قريبي الذي مات في العشرين وجدي الذي عاش للتسعين

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/24 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/24 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
عندما أجلس مع جدي، أحاول أن أستمدَّ منه بعضاً من الرغبة في الحياة

قرأت يوماً أن الكبار لا يخشون الموت؛ لأن هناك وقتاً لمغادرة الحفل فقد قضوا وقتاً طيباً، لكن مع مرور السنوات فقدوا الكثير من أحبائهم الذين غادروا الحفل مبكراً عنهم، وأصبحوا لا يجدون الكثير من الروابط المشتركة بينهم وبين الضيوف الآخرين، كما أنهم يعرفون جيداً أن الحفل سيستمر بدونهم.

لكن عندما أنظر إلى جدي -أعطاه الله الصحة والعافية- أرى أنه لا يرغب في مغادرة الحفل الآن يتكلم عن المستقبل وكأنه شاب في مقتبل العمر، وعندما نتحدث عن الموت يقول: "محدش عارف مين هيموت قبل مين؟!". معه حق الموت لا يختار الأكبر سناً، لكن لله حكمة في الوقت الذي ينتهي فيه عمر كل إنسان.

أتذكر جيداً منذ سنتين أيقظني أخي من النوم ولم يمهِّد لي ما سيقوله، أعذره كان متوتراً ولم يستوعب الأمر بعد ولا يعرف كيف ينقل لي الخبر، بل قاله كقنبلة انفجرت في قلبي:

 "عبدالمعطي مات".

وأنا أحاول أن أستوعب ما سمعته، فهم أخي ما توصلت له فقال: "لا مش عبد المعطي جدك، عبدالمعطي ابن عمك".

لم أنسَ ما شعرت به، كانت لحظات شعرت أنني كبرت فيها سنوات، جدي الذي تخطى التسعين من عمره حي يُرزق، وابن عمي الذي لم يتخطَّ الخامسة والعشروي غادر الحفل مبكراً بسكتة قلبية مفاجئة، لله حكمة في ذلك حتى وإن لم ندركها.

 فقدنا مَن كان أكثرنا تفاؤلاً وأكثرنا رغبةً في الحياة، أكثر مَن يعرف كيف يجعلنا نضحك من قلبنا، كيف يحول الحزن إلى فرح بنكاته، أنظر حولي أجد الكثير من الكبار استطاعوا تخطِّي الأمر، أما نحن الشباب الذي كان أخاً وصديقاً لنا بداخل كل منا ألم لم نستطِع أن نتخطاه، نسترجع كيف كنا نتجمع ونسهر وكيف كان يجعلنا نبكي من الضحك، وأن العيد لا يكتمل إلا به، أصبحنا ننظر إلى الحياة على أنها يمكن أن تنتهي في لحظة، فلا داعي للقطيعة أو مشاكل الإرث التي في أغلب العائلات، كلنا ضيوف على هذه الأرض، أو كلنا مدعوون لحفل سنغادره عاجلاً أو آجلا.

عبدالمعطي رحمة الله عليه

عندما أجلس مع جدي، أحاول أن أستمدَّ منه بعضاً من الرغبة في الحياة، أود أن أعرف مع كل ما عاناه في حياته كيف حافظ على ابتسامته وحبه للحياة، هل حقاً على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟!

نحن أيضاً في هذا الجيل نعاني من رتم الحياة السريع الذي يضغط علينا من كل جوانب الحياة، من تعليم وعمل وزواج وسياسة! فرض علينا أن ننضج سريعاً، بات ذلك واضحاً، فمنذ يومين شاهدت خلافاً بين رجلين تخطيا الستين من عمرهما، بدأ الخلاف بألفاظ لا يمكن ذكرها، ثم تطاول إلى مد كل منهما يده على الآخر، تمكن بعض الشباب من فض الخلاف بينهما، ثم هز شاب رأسه وقال: "بيقولوا على الشباب طايش.. ده إحنا اللي كبرنا وشيخنا!".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إلهام محمد
كاتبة ومدونة
تحميل المزيد