغار قبل ساعة من الإفطار للتنزه قليلاً بحديقة الحي الذي أقطن به، أو المشي إلى أحد الأحياء المجاورة، ثم العودة إلى البيت قبيل دقائق قليلة من موعد أذان المغرب.
لكن هذه العادة لم تعد ممكنة في رمضان الجاري، بسبب حظر التجول المفروض على العاصمة الجزائرية، الذي يبدأ سريانه من الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، أي قبل ساعتين ونصف الساعة من موعد الإفطار، وذلك في إطار مساعي الدولة للحد من تفشي جائحة كورونا.
هذا الكلام الذي تفوّه به ابني بكل براءة في صباح اليوم الأول من شهر الصيام أعاد تذكيري بأنّ رمضان هذا العام سيكون مختلفاً عن سابقيه بالنسبة لي ولعائلتي ولمعظم المسلمين بأرجاء المعمورة، بسبب الحرب التي يقودها العالم ضد "العدو غير المرئي"، المسمى فيروس "كورونا" أو "كوفيد-19".
والحقيقة، وبكل صراحة، أنني لم أنزعج كثيراً من فقدان تلك العادة البسيطة والروتينية؛ إذ يمكنني تعويض موعد التنزه رفقة الابن بساعة أخرى قبل بدء حظر التجوال، كما لم أتأثر كثيراً معنوياً من التغيير الذي حصل في رمضان هذا العام… على الأقل حتى كتابة هذا المقال.
من المؤكد أنَّ معظم المسلمين في جميع أنحاء الأرض يقولون إنهم قد افتقدوا "متعة" و"خشوع" و"سعادة" صلاة التراويح في المساجد، في ظل استمرار غلق بيوت الرحمن، في إطار "اجتهاد" المؤسسات الدينية والصحية والسياسية في تطبيق "التباعد الاجتماعي" لمنع انتشار عدوى فيروس كورونا.
لكن الحقيقة، وبكل صراحة، أنني شخصياً لم أكن منذ سنوات كثيرة من المداومين على صلاة التراويح في المساجد، إذ كنت أصلي تقريباً نصف عددها طيلة الشهر الفضيل، وذلك بسبب طبيعة عملي الذي كان يُجبرني على الدوام ليلاً.
وكما يقول المثل "رب ضارة نافعة"، فإنّ كورونا حوّل حياتي الروحية في رمضان نحو الأفضل، وخاصة فيما يتعلق بصلاة التراويح… كيف ذلك؟
السبب، ومن محاسن الصدف هو طبيعة عملي، ففي إطار الاستراتيجية التي اتّبعتها الدولة الجزائرية والمؤسسة التي أعمل بها، وهي السماح للموظفين القادرين بالعمل من المنزل، فأنا الآن أعمل من البيت، وأصلي التراويح أيضاً في البيت، والأجمل في ذلك أنني أنا من يؤم الجماعة.
وجماعة المصلين هي عبارة عن أفراد عائلتي الصغيرة، المكونة من الزوجة وأبنائي الأربعة، وأعتقد أنّ الصلاة رفقتهم تزيد من تقوية رابطتنا العائلية.
لا شك أنكم قد لاحظتم بعد قراءتكم لجزء من هذا المقال أني أعمل بالبيت، أي أني أقضي وقتاً كبيراً من يوم الصيام بالمنزل، لكن هذا لا يمنعني من الخروج، فأنا أخرج من مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم، واحدة في الصباح لأشتري ما تحتاجه العائلة لدى البقال، والمرة الثانية قبيل الظهيرة حيث أذهب لسوق الخضراوات والفواكه… وأنا أفضل هذا الوقت بالذات للتسوق حتى أتفادى الزحام، وأطبق سياسة التباعد الاجتماعي.
والمرة الثالثة هي قبل العصر أو بعده بقليل، حيث أخرج للمشي حوالي نصف ساعة بهدف "تحريك عظامي" وتنشيط الدورة الدموية بعد الجلوس الطويل على الكرسي أمام شاشة الكمبيوتر.
وبسبب حظر التجوال المطبق ليلاً فإنّ الزيارات العائلية لم تتم إلى الآن، ويمكن القول إنها ملغاة بالنسبة لي خلال رمضان هذه السنة، اللهم إذا زال البلاء بقدرة القادر القهار. لكن وعلى الرغم من ذلك فلقد فاجأني صهري المحترم بزيارة صباحية في اليوم الثالث من الشهر المبارك بعدما اشتاق لابنته ولأحفاده، ويمكن اعتبارها زيارة جريئة حقاً في زمن كورونا، على الرغم من أنها كانت خفيفة جداً.
هذا كل ما تغير في حياتي في شهر رمضان لهذا العام المميز، فلا تنتظروا مني أن أحدثكم عن اشتياقي للسهرات مع الأصدقاء والأحباب، فأنا منذ توقفي عن التدخين، قبل 7 سنوات، أصبحت أتجنب المقاهي وقاعات الشاي والجلسات الطويلة، حتى أتفادى إغراءات السيجارة ودخانها.
وقبل أن أترككم لا بد أن أخبركم أني عوّضت ساعة الخروج رفقة أحد الأبناء، قبل موعد أذان المغرب، بساعة من النوم، ولو أنه نوم متقطع بسبب شقاوة الطفل الصغير محمد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.